العلم وأصل الحياة

منذ 2021-04-07

إن إشعاعة الحياة سرٌّ من أسرار الله الخالق البارئ المصوِّر، ولا حرج على العلم في النظر في كيفية انبثاق الحياة، بشرط أن يؤمن بالخالق والخلق أولًا، ثم يبحث بجدٍّ بعد ذلك ليحقِّق قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}

لم يكن نجاح ستانلي ميللر الأمريكي، في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وكذا نظيره الروسي أوبارن، في تصنيع الأحماض الأمينية من خليط من الميثان والأمونيا وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وغيرها من المواد غير العضوية، باستخدام أجهزة بسيطة عن طريق التفريغ الكهربي وتحت الضغط الجوي - إلا خطوة للحصول على اللبنات الأولى المكوِّنة للكائن الحي.

 

وكان وما يزال الانتقال بالجزيئات العضوية إلى حياة تنبض، خارج مقدور جميع علماء الأرض، وفي ذلك إثبات للعجز البشري عن صنع حياة، أيِّ حياة، وصدق الله تعالى حيث يقول: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].

 

ويقينًا فإن يد القدرة الإلهية كانت وما تزال هي الوحيدة وراء إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي.

 

إن إشعاعة الحياة سرٌّ من أسرار الله الخالق البارئ المصوِّر، ولا حرج على العلم في النظر في كيفية انبثاق الحياة، بشرط أن يؤمن بالخالق والخلق أولًا، ثم يبحث بجدٍّ بعد ذلك ليحقِّق قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}  [العنكبوت: 20].

 

ويتفق أغلب العلماء على أن الحياة نشأت عن طريق "سلسلة من التفاعلات الكيميائية"، تمت تحت ظروف بيئية مغايرة تمامًا للظروف السائدة على الأرض اليوم، وأدَّت تلك الظروف إلى إنتاج تجمُّعات من الجزيئات العضوية، وانطلقت نماذجُ تلك النشأة من نظرية التطور، مترسمةً هُداها في أن نمو المادة الميتة أو الجزيئات غير العضوية التي سبقت الخلايا الحيةَ قد تأثَّر بالآليات التي تحكُم الكائناتِ اليومَ من التنافس، ونسخ الجزيئات، والانتقاء الطبيعي.

 

بمعنى آخر: وقع أغلب هؤلاء العلماء في تفسيرهم لنشأة الحياة في أَسْرِ نظرية دارون، فإذا بطَلَتِ النظرية بطَلتْ معها التأويلات المنبثقة عنها، وقد سقطت النظرية فعلًا.

 

ناقش هكسلي "T. H. Huxly" عالم الحياة البريطاني عام 1980م - الفكرة المحيِّرة والمثيرة للجدل التي تفترض أن الأنظمة الحية تطوَّرت عن جزيئات غير حية في محيطات بدائية تشبه الحساء العضوي، وفي أثناء مساجلات هكسلي كان معظم العلماء يعتقدون من خلال تجارِبهم أن الحياة يمكن أن تأتي فقط من حياة سابقة، أو ما يُعرَف بالتولد الذاتي.

 

وقد تأكد فيما بعدُ عدمُ صحة هذا الفرض، وقد تمسَّكَ هكسلي بمعتقده في أن الحياة قد نشأت من كيماويات غير حية، إلا أنه أخفَقَ في شرح الطريقة التي تمَّت بها، ولكن غلبه الإحساس بأن ذلك وقَعَ على الأرض الابتدائية، وكان "يتوقع أن حكمة التطوُّر كانت وراء نشأة الجبلة الحية من المادة غير الحية".

 

وبين عامي 1920 و1930 قام كلٌّ من الروسي أوبارن "A. I. Oprin" والإنجليزي هالدان "J. B. S. Haldane" بنشر مجموعة من الأفكار تدعم فرضية مجيء الحياة على الأرض نتيجة تفاعلات كيميائية في بيئات تفتقد الأكسجين، وتوقع أوبارن حدوث خطوة انتقالية بين الكيماويات غير الحية والخلايا الحية، تُشبِهُ ما يُعرَف اليوم بالقطيرات المتجمعة، وتلك القطيرات تحت ظروف معيَّنة.

 

وفي عام 1954 قام هالدان بنشر ورقة علمية تتكهَّن بأربعة تفسيرات محتملة لكيفية ظهور الحياة، وأيَّد أكثرها قَبولًا، وهو التفسير المعبِّر عن أن الحياة قد صعدت من تطور كيماوي في بيئة قديمة فقيرة في الأكسجين.

 

على أن التقدم الحقيقي في محاولات الكشف عن بداية الحياة بدأ مع التجرِبة التي أجراها ستانلي ميللر "Stanly L. Miller" في الخمسينيات من القرن المنصرم في معمل هارولد "Haroldk C. Urey" في جامعة شيكاغو، وقد قام ميللر بتحضير جزيئات عضوية متنوعة تُشبِهُ الكثير من الأنواع الموجودة في الكائنات الحية.

 

ومنذ تلك التجربة أخذت الدراسات تتكهَّن بأن الغِلاف الجويَّ للأرض في مهدها ربما لم يكن محتويًا فقط على الأمونيا، ولكن أيضًا يحتوي على خليط من النيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، كما اتفق العاملون في هذا المجال لاحقًا على أن الأكسجين الحرَّ لم يكن موجودًا في الغلاف الهوائي الأوليِّ للأرض.

 

وتمكَّنت التجارِبُ المعمليَّة في ضوء المعلومات الجديدة عن ظروف الأرض في مهدها من إنتاج مجموعة من الجزيئات العضوية المعقَّدة من مثل الأحماض الأمينية، وتمثِّل تلك الأحماض اللبناتِ الأساسية للخلايا.

 

وفي خلال الثمانينيات من القرن العشرين أُضيفت فرضيات جديدة للأفكار السابقة، وظهرت تكهنات من قِبَلِ جيولوجيين من أمثال كابرنيس سميث "A. S. Caprins- Smith" ونسبت "E. S. Nsbit"، تشير إلى أن ظهور الحياة قد يرتبط بمعادن الطين أو الزيوليت "Zeolites"، وربما تكونت لأول مرة في عيون حارة.

 

وقد وُضع نموذج جديد في عام 1977م يفسِّر أصل الحياة، خلاصته أن الحياة جاءت من جوف الأرض من خلال القصبات "القنوات" التي تمر منها المحاليل الحرارية عند أحيد "مطبات" وسط المحيطات في أماكن اتساع قِيعانها، فهناك يأتي الكربون من الصهير الصاعد من جوف الأرض.

 

واستندت تلك الفرضية على وجود بكتريا تُعرَف بالإركيوبكتريا، تعيش في العيون الكبريتية وقصبات البراكين، تتغذي على الكبريت دون الحاجة إلى الأكسجين وضوء الشمس، وهذا الفرض يعني أن الحياة ظهرت في قاع البحر من المحاليل الحرارية الصاعدة من جوف الأرض.

____________________________________________________
المؤلف: د. حسني حمدان الدسوقي حمامة