الاستثمار الأمثل في عشر ذي الحجة

منذ 2021-07-13

بدأ موسم للاستثمار والبهجة والسرور والسعادة، موسم شرعه وحدد وقته الله رب العالمين، وأخبر به وبلغه وروّج له محمد صلى الله عليه وسلم، موسم عالمي، تذاكره مجانية وجوائزه كبيرة، ومصادره موثوقة ..

من مغرب يومِ غدٍ السبت إلى مغرب اليوم العاشر من شهر ذي الحجة ١٤٤٢ يبدأ موسم للاستثمار والبهجة والسرور والسعادة، موسم شرعه وحدد وقته الله رب العالمين، وأخبر به وبلغه وروّج له محمد صلى الله عليه وسلم، موسم عالمي، تذاكره مجانية وجوائزه كبيرة، ومصادره موثوقة، وهو آخر موسم في عام ١٤٤٢ لكن نفعه عميم وشاهده كريم، موسم يشهده ويوثق أحداثه الملائكة، موسم يسعدُ صديقَنا ويحزنُ عدَّونا، موسم الرحمةِ والغفرانِ ورضا الرحمن، إنه موسم عشرِ ذي الحجة.

 

عباد الله:

قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر: 1، 2]. قال ابن كثير في تفسيره:

(الليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف. وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام» - يعني عشر ذي الحجة - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء» (انتهى كلامه).

 

عباد الله:

لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعظم العشرَ الأوائلَ من شهر ذي الحجة وقد عظمها من بعدِه اصحابُه رضي الله عنهم وعظمها سلفُنا الصالحَ رحمهم الله ونحن نسير على خطاهم بفضل من الله ونعمه وامتثالا وطاعةً لأمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم فعنْ أبِي نَجيحٍ العِرْباضِ بنِ سارِيةَ - رَضْيَ اللهُ عنه - قَالَ: «وَعَظنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم موعظةً بلِيغةً وَجِلتْ منها القلوبُ، وذَرَفتْ منها العُيون، فَقُلنَا: يا رَسولَ اللهِ كأنَّها مَوْعظةُ مُودِّعٍ فأوْصِنا. قَالَ: «أُوصِيكمْ بِتقوَى اللهِ، والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ تأمَّرَ عليكم عبدٌ حَبَشِيٌّ، وإنَّه مَنْ يَعِشْ منكم فَسَيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ»  (رواه أبو داود والترمذي).

 

عباد الله:

إن لعشرِ ذي الحجة فضائل كثيرة عظيمة جعلت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعظمونها ومنها:

1- أن الله سبحانه أقسم بها في سورة الفجر.

2- أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يعظمها ويحث على العمل فيها.

3- أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود وهو الحج الأكبر الذي يباهي فيه ملائكته ويغفر الله للحجاج فيرجعون بلا ذنوب كما ولدتهم أمهاتهم ويغفر الله لمن صامه من المسلمين عامًا قبله وعامًا بعده.

4- أن الله أكمل الدين وأتم النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا في عشر ذي الحجة ففيها نزل قول تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» [المائدة: 3].

5- أن فيها عيد المسلمين الأكبر وصلاة عيد الأضحى.

6- أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يصوم فيها تسعة أيام كما ورد في الحديث الصحيح.

7- أن فيها يوم التروية.

8- أن فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر وفيه يضحي جميع المسلمين و يتقربون إلى الله بأفضل عمل وهو النحر قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 – 3]. وقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا: « ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحبَّ إلى الله عز وجل من إهراقة الدم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم يقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفسًا».

9- أن في تعظيم الأيام العشر من المسلمين مظهر من مظاهر الوحدة في الرؤية والرسالة والقيم والأهداف الاستراتيجية والوحدة قوة ويحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

10- أن العمل في عشر ذي الحجة فيه تحقير للشيطان الرجيم وجنوده أجمعين فقد صح في الحديث أنه ما رؤي أدحر ولا أحقر ولا أصغر من إبليس في يوم عرفة ومزدلفة.

11- أن العمل الصالح في عشر ذي الحجة من أحب الأعمال إلى الله تأمل قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

«ما مِن أيَّامٍ العَمَلُ الصالحُ فيهِنَّ أَحَبُّ إلى اللهِ من هذهِ الأيَّامِ العَشْرِ» فقالُوا: يا رسولَ اللهِ: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلمْ يَرجِعْ من ذلكَ بشيْءٍ» (رواه الترمذي وصحَّحه).

 

فإن أعمارنا قصيرة وقد عوضنا الله سبحانه وتعالى بمواسم تتضاعف فيها الحسنات ومنها عشر ذي الحجة، وإن المسلم الحكيم يستثمر هذه المواسم العظيمة ليفوز بما عند الله من الثواب، فقد لا تعود هذه المواسم، لا سيما في هذا الزمان المتسارعة أحداثه المتقلبة أحواله نسأل الله العون والثبات على الحق.

 

عباد الله:

إن من الأعمال العظيمة التي يجب علينا استثمارها في عشر ذي الحجة ما يلي:

1- أداء فريضة الحج و يزيد اهمية هذا العمل للذين لم يحجوا حجة الاسلام وهم يستطيعون، فالحج هو أحد أركان الإسلام التي فرضها على المسلم مرة واحدة في العمر، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

 

والحاج له فضل عظيم وثوابه عند عظيم فقد ورد في الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». [متفق عليه: البخاري كتاب الحج (1650)، ومسلم (2403)].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجح كيوم ولدته أمه». [البخاري 1424].

 

أما من حج حجة الاسلام فإن أداء الحج يعد من النوافل وهو خير النوافل في عشر ذي الحجة. ومن لم يستطع الحج فإنه يسقط عنه، وقد اتاح الله له عوضا عنه وهو في بلده فعن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة»  [رواه الترمذي، انظر: صحيح الجامع 7346].

 

2- الجهاد في سبيل الله ويعني القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وهذه البلاد في هذه الأيام تقاتل من أجل المبادئ والقيم، وحماية الحرمين الشريفين وحماية القرآن العظيم والسنة المطهرة، نسأل الله العظيم أن ينصر جنودنا وأن يمكن لنا، والجهاد الأعظم هو مجاهدة النفس بأطرها على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات.

 

3- التوبة والإقلاع عن جميع الذنوب والمنكرات لأن المعاصي والمنكرات سبب في ذهاب النعم وجلب النقم والرزايا والفتن والمحن والامراض والحروب وتفاقم الكروب وظلمة القلوب وأكبر من ذلك فقد نعمة الأمن والأمان.

 

والتائب يبدل الله سيئاته حسنات ويجعل له نورًا في سمعه وبصره وبصيرته فيعيش بقية عمرة في سعادة وهناء ويلقى ربه وهو في فرحة وشوق. قال الله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 70].

 

4- خدمة ضيوف الرحمن الذي أجابوا داعي الله وتوافدوا ليؤدوا الركن الخامس من أركان الإسلام.

 

5- التكبير؛ والتكبير هو قول: (الله أكبر) ويشرع الإكثار منه في عشر ذي الحجة وأيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويستحب رفع الصوت به في الأسواق والطرقات وبعد الصلوات المفروضة و الدليل ما روَى البخاريُّ فِي "صَحِيحِهِ" عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في تفسير قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] قالَ: هُنَّ أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا». رواهُ البخاريُّ.

 

وعن سمرة رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرّك بأيهنَّ بدأت» (أخرجه الإمامُ مسلم).

 

6- الصدقة وخيرها الصدقة الجارية وإن من أفضل الأعمال أن نتفقد أحوال رحمنا وأقاربنا وجيراننا وأفراد قبيلتنا والمسلمين أجمعين ونعطيهم من المال والعينيات ما يكفيهم، فكم من مسكين و فقير يمر عليه العيد تلو العيد ولا يجد الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية من الاكل والشرب واللباس والسكن.

 

7- صيام يوم عرفة: قال صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ» أخرجه مسلم في صحيحه: (1162)، وصيام الايام الثمانية التي قبله.

 

8- صلاة عيد الأضحى قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].

 

9- النحر وهو من أحب الأعمال إلى الله من اليوم العاشر إلى الثالث عشر فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي.رواه أبو داود (1765)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (6 / 14).

 

ويستحب لمن سيضحي أن يمتنع عن الأخذ من شعره وظفره حتى يضحي ويبدأ الامتناع من مغرب آخر يوم من شهر ذي القعدة (وقد يكون يوم السبت والعلم لله) إلى اليوم الذي تذبح فيه الأضحية.

 

10- الاجتهاد في جميع الطاعات واعمال البر ومن أعظمها أداء الصلوات المفروضة في المساجد مع الجماعة وتلاوة القرآن الكريم وصلة الأرحام وقضاء حوائج الناس والدعوة إلى الله ونشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاصلاح بين الناس وإدخال السرور على قلوب الناس.

 

11- الدعاء وخير الدعاء دعاء نبي الله يونس صلى الله عليه وسلم وما ورد في القرآن الكريم وأدعية محمد صلى الله عليه وسلم وكان معظمها بصيغة الجمع، لأن الدعاء للمسلمين ينفع الداعي ويضاعف له الأجور بعدد من دعا لهم والملائكة تؤمن على الدعاء وتقول: اللهم آمين ولك بمثل.

عباد الله:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَوْلَى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة».

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله و بركاته.

_______________________________________
الكاتب: لاحق محمد أحمد لاحق