التكبير في أيام العشر
الصحابة - رضي الله عنهم - وهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبرون يوم عرفة وهم محرمون، ويوم عرفة من العشر.
جاء في "غاية المقتصدين، شرح منهج السالكين"، لأحمد بن عبدالرحمن الزومان:
الثالث: (كل عشر ذي الحجة)، وهي من اليوم الأول من ذي الحجة إلى غروب شمس يوم عرفة، وسميت عشراً من باب التغليب؛ فعن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان يلبي الملبي لا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه"[1]. فالصحابة - رضي الله عنهم - وهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبرون يوم عرفة وهم محرمون، ويوم عرفة من العشـر.
[1] رواه البخاري (970) ومسلم (1285).
المروي في التكبير في أيام عشر ذي الحجة:
1: الموقوف على ابن عمر وأبي هريرة: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما؛ ذكره البخاري تعليقًا.
وذكر الحافظ ابن رجب في فتح الباري (9/8) من وصله فقال: من رواية سلَّام أبي المنذر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد؛ فذكره. خرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب (الشافي)، وأبو بكر المروزي القاضي في كتاب (العيدين). ورواه عفان: نا سلَّام أبو المنذر؛ فذكره...
وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر البغدادي شيخ الحنابلة. وثقهُ الذهبي في سير أعلام النبلاء . وعفان بن مسلم ثقة ثبت. وأبو المنذر سلَّام بن سليمان جاء في ترجمته في تهذيب التهذيب: قال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: لا بأس به. وقال بن الجنيد: سألت ابن معين عنه: ثقة هو؟ قال: لا. وقال بن أبي حاتم: صدوق صالح الحديث. وقال الآجري، عن أبي داود: ليس به بأس... وذكره ابن حبان في الثقات... وقال: كان يخطىء، وليس هذا بسلام الطويل؛ ذاك ضعيف، وهذا صدوق. وقال الساجي: صدوق يَهِمُ ليس بمتقن في الحديث. قال ابن معين: يحتمل لصدقه. وقال الذهبي في الميزان: قال ابن معين: لا بأس به. وعنه رواية أخرى: لا شيء. ويحتمل أن يكون أراد سلامًا الطويل.
وحميد بن قيس الأعرج وثقه ابن سعد، وابن معين، وأبوزرعة، وأبو داود. وهو من رجال البخاري ومسلم. ومجاهد ابن جبر ثقة من رجال البخاري ومسلم.
فما أظهر من السند حسن فيبقى النظر في الواسطة.
2: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيامٍ أحَب إلى الله أن يتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة؛ يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر)). رواه الترمذي (758)، وابن ماجه (1728)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (368) وزاد ((فأكثروا من التسبيح والتهليل وذكْر الله)). وإسناده ضعيف.
في إسناده مسعود بن واصل ضعفه أبوداود الطيالسي، وقال أبو داود: ليس بذاك. وذكره ابن حبان في ثقاته وقال: ربما أغرب. وفي إسناده أيضًا النهاس بن قَهْم تركه يحيى القطان، وضعفه ابن معين، وقال أبو أحمد الحاكم: ليِّن الحديث.
قال الترمذي بعد ما أخرجه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس، قال: وسألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال: قد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا شيء من هذا، وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم من قبل حفظه. وأشار إلى ضعفه الدارقطني في العلل (1719) ورجح الإرسال. وضعف إسناده البغوي في شرح السنة (1126)، وابن حجر في فتح الباري (2/461)، وضعفه في معارف السنن (5/443)، وفي الضعيفة (5142/م).
وللحديث طريق أخرى أخرجها الترمذي في العلل (121) عن أحمد بن نيزك البغدادي، نا أسود بن عامر، نا صالح بن عمر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وأحمد بن محمد بن نِيزك البغدادي أبو جعفر الطوسي قال الحافظ: صدوق، في حفظه شيء.
قال الترمذي في العلل: سألت محمدًا وعبد الله بن عبد الرحمن عن هذا الحديث فلم يعرفاه من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقال الدارقطني في العلل (9/202): تفرد به أحمد بن محمد بن نيزك، عن الأسود بن عامر، عن صالح بن عمر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه.
3 حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه:
(1): الإمام أحمد (5423): عن عفان، حدثنا أبو عوانة، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)). وإسناده ضعيف.
يزيد بن أبي زياد قال الحافظ: ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن. وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند (5446). وتابع أبا عوانة مسعود بن سعد عند البيهقي في الشعب (3751)، وابن فضيل عند البيهقي في فضائل الأوقات (173).
(2): أبو عوانة الأسفرائني في مستخرجه (3024) بإسناده عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعًا، وهذه متابعة ليزيد بن أبي زياد، لكن الراوي عن موسى أبو عوانة، فهل الاضطراب منه؟ قال البيهقي في شعب الإيمان (3/354): قال الحربي، قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل حين حدثه: ما قال فيها أحد هذا الكلام الأخير غير أبي عوانة؛ يعني: ((فاكثروا فيها...)).
4: حديث ابن عباس رواه:
(1): الطبراني في الكبير (11116) بإسناده، عن خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل)). وإسناده ضعيف لأجل يزيد بن أبي زياد.
(2): البيهقي في الشعب (3757)، وفضائل الأوقات (172) بإسناده، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا. وضعف إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (2/461).
والحديث في صحيح البخاري (969) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه)) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)).
5: مقطوع سعيد بن جبير ومجاهد وعبدالرحمن بن أبي ليلى.
رواه الفريابي في العيدين (62) بإسناده، عن جرير، عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت سعيد بن جبير ومجاهدًا وعبد الرحمن بن أبي ليلى، أو اثنين من هؤلاء الثلاثة، ومَن رأينا مِن فقهاء الناس يقولون أيام العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فحديث ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - مضطرب فأغلب أسانيده تدور على يزيد بن أبي زياد، وقد اضطرب في إسناده كما تقدم. لكن كثرة ماورد سواء كان مرفوعًا أو موقوفًا أو مقطوعًا يدل أنَّ للتكبير في أيام عشر ذي الحجة أصلًا، لاسيما حديث أنس - رضي الله عنه - وهو في الصحيحين. لذا قال ابن رجب في فتح الباري (9/9): ومِن الناس مَن بالغ وعدَّه مِن البدع، ولم يبلغه ما في ذلك مِن السنة.
________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومـان
- التصنيف:
- المصدر: