حالة طوارئ

منذ 2021-06-09

في هذه الأيام، يتوجه أبناؤنا وبناتنا من الطلاب والطالبات إلى قاغات الاختبارات، فالجميع مستعد، وحالة الطوارئ معلنة، في كثير من البيوت.

في هذه الأيام، يتوجه أبناؤنا وبناتنا من الطلاب والطالبات إلى قاغات الاختبارات، فالجميع مستعد، وحالة الطوارئ معلنة، في كثير من البيوت.


وبهذه المناسبة، لنا في وقفات لابد منها:
الوقفة الأولى:

إن أعظم زادٍ لتحصيل النجاح والتفوق، ليس في امتحانات المدارس فحسب، ولكن في جميع المطالب الدنيوية والأخروية، ولمواجهة كافة الأزمات، وأحلكِ الظروف؛ إنه التوكل على الله تعالى بالإكثار من الذكر وشدة التعلق به سبحانه وتعالى، واستجلاب مدده وعونه وتوفيقه، والاعتماد عليه سبحانه رب العالمين، فهوالذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير.

فالتوكُّل على الله عز وجل  أعظمُ زادٍ، كيف لا، وهو سبيل المؤمنين: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122]، فتوكَّلُوا على الله - أيها الطلاب النجباء - وثِقُوا به، فقد قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3].

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس توكُّلاً واعتماداً على الله تعالى، فقد كانت الآياتُ الكريمات تتنزَّل عليه وهو يواجه المعاندين لدعوته، المستهزئين به، فتأمره بالتوكل على الله تعالى، والاعتماد عليه مرةً بعد مرةٍ: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 48]، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 8، 9].

ويقول عليه السلام موجهًا ابن عباس رضي الله عنهما: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ...» الحديث أخرجه الترمذي (2440)، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

أيها المستعِدُّون للاختبارات توكَّلُوا على الله، واعتمدوا عليه، فإنّه لا ينفع شيءٌ مع خِذلان الله تعالى، لاينفعُ حِفظٌ ولا ذكاءٌ، ولا تفرغٌ ولا استعداد، نعم هي أسبابٌ نافعةٌ، وعظيمةٌ، ولكن بإذن الله تعالى مسبب الأسباب.

الوقفة الثانية: أُوجِّهُها للآباء والمُعلِّمِين:
فعلى الآباء: مُساعدةُ أبنائهم على النجاح، وتهيئة الظروف المناسبة لهم، وعليهم أن يرفقوا بهم، ويُقدِّرُوا جهودهم، ويتفهَّموا ما يتعلَّق بالفروق الفردية، والإمكانات المختلفة.

وعليهم أيضاً أن يكونوا معاونين لأبنائهم، ومشجِّعين، لا مُرهِّبين ومُهدِّدين.

كما نُوجِّهُ المُعلِّمين بمساعدة التلاميذ، وذلك بالرفق بهم، بإيضاح الأسئلة لهم، وإزالة الرهبة من نفوسهم، ودأبهم في هذا أن يعاملوا الطلاب معاملة الأبناء.

كما نوصيكم أيها - المُعلِّمون الكرام - بالإخلاص لله تعالى، فأنتم على ثغرة عظيمة، هي ثغرة التربية والتعليم، فعليكم بمراقبة الله تعالى في كافة أعمالكم، وعليكم بالحرص على مصلحة أبنائكم وطلابكم.


الوقفة الثالثة: لأبنائنا الطلاب.
عليكم بالاجتهاد في الاستذكار، والإخلاص في طلب العلم.

أخي الطالب: أخلِص النيةَ لله تعالى، وابتغِ مرضاته - سبحانه وتعالى، فبهذا يكون العلم عبادةٌ عظيمةٌ، فكلُّ عملٍ مشروعٍ في الإسلام، مع حُسنِ القصد وإخلاص التوجُّهِ، يتحوَّل إلى عبادة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا»؛ رواه مسلم (1674).

ورأى الصحابة رجلاً جلدًا يضرب الأرض بفاسه، فقالوا: يارسول الله؛ لو كان جَلَدُه في سبيل الله، فقال عليه السلام: (( «لا تقولوا هذا، إن كان قد خرج يعول أبوين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان قد خرج على أولاد صغار، فهو في سبيل الله، وإن كان قد خرج يعِفُّ نفسه وأهله، فهو في سبيل الله» فالإخلاص في طلب سائر العلوم يُحوِّلُها إلى عبادة وقُرْبة.

أما علوم الشريعة فلا خيار فيها، حيث يجب الإخلاص، واحتساب الأجر في طلبها، وقد قال عليه السلام: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ  الْقِيَامَة»  يعني: ريحها. رواه أبوداود (3179).


أيها الطلاب:
ومع الإخلاص لله تعالى والتوكل والاعتماد عليه و كثرة دعائه، واحتساب الأجر في طلب العلم، فيجب بذل أسباب النجاح من الجد والاجتهاد في التعلم الاستذكار وترتيب الأوقات، والحذر من الإفراط في السهر في ليالي الامتحان، وتضييع الصلوات، ومعصية الوالدين، واللجوء إلى الغش في الاختبار، فقد قال عليه السلام: «... وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»؛ رواه مسلم (146)، فالغشُّ من مُنكَرَات الذنوب، وما نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك التحذير الشديد إلا من أجل بيان شناعة هذا الخُلُق.


إخواني وأبنائي الطلاب:
إذا حصل التفوُّق والنجاح فهو فضلٌ من الله تعالى، فعلينا أن نشكره: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

ولو وقع الرُّسُوب الإخفاق، فإيَّاكم واليأس والقنوط، فهو قدرٌ مكتوب، فعليكم بالصبر والاحتساب، وحسن التسليم لله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23].

عباد الله:
إننا حينما نمرُّ بظروف الامتحانات، فإنه يجدُرُ بنا أن نتذكَّر الامتحان الأكبر، امتحان ليس فيه أدوار ومحاولات، خلود في الجنة أوالسعير: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 103- 107].

يومٌ تُوزَنُ فيه الأعمال، ويُحاسَبُ فيه العباد بمثقال الذرة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].


فهنيئا للناجحين في ذلك اليوم، بسعادة أبدية، في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ويا لتعاسة الراسبين الهالكين، في النار المؤصدة: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75]، {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97]، {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36].


فإلى المستعدين لاختبار الدنيا:
عليكم بالاستعداد للامتحان الأكبر: {يَوْمَ لَايَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: 88، 89]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيه * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج: 11- 18].

نسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق للاختبار الأعظم: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93].

ويقول عليه السلام: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»؛ رواه الترمذي (2341)، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

أسال الله للجميع التوفيق والنجاح وحسن الاستعداد ليوم الحساب.

هذا وصلُّوا على النبي المختار، فقد أمركم ربُّكُم بالصلاةِ والسلامِ عليه.