فوائد ورقائق من تفسير العلامة السعدي - الجزء السادس عشر

منذ 2021-08-07

الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها, ويذهبون عنها, وسيرث الأرض ومن عليها ويرجعهم إليه

فوائد ورقائق من تفسير العلامة السعدي: الجزء السادس عشر

سورة الكهف:

* في هذه القصة العظيمة, اعتبار بحال الذي أنعم الله عليه نعماً دنيوية فألهته عن آخرته وأطغته, وعصى الله فيها, أن مآلها الانقطاع والاضمحلال, وأنه وإن تمتع بها قليلاً فإنه يحرمها طويلا.

* العبد ينبغي له إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى موليها ومسديها, وأن يقول: " ما شاء الله, لا قوة إلا بالله " ليكون شاكراً, متسبباً لبقاء نعمته عليه. لقوله: ( {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } )  

* فيه الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه, خصوصاً إن فضّل نفسه بسببه على المؤمنين, وفخر عليهم.

* العاقل الجازم الموفق,...يقول لنفسه: " قدّري أنك قد مِتِّ, ولا بد أن تموت, فأي الحالتين تختارين ؟ الاغترار بزخرف هذه الدار, والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة أم العمل لدار أكلها دائم وظلها ظليل, وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ العيون ؟ " فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه, وربحه من خسرانه.

* أي ظلم أعظم من ظلم من اتخذ عدوه الحقيقي ولياً, وترك الولي الحميد ؟!!

* في هذه الآية من التخويف لمن ترك الحق بعد علمه أن يحال بينه وبينه, ولا يتمكن منه بعد ذلك, ما هو أعظم مرهب وزاجر عن ذلك.

* وهذه سنته في الأولين والآخرين أن لا يعاجلهم بالعقاب, بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة, فإن تابوا وأنابوا غفر لهم ورحمهم, وأزال عنهم العقاب, فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم, وجاء الوقت الذي جعله موعداً لهم أنزل بهم بأسه.

* في هذه القصة العجيبة الجليلة...فوائد فمنها: فضيلة العلم, والرحلة في طلبه, وأنه أهم الأمور فإن موسى عليه السلام رحل مسافه طويلة, ولقي النصب في طلبه, وترك القعود عند بني إسرائيل لتعليمهم وإرشادهم, واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.

* استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله, وأكلهما جميعاً.

* التأدب مع المعلم, وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب, لقول موسى عليه السلام: ( هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رشداً ) فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة, وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا ؟ وإقراره بأنه يتعلم منه.

* تعلم العالم الفاضل, للعالم الذي لم يتمهر فيه, ممن مهر فيه, وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.

* العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير, فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطريق الخير, وتحذير عن طريق الشر, أو وسيلة لذلك فإنه من العلم النافع, وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً, أو ليس فيه فائدة.

* من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم, وحسن الثبات على ذلك, أنه ليس بأهل لتلقي العلم.

* تعليق الأمور المستقبلة التي من أفعال العباد بالمشيئة, وأن لا يقول الإنسان للشيء: " إني فاعل ذلك في المستقبل ", إلا أن يقول: " إن شاء الله."

* العبد الصالح يحفظه الله في نفسه, وفي ذريته.

* حال الخلفاء الصالحين إذا منَّ الله عليهم بالنعم الجليلة ازداد شكرهم, وإقرارهم, واعترافهم بنعمة الله, كما قال سليمان عليه السلام, لما حضر عنده عرش ملكة سبأ, مع البعد العظيم, قال: ( { هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر} ) بخلاف أهل التجبر والتكبر, والعلو في الأرض فإن النعم الكبار تزيدهم أشراً وبطراً, كما قال قارون لما أتاه الله من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة, قال: ( {إنما أوتيته على علم عندي } )

* المبغض لا يستطيع أن يلقى سمعه إلى كلام من أبغضه.

* جنة الفردوس نُزُل وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح, وأي ضيافة أجل وأكبر وأعظم من هذه الضيافة, المحتوية على نعيم للقلوب والأرواح والأبدان,...فلو علم العباد بعض ذلك النعيم علماً حقيقياً يصل إلى قلوبهم لطارت إليها قلوبهم بالأشواق, ولتقطعت أرواحهم من ألم الفراق, ولساروا إليها زرافات ووحداناً, ولم يؤثروا عليها دنيا فانية, ولذات منغصة متلاشية,....لكن العفلة شملت, والإيمان ضعف, والعلم قلّ, والإرادة وهت, فكان ما كان, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

سورة مريم:   

 * ( { ذكر رحمت ربك عبده زكريا * إذا نادى ربهُ نداءً خفياً } ) ناداه نداء خفياً ليكون أكمل وأفضل, وأتم إخلاصاً.

* الشيب دليل الضعف والكبر, ورسول الموت, ورائده ونذيره.

* ( {قال ربِ إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً } ) توسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه, وهذا من أحب الوسائل إلى الله, لأنه يدل التّبرّي من الحول والقوة, وتعلق القلب بحول الله وقوته.

* من رحمة الله بعبده أن يرزقه ولداً صالحاً, جامعاً لمكارم الأخلاق, ومحامد الشيم.

* ( {قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً } ) وهذا من الآيات العجيبة, فإن منعه من الكلام مدة ثلاثة أيام, وعجزه عنه من غير خرس, ولا آفة, بل كان سوياً لا نقص فيه, من الأدلة على قدرة الله الخارقة للعوائد.

* الأسباب جميعها لا تسقل بالتأثير, وإنما تأثيرها بتقدير الله, فيرى عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية, لئلا يقفوا مع الأسباب, ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها.

* الذرية في الغالب, بعضها من بعض, في الصلاح وضده.

* ( { وجعلني مباركاً أينما كنت} ) أي: في أي مكان, وأي زمان, فالبركة جعلها الله في تعليم الخير والدعوة إليه, والنهي عن الشر, والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله, فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركته, وسعد به مصاحبة.

* ( { من مشهد يوم عظيم } ) أي: مشهد يوم القيامة, الذي يشهده الأولون والآخرون, أهل السموات وأهل الأرض, الخالق والمخلوق, الممتلئ بالزلازل والأهوال.

* يوم الحسرة...يجمع الأولون والآخرون في موقف واحد, ويسألون عن أعمالهم, فمن آمن بالله, واتبع رسله سعد سعادة لا يشقي بعدها, ومن لم يؤمن بالله, ويتبع رسله شقي شقاء لا يسعد بعده, وخسر نفسه وأهله. فحينئذ يتحسر, ويندم ندامة تنقطع منها القلوب, وتتصدع منها الأفئدة.

* أي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته, واستحقاق سخطه والنار, على وجه لا يتمكن الرجوع ليستأنف العمل ولا سبيل له إلى تغير حاله بالعود إلى الدنيا ؟..والحال أنهم في الدنيا في غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم, ولو خطر فعلى سبيل الغفلة, قد عمتهم الغفلة وشملتهم السكرة, فهم لا يؤمنون بالله ولا يتبعون رسله.

* الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها, ويذهبون عنها, وسيرث الأرض ومن عليها ويرجعهم إليه, فيجازيهم بما عملوا فيها, وما خسروا فيها أو ربحوا فمن عمل خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ نفسه.

* ( { يا أبت لا تعبد الشيطان} ) لأن من عبد غير الله, فقد عبد الشيطان, كما قال تعالى: ( {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} )

* ( {إن الشيطان كان للرحمن عصياً} ) في ذكر إضافة العصيان إلى اسم الرحمن, إشارة إلى أن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله, وتغلق أبوابها. كما أن الطاعة أكبر الأسباب لنيل رحمته.

* قد أمرنا الله باتباع ملة إبراهيم, فمن اتباع ملته سلوك طريقه في الدعوة إلى الله, بطريق العلم والحكمة, واللين والسهولة, والانتقال من رتبة إلى رتبة, والصبر على ذلك, وعدم السآمة منه, والصبر على ما ينال الداعي من أذى الخلق بالقول والفعل, ومقابلة ذلك بالصفح والعفو, بل بالإحسان القولي والفعلي.

* ( {خروا سجداً وبكياً} ) أي: خضعوا لآيات الله, وخشعوا لها, وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة ما أوجب لهم البكاء والإنابة.

* إذا ضيعوا الصلاة التي عماد الدين, وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين, التي هي آكد الأعمال, وأفضل الخصال, كانوا لما سواها من دينهم أضيع, وله أرفض.

* في الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشهيات, كما قال تعالى: ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ) إلى أن قال: ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )

* ( {ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً } ) أي: جاثين على ركبهم من شدة الأهوال, وكثرة الزلزال, وفظاعة الأحوال, منتظرين لحكم الكبير المتعال.

