قصة سليمان بن داود عليه السلام - (2) بلقيس والمعجزة الكبرى
كان الطير في خدمة سليمان، ومِن هؤلاء الطيور الهدهد، وكان مكلفًا في البحث عن الماء، وهذه ميزة أعطاها الله للهدهد، فإنه يحلِّق فوق الأرض فيرى الماء الباطني فيدلهم على مكانه فيحفِرون ويستخرجون الماء
قال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20، 21] كان الطير في خدمة سليمان، ومِن هؤلاء الطيور الهدهد، وكان مكلفًا في البحث عن الماء، وهذه ميزة أعطاها الله للهدهد، فإنه يحلِّق فوق الأرض فيرى الماء الباطني فيدلهم على مكانه فيحفِرون ويستخرجون الماء، وقد احتاج سليمان إلى الماء للصلاة وهو في البر بمنقطع من الأرض، فطلب الهدهد ليبحث له عن الماء فلم يجده، وتهدده لهذا الغياب، خصوصًا إن كان غير مبرر، {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21]، قال المفسرون عن هذا العذاب الشديد بأنه سيأمر بنتف ريشه وتركه في الشمس، وهذا بالنسبة للهدهد مؤلم جدًّا، وعلى الهدهد أن يبرر هذا الغياب بما هو مقنع لسليمان عليه السلام، وحضر الهدهد الغائب يخفق قلبه من الإعياء وكأنه كان في سفر بعيد، {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: 22]، وسأله سليمان عن سبب غيابه، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22].
فسبحان الله! كل هذه الإمكانات لسليمان فقد غاب عنه ما كان يحدث في اليمن جناح الوطن الأيمن، سليمان ينشر التوحيد وأولئك كانوا في شرك ظاهر، قل أيها الهدهد ماذا رأيت؟ {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]، لقد أتى بنبأ وافٍ صادق، جمع عنه معلومات مهمة تفيد في تكوين رأي متكامل حول هذا البلد، بأن هناك دولة سبأ في اليمن تُحكم من قِبل امرأة قوية - بلقيس - مطاعة في قومها، وأوتيت من كل شيء من القوة والسلطان والجيش، ودليل قوتها وفرض نظامها أن لها عرشًا عظيمًا من حيث الحجم والصنعة والترف في تزيينه بالجواهر واللآلئ والذهب والفضة، وغالبًا فإن هذا يدل على رسوخ الدولة وقوتها وحضارتها، ولكن ما هو غير مقبول من أهل هذه الدولة أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله، وهذا ما أزعج الهدهدَ، فعاد لاهثًا عجِلًا ليخبر سليمان بالأمر؛ لأنه يعرف أن هذا لا يرضيه، {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]، وهنا سكَن عن سُليمان الغضب تجاهه، لكنه تأجج لما سمعه عن دولة سبأ ومقدار هذا الانحراف الخطير عن المنهج الحق، وسجودهم للشمس من دون الله وسيطرة الشيطان على عقولهم وأفهامهم، فقال مستنكرًا عليهم فعلهم: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]، وقرئ: {مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النمل: 25].
كان الواجب عليهم أن يدركوا من خلال العقل والتفكير بهذا الكون وما فيه ليصلوا إلى عبادة الله المستحق للعبادة حقًّا، والخبء ما هو مخبوء ومخزون من مطر وعشب ونبات وكنوز، وهم على هذه الدرجة من العيش كان عليهم أن يدركوا الخالق القدير من آثار نعمه، أما عبادة الشمس فهذا فعل من لفّهم الجهل وأطبق عليهم العمى والضلال، {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27]، وبعد سماع أقوال الهدهد أراد أن يتحقق من أقوال الهدهد أكان صادقًا أم كان ملفقًا لهذه القصة ومخترعًا لها، {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] مَن بدأ المهمة فعليه أن يكملها؛ لذلك اختاره سليمان ليكون سفيره إلى قوم سبأ، وأوصاه بأن يلقي إليهم كتابه ثم ينتظر رد فعلهم وتصرفهم إزاء هذا الكتاب، فألقاه إلى بلقيس والكتاب ممهور بالخاتم، وهو في فخامته ملوكي يستدعي النظر فيه والرد عليه، والتزم الهدهد بتوجيهات سليمان، {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 29 - 31]، لقد عرفت بلقيس أن ما ألقي إليها هو كتاب كريم من ملك له شأنه وقوته، ويبدو هذا في شكل الخطاب ومضمونه، فلأول مرة تسمع بالتسمية، وفيها