بغتة العذاب

منذ 2021-06-09

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة.

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فعلى الإنسان ألا يغتر إذا أذنب, ولم ير عقوبة وعذاب, فالعذاب قد يأتي بغتة. قال الله عز وجل: { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم}  [الحج:55] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (بغتة) بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.

وقال الله عز وجل:  {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} [الزمر: 55] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ( وأنتم لا تشعرون ) أي: لا تحتسبون أن يقع بكم العذاب, لأنكم غافلون, وليس عندكم شعور, وهذا كقوله تعالى:  {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*  أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}  [الأعراف: 97-99] والغالب أن من انهمك بالمعاصي نسِي الخالق ونسِي العذاب, فيأتيه العذابُ وهو أشدّ ما يكون انغماساً في المعاصي والترف.

قال الله عز وجل: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}  [الأنعام:44] قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان قد يأتيه بغتة, فبينا هو في نعيمه وسروره في الدنيا منغمساً في معاصي الله إذ بالعذاب يأتيه بغتة, وسواء كان هذا العذاب عاماً شاملاً أو كان خاصاً, فقد يبتلى بمرض, أو بحوادث تكسره وتحطمه أو بموت عاجل, ولهذا قال: (أخذناهم بغتة) أي: أَخذَ بغتة, أي: مباغت, والمباغت هو الشيء الذي لا يتوقعه الإنسان فيقع من غير توقع له.

وقال العلامة السعدي رحمه الله: {فلما نسوا ما ذ كروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}  من الدنيا ولذاتها وغفلاتها (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) أي: آيسون من كل خير, وهذا أشدّ ما يكون من العذاب, أن يؤخذوا على غيرة, وغفلة وطمأنينة, ليكون أشد لعقوبتهم وأعظم لمصيبتهم.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله:  {وليأتينهم بغتة}  [العنكبوت:53] هذه صفة وقوع العذاب, ففيه تهديد وتحذير, أي: فاحذروا أن يأتيكم.

فإن أردنا السلامة من العذاب فلنكن وجلين خائفين من عذاب الله وعقابه, فمن خاف سلِمَ, قال الله عز وجل: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم }  [الطور:25_26] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه.

وخوفنا من الله يستلزم أن نترك الذنوب, قال عز وجل:  {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون} [المعارج:27] قال العلامة السعدي رحمه الله: أي: خائفون وجلون, فيتركون لذلك كل ما يقربهم من عذاب الله.  

فلنبادر عاجلاً بالتوبة والإنابة, قال الله عز وجل: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون}   [الزمر: 54]

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: الحذر من نزول العذاب عند المخالفة, لقوله تعالى: (من قبل أن يأتيكم العذاب) فلا أحد يأمن عذاب الله تعالى, فأنت إذا لم تتُب إلى الله تعالى مُبادرة فإن العذاب ربما ينزل بك, وإذا نزل العذاب من عند الله تعالى فلا أحد يمنعه لقوله تعالى: (ثم لا تنصرون)

              كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