* من كان في الضلالة بأن رضيها لنفسه, وسعى فيها, فإن الله يمده منها, ويزيده فيها حباً, عقوبة له على اختيارها على الهدى, قال تعالى: ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) ,  ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون )

* كل من سلك طريقاً في العلم والإيمان, والعمل الصالح, زاده الله منه وسهله عليه, ويسره له, ووهب له أموراً أخر لا تدخل تحت كسبه. وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه, كما قاله السلف الصالح.

* من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح, أن يجعل لهم وداً, أي: محبة و وداداً في قلوب أوليائه, وأهل السماء والأرض.

سورة طه:      

* ( { له الأسماء الحسنى } ) أي: له الأسماء الكثيرة الكاملة الحسنى, من حسنها: أنها كلها أسماء دالة على المدح, فليس فيها اسم لا يدل على المدح والحمد, ومن حسنها: أنها ليست أعلاماً محضة, وإنما هي صفات وأوصاف, ومن حسنها: أنها دالة على الصفات الكاملة, وأن له من كل صفة أكملها, وأعمها, وأجلها, ومن حسنها: أنه أمر العباد أن يدعوه بها, لأنها وسيلة مقربه إليه, يحبها, ويحب من يحفظها, ويحب من يبحث عن معانيها ويتعبد له بها, قال تعالى: ( {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } )

* ( {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} ) ( فاعبدني ) بجميع أنواع العبادة, ظاهرها وباطنها, أصولها وفروعها, ثم خصّ الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة لفضلها وشرفها, وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح.

* ذكره تعالى أجل المقاصد, وبه عبودية القلب, وبه سعادته, فالقلب المعطل عن ذكر الله معطل عن كل خير, وقد خرب كل الخراب.

* ( {ربِّ اشرح لي صدري} )  أي: وسعه وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) وعسى الخلق يقبلون الحق مع اللين, وسعة الصدر وانشراحه عليهم.

* ( { ويسّر لي أمري} ) أي: سهل عليَّ كل أمر أسلكه, وكل طريق أقصده في سبيلك, وهوّن عليَّ ما أمامي من الشدائد. ومن تيسير الأمر أن ييسر للداعي أن يأتي جميع الأمور من أبوابها, ويخاطب كل أحد بما يناسب له, ويدعوه بأقرب الطرق الموصلة إلى قبوله.

* الداعي إلى الله, المرشد للخلق,...يحتاج إلى...لسان فصيح, يتمكن من التعبير عن ما يريده ويقصده, بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من ألزم ما يكون, لكثرة المراجعات والمراوضات, ولحاجته لتحسين الحق وتزينه بما يقدر عليه, ليحببه إلى النفوس, وإلى تقبيح الباطل وتهجينه, لينفر عنه.

* ( ولا تنيا في ذكري ) أي: لا تفترا ولا تكسلا عن مداومة ذكري بالاستمرار عليه...فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور, يسهلها, ويخفف حملها.

*  كلام الحق لا بد أن يؤثر في القلوب.

* ( {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } ) في هذا الكلام من السحرة, دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة, وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

* أمره تعالى أن يسأله زيادة العلم...فإن العلم خير, وكثرة الخير مطلوبة, وهي من الله, والطريق إليها: الاجتهاد, والشوق للعلم, وسؤال الله, والاستعانة به, والافتقار إليه في كل وقت.

* المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر, حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه, المتصل بعضه ببعض, فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال, ولا يبادر إلى السؤال وقطع كلام مُلقى العلم فإنه سبب للحرمان.

* المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل, ويعرف المقصود منه قبل الجواب, فإن ذلك من سبب لإصابة الصواب.

* فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر...وبعض المفسرين يرى أن المعيشة الضنك عامة في دار الدنيا, بما يصيب المعرض عن ذكر ربه, من الهموم والغموم والآلام التي عذاب معجل, وفي دار البرزخ, وفي دار الآخرة, لإطلاق المعيشة الضنك, وعدم تقيدها.

* ( {ولعذاب الأخرة أشد} ) من عذاب الدنيا أضعاف مضاعفة, ( وأبقى ) لكونه لا ينقطع, بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع, فالواجب الخوف والحذر من عذاب الآخرة

* العبد إذا رأى من نفسه طموحاً إلى زينة الدنيا وإقبالاً عليها, أن يذكر ما أمامها من رزق ربه, وأن يوازن بين هذا وهذا.

* العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به, كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم.

* ينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية, وهو التقوى.

                          كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

         

المقال السابق
الجزء الخامس عشر
المقال التالي
الجزء السابع عشر