المثقفون العلمانيون
يَبرز علينا العلمانيون، والليبراليون، والشيوعيون، والاشتراكيون كلَّ فينة وأخرى، بمجموعة من المصطلحات التي يُطلِقونها على أنفسهم، والتي تبدو مألوفةً؛ ولكنهم يؤوِّلونَها تأويلاً غريبًا، فتبدو وكأنها شيء دخيل علينا.
من هذه المصطلحات: أنهم يُطلِقون على أنفسهم لفظ "المثقفين"، ومع أن هذا اللفظَ لفظٌ عام، يشمل كلَّ مَن لديه ثقافةٌ عامة في كافة المجالات، إلا أنهم حصروا هذا اللفظَ في أنفسهم، حتى أصبح اللفظ مرادفًا لهم، وبمعنى آخر: فهم يطلقون كلمة "المثقفين" على كلِّ مَن يوافق هواه هواهم، شريطةَ أن يتَّخذ موقفًا عدائيًّا من الإسلام، باسم العلم، والثقافة، والحرية.
إن كثيرًا من هؤلاء "المثقفين" - حسب تعبيرهم - ليسوا إلا مجموعةً من الانتهازيين، والكذابين، والمزيفين، الذين يَقلِبون الحقائقَ، ويشوِّهون الوقائع، ويخلطون بين الحق والباطل، فينسبون إلى أنفسهم كلَّ تقدُّمٍ وتحضُّر، وإلى الإسلام وأهله كلَّ تأخُّرٍ وتخلُّف.
باسم العقل جعلوا أنفسَهم خبراءَ وعلماءَ في كل شيء، حتى في دين الله، ينتقدون هذا، ويحاربون هذا، ويصرخون قائلين: الحوار، والنقد، والحرية، والديمقراطية، والآخر، لكن هل هم حقًّا يؤمِنون بهذه الأشياء؟ بالطبع لا، إن الحوار والحرية والديمقراطية، ليست سوى كلماتٍ فضفاضةٍ رنانة جذابة، وأقنعةٍ خبيثةٍ منتنة عفنة، يُخفُون خلفَها حقيقتَهم الدنيئة التي يشمئزُّ منها الناس.
هؤلاء المثقفون كذَّابون ومزيِّفون، فحينما يتحدَّثون عن التاريخ الإسلامي، يتصيدون الأخطاء، وعصور الضعف والتشرذُم، وينسبونه إلى الإسلام ويقولون: هكذا الحال عندما طُبِّقت شريعة الإسلام، فيتحدثون أول ما يتحدثون عن الخلاف الذي حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ويقولون: هكذا هو الإسلام، ولكن هل يكونون أمناءَ، ويوضحون للناس دورَ المنافقين والدخلاء في هذه الفتنة؟!
كلا؛ بل يَصرِفون طاقتَهم، ويضيعون أوقاتَهم في إنكار وجود هؤلاء الدخلاء، لماذا؟!
حتى يوهموا البسطاء من الناس - وهم عامة الشعب وأغلبيته - أنه إذا كان الصحابة - رضوان الله عليهم - قد انقسموا قسمين - وهم غالبًا يتناسَوْن عمدًا أن هناك من الصحابة مَن اعتزل الفتنة - وهذان القسمان قد اقتتلا، فما بالنا نحن؟!
فهم لا يتحدثون عن العصور التي خلتْ مِن أمثالهم، مِن المنافقين والدخلاء، حيث ساد الإسلام، وعلَتْ رايتُه، فبلغتْ مشارقَ الأرض ومغاربها؛ كعصر أبي بكر وعمر، ولا يتحدثون عن عصر عمر بن عبدالعزيز وهارون الرشيد، حيث ازدهر العلم، فانتشرتْ كتب علماء المسلمين، أمثال ابن النفيس، وابن الهيثم، وغيرهم، ولا يَذكُرون أن هذه الحضارة التي وصل إليها الغربُ إنما استنبطوها من كتب علماء المسلمين.
يذكرون الخلافة العثمانية وينتقدونها، ويعلنون فرحهم بسقوطها على يد مصطفى كمال أتاتورك، ويقولون: إنها هي السبب في وقوع معظم الدول الإسلامية بصفة عامة، والعربية منها بصفة خاصة، تحت الاحتلال الخارجي.
ولكن هل يكونون أمناء ويذكرون لماذا أسقط أتاتورك الخلافةَ؟ هل يخبرون الناس بحقيقة أتاتورك؟! هل يحدِّثون الناس عن السلطان عبدالحميد الثاني وموقفه المشرِّف، حينما ذهب إليه هرتزل؛ ليساومه على أرض فلسطين؟! هل يَذكُرون للناس كيف كانت حال الخلافة الإسلامية حينما تولى عبدالحميد الثاني منصبَ الخلافة، وكيف استطاع في زمن وجيز أن يعيد إليها شيئًا من رونقها وهيبتها؟! فأقضَّت مضاجع المتآمرين من اليهود والصليبيين، فقرَّروا إسقاطَها إلى الأبد، ولم يجدوا خيرًا مِن تلميذهم النجيب أتاتورك ليقوم بالمهمة.
أبدًا، لا يذكرون إلا السيِّئَ في التاريخ الإسلامي، لا يذكرون إلا مواطنَ وعصورَ الضعفِ والتشرذم، هؤلاء كذابون ومزيفون.
مجدي داود
باحث مصري
- التصنيف:
- المصدر: