تأملات في الأضحية

منذ 2021-07-22

إن من شعائر ديننا الحنيف شعيرة الأضحية، التي يذبحها المسلم تقربًا إلى الله تعالى، وهذه الأضحية ليست مجرد ذبح ذبيحة فحسب بل في مشروعيتها معان عظيمة وحكم بليغة.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ وبعد:

فإن من شعائر ديننا الحنيف شعيرة الأضحية، التي يذبحها المسلم تقربًا إلى الله تعالى، وهذه الأضحية ليست مجرد ذبح ذبيحة فحسب بل في مشروعيتها معان عظيمة وحكم بليغة.

 

شعيرة الأضحية إحياءٌ لسنة خليل الله ونبيه إبراهيم عليه السلام وتذكير بذلك الحدث العظيم وتلك التضحية الكبرى التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها.

 

لما بلغ إبراهيم عليه السلام من الكبر عتيا، ولم يكن له ولد: دعا الله تعالى وقال: {رب هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].

 

فرزقه الله الولد ولا شك أن الفرحة بهذا المولود أعظم والتعلق به أكبر لأنه جاء بعد طول انتظار، ولما كبر ولده وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وفي هذا السن عادة يبدأ الغلام في الاعتماد على نفسه ويوكل إليه والده بعض المهام، وهذا مما يزيد تعلق قلب والده به.

 

في هذا السن رأى إبراهيم عليه السلام رؤيا، وفيها أن الله يأمره أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام قال سبحانه:

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].

 

قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا اختبار من الله لخليله في أن يذبح هذا الوزير العزيز الذي جاءه على كبر). [تفسير ابن كثير: 7 /30].

أيها الإخوة الكرام:

رؤيا الأنبياء وحي، قال ابن عباس رضي الله عنه: "كانت رؤيا الأنبياء وحيًا"؛ حسنه الألباني (ظلال الجنة في تخريج السنة: 463).

 

فما كان من الخليل عليه السلام إلا التسليم لأمر الله تعالى والاستجابة ولو في أشق ما يكون على النفس، فمن يقوى على ذبح فلذة كبده بيده، من يقوى على هذا البلاء الذي سماه الله البلاء المبين، فقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106].

 

إنه الإيمان الراسخ، إنه انقاد الأنبياء، وتسليم الأولياء الأصفياء لأمر الله وحكمه.

 

قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: مَا قامَ بدينِ اللهِ كلهِ إلَّا إبراهيمُ -عليهِ السلامُ-، قدمَ جسمهُ للنيرانِ، ومالهُ للضيفانِ، وقدمَ ولدهُ للقربانِ، قالَ تعالَى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، فقامَ بأمرِ اللهِ كلهِ وقالَ تعالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين} [النحل: 120]، فكانَ وحدهُ أمةً..

أيها الإخوة الكرام:

لقد ضرب الخليل عليه السلام أروع الأمثلة في التضحية والتسليم لأمر الله تعالى مع أن الأمر لم يكن وحيًا مباشرًا في اليقظة، إلا أنه امتثل دون تردد وشرع في التنفيذ، وكان ذلك مجرد اختبار من الله تعالى.

 

ولنتأمل موقف الابن الصالح نبي الله إسماعيل عليه السلام حيث قال في صبر وثبات وطاعة مطلقة: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102].

 

ثم قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].

 

والسين في كلمة (ستجدني) تفيد التوكيد وقرب الوقوع.

 

ولما فاز إبراهيم عليه السلام في ذلك الامتحان، وشرع في تنفيذ ما أمر به، أنزل الله تعالى المكافأة ففدى الله إسماعيل عليه السلام بكبش من الجنة، ذكر بعض المفسرين عند قول الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107].

 

أن الله تعالى فدى إسماعيل بكبش أقرن قد رعي في الجنة أربعين خريفاً، وذكروا أنه الكبش الذي قربه ابن آدم عليه السلام فتقبل الله منه فكان مخزوناً حتى فدي به ابن إبراهيم عليه السلام والله أعلم.

 

قال سفيان رحمه الله: لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت، فاحترقا.

 

أيها الإخوة الكرام:

في قصة إبراهيم عليه السلام، تنبيه لكل مسلم أنه لا بد أن يبرهن على إيمانه بالانقياد لأمر الله تعالى ولو كان الأمر يخالف هوى النفس، ولإن كان العلماء قد اختلفوا في وجوب الأضحية فإن هناك واجبات لم يختلفوا فيها، يجب عليك أيها المسلم أن تضحي لله فيها بما تستطيع فتبذل من جهدك ووقتك ومالك في سبيل الله، وتحقيق ما أمرك الله به، أن تخالف هوى النفس الأمارة بالسوء، أن تصبر على الواجبات فتؤديها، وتصبر عن المحرمات فتجتنبها وهذه تضحية.

 

أيها الإخوة الكرام:

من أهم مقاصد الأضحية توحيد الله تعالى وشكره على الهداية، قال سبحانه: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].

وفي الأضحية تعويد للنفس على بذل المال في سبيل الله لأن النفس جبلت على حب المال كما قال سبحانه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، وبذل المحبوب في سبيل الله دليل على صدق الإيمان، وطاعة الرحمن.

 

وفي الأضحية إطعام للفقراء الذين لا يجدون اللحم ولا يستطيعون شراءه وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التصدق منها فقال: «فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» (رواه الإمام مسلم).

 

والأضحية من شعائر الله تعالى قال سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36].

 

وتعظيم شعائر الله تعالى دليل على الإيمان والتقوى، قال سبحانه: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج: 32].

 

وقال سبحانه: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج: 37].

 

فعظموا هذه الشعيرة وكل شعائر الله، واجعلوا من شعيرة الأضحية تذكيرًا ودافعا لكم للتضحية بكل ما تستطيعون في سبيل الله، ولأجل هذا الدين العظيم، فلا شيء أغلى من ديننا.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

______________________________________________
الكاتب: عبدالهادي بن صالح محسن الربيعي