قوة، لم يدعُ سليمان لنفسه، وإنما بدأ بذكر الله الرحمن الرحيم، ثم دعاهم إلى أن يأتوه مسلمين؛ أي: مستسلمين مذعنين لله بالإسلام، وله بالطاعة والولاء، استمع الهدهد إلى عرض الملكة لفحوى الخطاب بموضوعية، وطلبت من مجلس الأعيان والقادة إبداء الرأي: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32] في هذا الأمر الخطير لم تشأ أن تنفرد بالقرار، وإنما أشركت فيه أهل الرأي؛ لكي يتحملوا معها المسؤولية، فكان جوابهم: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، كان في ردهم كياسة وحُسن تصرف؛ فقد عرضوا ما عندهم من قوة وجيش وشجاعة وعدم الخوف من دخول الحرب، فهم على جاهزية عالية من الاستعداد، وهذا ما يخصهم، وأما القول الفصل فقد جعلوه في يدها وهم لا يخالفون لها أمرًا فيما تتخذه من قرار، وهنا لم تشأ أن تورط قومها بحرب غير محسوبة، فهي لا تعرف قوة خصمها، وتخشى الزلة؛ لذلك لجأت إلى الدبلوماسية بعد أن قررت قاعدة مهمة في الحرب، {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، وبعد أن مهَّدت بما ستقوم به من مبادرة دبلوماسية تعرِف فيها عدوها بشكل أوضح وتكسب الوقت لمزيد من الاستعداد، ولكي يكون في مبادرتها إقناع لقادتها، أفصحَتْ عما اعتزمت القيام به، {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، وقالت لمستشاريها: إن كان ملكًا فستعجبه الهدية ويقبلها منا ويكف عنا شره، وإن كان نبيًّا فلن يقبلها، ولن يقبل منا إلا أن نتابعه على دينه، وغادر الرسل محملين بالهدايا، وأخبارها قد وصلت سليمان قبل أن يتحركوا؛ فالهدهد نقل له كامل التفاصيل، وجاء الوفد يحمل إلى سليمان الهدايا الفاخرة من نفيس الجوهر واللؤلؤ والذهب، قال للوفد: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36]، قال سليمان مخاطبًا رئيس الوفد بعد أن مثل بين يديه: إن ما آتاني الله خير مما آتاكم، فانظر إلى قوتنا وآثار نعم الله علينا وعلى بلادنا وما عندنا من الجنود والأموال، {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]، وعاد الوفد إلى بلقيس وقصوا عليها خبر سليمان ونبوته وما عنده من قوة وسلطان مؤيد من الله، فتأكدت أنه نبي لا تغريه الدنيا ولا المال، فأرسلت إليه بأنها قادمة مع وفد رفيع المستوى من رجال الدولة والمستشارين، وفي اليمن أنابت مكانها على المملكة وغلقت الأبواب على عرش ملكها ريثما تعود، ووكلت به حراسة قوية، وانطلقت إلى الأرض المقدسة تقابل سليمان الحكيم، ورصد سليمان قدومها وتتبع منازلها يومًا بيوم فكان الجن يأتونه بهذه الأخبار، حتى إذا اقتربت من بلاده، {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]، وكانت فكرةً منه قوية يريد بها إحداث المفاجأة التي تثبت لها قوته وسلطانه، وأنه نبي مرسل، أعطاه الله من كل شيء، فلا يقهره عدو، فاختار أخذ عرشها لضخامته وعظمه، ولأنها وكلت به من يحفظه لها حتى تعود، فأخذُه بهذه الطريقة وتركيبه في مملكته وهو على حاله دون تغيير به أو مساس بأركانه معجزة خارقة، وفيه من المفاجأة لها ما يجعلها تستسلم وتسلم هي ومن معها بلا تردُّد، وبوجود عرشها في بلده يجعلها تعيش أجواء بلدها فترة إقامتها عند سليمان فكأنها في بيتها ودارها، {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39] قوة خارقة مع تعهد بالحفاظ عليه كما هو، ولكن سليمان يريد إحضاره بسرعة أكبر ليعرف مدى جاهزية من يخدمه وسرعة إنجازهم للأعمال الخطيرة، {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]، وهذا في سرعة البرق، فلا يتصور الإنسان سرعة تفوق ذلك، فأذن له، {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، فلم يُحضره بهذه السرعة عفريت، وإنما أحضره رجل مؤمن، هو آصف بن برخيا، كان صديقًا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41]، وهنا أمَر بإجراء بعض التغيير على عرشها غير المخل بشكله العام، يريد بذلك امتحان ذكائها وقوة ملاحظتها، {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: 42] ترى هل نجحت في الامتحان فطنةً وذكاءً؟ وإلا لما كانت ملكة مطاعة في قومها، فمنذ ورد عليها كتاب سليمان تصرفت تصرف العاقل الحكيم، ولكن ما شأن عبادتها للشمس، أليس من يفعل هذا يكون في درجة منحطة من سمو التفكير ورقي الروح وانطلاقة العقل؟! {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43]، وقد منعها اعتقادها السابق وهو عبادتها للشمس من الاهتداء للإسلام؛ لأنها وُلدت في بيئة كافرة؛ أبًا وعشيرة، واليوم رأت البرهان والنور والضياء والمعجزات الباهرة التي لا تتحقق إلا بقوة قاهرة غالبة من خالق هذا الكون؛ لذلك أقبلت على الإيمان، وتركت ما كانت تعبد من دون الله، وأعلنت إسلامها، {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]، كان بناءً في غاية العجب والابتكار والفن الحالم، فكانت مقدمته من زجاج تشف عن مياه تسبح فيها الحيتان؛ لذلك لم تتمالك عندما وضعت رجلها على الزجاج إلا أن رفعت ثوبها خشية البلل، فأغضى سليمان الطرف، وبادر: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [النمل: 44]؛ أي: لا تخافي البلل، فهذا صرح أملس من الزجاج شفاف، وكان هذا أيضًا من الأمور المبهرة لبلقيس؛ لذلك لم تتمالك من شدة إعجابها ويقينها أنها بحضرة نبي مؤيد من الله إلا أنها أفصحت عن خطأ ما كانت عليه، فأعلنت إسلامها، {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44]، وهذا غاية في الاعتراف بالخطأ والتكفير عما فات بإعلانها الإسلام قناعة وعقيدة راسخة بدَّدت ظلام السنين التي عاشتها مع شعبها وهي تظن أنها على طريق سوي، وهكذا دخلت اليمن في حظيرة الإسلام، وشمِلتها دعوة التوحيد، الآيات من سورة النمل: [16 - 44].
حول ما ورد في هذه القصة:
• تكلَّم المفسرون كلامًا كثيرًا عن الريح التي حملت سليمان، ومنهم من قال: بساط الريح، والأولى أن يقال كما ورد في النص: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] تأتي الريح وفق طلب سليمان فتحمل ما يأمرها أن تحمله وتمضي بالحمولة حيث أُمرت، وأن غدوة منها في قطع المسافة تساوي سفر شهر على الإبل وكذلك الروحة، فالغدو: ما بين الصباح إلى الزوال، والرواح: ما بين الزوال إلى الغروب.
• تكلم بعض المفسرين عن النملة التي حذرت قومها من جنود سليمان، فقالوا: اسمها خرسا، وقيل: حرس، وقيل: كانت رئيستهم، وقيل: كانت عرجاء، وقيل: كانت بحجم الذئب، وشطح الخيال بهم بعيدًا، وقد أخذنا من أخبارها قدر ما يفيد.
• قيل عن بلقيس: كان أحد أبويها من الجن، وهذا لا يصح، فإذا اختلف الجنسان فلا حمل من معاشرة أحدهما الآخر، وقد يحدث إذا تقارب الجنس؛ كالحمار والحصان، ينتجان البغل، والبغل لا يخلف بعضه من بعض، وكالذئب والكلب، ولكن هناك بون شاسع بين الإنس والجن: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12]، وقيل: كانت كثيرة الشعر في جسمها؛ ولهذا موَّه لها الصرح لتكشف عن ساقيها ويرى صدق ما أخبر عنه، ومر في الصحيح أنه غض بصره عندما كشفت عن ساقيها، وقيل: طلب من أهل الصناعة أن يصنعوا لها ما يزيل الشعر، صنعوا له "النورة"، وهي مادة قلوية تعمل على إتلاف الشعر، وقد طورت مع الزمن، وهي في عصرنا تباع تحت مسميات عديدة لإزالة الشعر، وورد بخبر لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلى بالنورة، وأخرج أحمد عن عائشة قالت: "اطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة، فلما فرغ منها قال: ((يا معشر المسلمين، عليكم بالنورة؛ فإنها طلية وطهور، وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم))".
• كما قيل بأن سليمان تزوجها، وقيل بأنه زوجها أحد أهل الشرف في قومها "ذا تبع" ملك هَمْدان، وأعادهما إلى اليمن، وجعله ملكًا على اليمن، وكلف أمير جن اليمن ليأتمر بأمره، فساعده، وصنع له الصنائع في اليمن، وبقي كذلك حتى وفاة سليمان.
- التصنيف: