استشعر أنك في مضمار سباق
إذا سارع بعض الناس في الاثم والعدوان فسارع أنت في الخيرات، وإذا سابق بعضهم إلى اللذات، فسابق أنت إلى مغفرة ربك وجنته، وإذا فرَّ بعضهم من الله ففرَّ أنت إليه، فإنه لا يقربك منه إلى الإسراع إليه، ولا ينجيك منه إلا الفرارُ إليه.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
تأملْ قولَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} واستشعر أنك في مضمار سباقِ، وضع نصب عينيك الجائزة الكبرى، إنها المغفرةُ، التي هي أُمنِيةُ كل إنسانٍ، والجنَّةُ مهوى أفئدةِ المؤمنينَ.
وتأمل ما يوحي به ذلك اللفظُ: {سَارِعُوا}، الذي يدلُّ على المفاعلة، ومعناه المبادرة إلى فعل الخيرات، فهناك من يسارعُ إلى اللَّهِ تَعَالَى، ويبادر إلى طاعته فمهما بدت له طاعة طار إليها، ولسان حاله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
وقريب منه قوله تَعَالَى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ}. [الْحَدِيدِ: 22]، والمسابقة شدة العَدْوِ في السيرِ، فهناك من يسابقك إلى الله، وينافسك في مرضاته، وهذا الذي ينبغي أن تصرف همتك إليه، وأن تحرص كل الحرص عليه.
وقريب من المسارعةِ والمسابقةِ الفرارُ، لكنَّ الفارَّ عنده من الحرص ما ليس عند المتسابقين والمسارعين، وإذا كلَّ المتسابق توقف، وإذا أعي المسارعُ تباطأ، والفارُّ ينسيه الفزعُ تعبَهُ، ويُشغِلُهُ الخوفُ عن الإِعياءِ، لذلك ذكر الله تعالى الفرار حين دعا عباده إليه؛ فقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}. [الذاريات: 51] فأمر بأعظم الأسباب، لتحقيق أعظم مطلوب.
ومن الأمر بالمسارعة والمسابقة الفرار يتبين أن العجلة مذمومة في كل شيء إلا في الخيرات، وفعل الطاعات، والأناة ممدوحة في كل حال إلى فيما يحبه الله، ويقرب العباد إليه.
وَالذين يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ هم أولى بثناءِ الله تعالى كما قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
فيا عبد الله إذا سارع بعض الناس في الاثم والعدوان فسارع أنت في الخيرات، وإذا سابق بعضهم إلى اللذات، فسابق أنت إلى مغفرة ربك وجنته، وإذا فرَّ بعضهم من الله ففرَّ أنت إليه، فإنه لا يقربك منه إلى الإسراع إليه، ولا ينجيك منه إلا الفرارُ إليه.
__________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب
- التصنيف:
- المصدر: