الركون إلى الظالمين
فالتعبير القرآني أشار إلى " {الذين ظلموا} " ولم يشر إلى "الظالمين". فالنهي عن مجرد الركون إلى من ظلم ولو كان ظلما عابرا.
وضوح العقيدة التي ينتمي إليها المؤمن، بداهة عقدية، وضرورة إيمانية. فهذه الراية ووضوحها هي الحد الفاصل الذي يحمي المؤمن وقلبه وعقيدته من الباطل وأهله ومنطقه.
وإذا كان الوعيد في الآية الكريمة " «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار» " على مجرد الركون، وهو الميل الخفيف والسكون، فكيف بمن فرح ودعم وأيّد الذين ظلموا؟ وإذا كان ذلك الوعيد على مجرد الركون لمن ظلموا، فكيف بالركون لمن رسخوا في الظلم، وفجروا فيه، واشتهروا به؟
فالتعبير القرآني أشار إلى " {الذين ظلموا} " ولم يشر إلى "الظالمين". فالنهي عن مجرد الركون إلى من ظلم ولو كان ظلما عابرا.
ولا يقتصر الركون إلى الظالمين على أعمال الجوارح؛ مثل التأييد بالقول أو الفعل، أو مجالستهم، أو مصاحبتهم، أو مداهنتهم، أو الاعتماد عليهم أو التعاون معهم، بل يشمل أيضا الأعمال القلبية، مثل: الرضا والحب والفرح وعدم الإنكار بالقلب.
قال الزمخشري: "النهي يتناول الانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبّه بهم، والتزيّي بزيّهم، ومدّ العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم."
وقال سعيد بن المسيب: "لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم."
ونلحظ مقابلة لافتة بين مجرد "الركون" ومجرد "المسّ". فإذا كنتم تظنون أن مجرد الركون للظالمين شيء يسير، فهل مجرد المسّ في النار شيء يسير؟
والملفت للنظر، أن النهي جاء بصيغة الجمع، وهو ما يشير إلى ضرر الظلم والركون إلى الظالمين، على المجتمع كله، لا على الفرد وحده. فليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم.
وعاقبة الركون إلى الظلم، هي الحرمان من نصر الله. فإذا كنتم تركنون إلى الظالمين، طمعا في نصر، فإن جزاءكم سوف يكون من جنس عملكم، وسوف يكون حرمانا لكم مما عصيتم الله من أجله.
وفي مقابل الراكنين، أشارت آية تالية إلى المصلحين: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون."
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: