ما المغزى من طريق سبايا الحسين؟

منذ 2021-08-21

ما الذي يريد المخطط الشيعي الوصول إليه؟

لا شك أن التاريخ يعيد نفسه؛ فما هي العلاقة إذن بين استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما وذويه وأنصاره في كربلاء عام 61هـ/ 681م، وبين محاولات سيطرة كتائب الحشد الشعبي الولائية على مدينة الموصل وأطرافها الغربية (تلعفر وسنجار)، وأطرافها الشرقية سهل نينوى (المدن والقصبات المسيحية واليزيدية: برطلة، وقرقوش- الحمدانية، وبعشيقة، وبحزاني، وتلكيف) في الآونة الأخيرة (2017 - 2020م)؟ وبعبارة أخرى: محاولة تشييعها من خلال الاستناد إلى بعض الروايات التاريخية المتأخرة من لدن بعض المصادر والمراجع التي ليس لها مصداقية عند المؤرخين والبلدانيين المسلمين. والموصل كما هو معروف هي حاضرة العرب السنة، ومركز الثقل السني في العراق والمِنطقة برمتها.

 تلكم هي قصة العتبة الحسينية من خلال خططها ومحاولاتها المتكررة مع بعض العاملين في جامعة الموصل الذين انحازوا إليها بدوافع متعددة، في محاولة رسم المسار الجغرافي لما يسمى بـ (سبايا الحسين)، وهم حرمه (نساؤه) الذين نَجَو من القتل في 10 محرم عام 61هـ/681م على يد الجيش الأموي، الذي كان غالبية أفراده من شيعة الكوفة الذين كانوا قد بايعوا مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عم الحسين بن علي ومندوبه إلى أهل الكوفة قبلها بوقت قصير. يقول المؤرخ المسعودي المتشيع: «وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العسكر وحاربه وتولى قتله من أهل الكوفة خاصةً، لم يحضرها شامي»[1].

وبخصوص لفظة السبايا التي أطلقتها المصادر الشيعية المتأخرة، فالثابت في المصادر التاريخية الرئيسية: كالدينوري (ت 282هـ)، والطبري (ت 310هـ)، والمسعودي (ت 346هـ)، وابن مسكويه (ت 421هـ)، وابن الأثير (ت 630هـ) وغيرهم، أنه بعد انتهاء موقعة الطف بمقتل الحسين بن علي ومن معه لم يثبت أن تم سبي هاشمية أو قرشية، حتى أن عبيد الله بن زياد (والي الكوفة) عندما جيء له بنساء الحسين وبناته وأهله «كان أحسن شيء صنعه أن أمر لهن بمنزل في مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً، وأمر لهن بنفقة وكسوة». وحملت الذرية من عند عبيد الله بن زياد، إلى يزيد لأجل أن يتخذ فيهم ولي الأمر قراراه، وينفِّذ فيهم رأيه، لا أنهم عوملوا معاملة السبي[2].

بل الصحيح أنه تم إرسال النساء ومعهن علي بن الحسين الملقب بـ (زين العابدين) إلى مقر الخلافة في الشام. يقول الطبري: «سرح عمر بن سعد بحرمه [أي الحسين] وعياله إلى عبيد الله... فجهزهم وحملهم إلى يزيد... ثم أدخلهم على عياله؛ فجهزهم وحملهم إلى المدينة»[3].

بينما يقول أبو حنيفة الدينوري: «ثم إن ابن زياد جهز عليَّ بن الحسين ومن كان معه من الحُرَم، ووجَّه بهم إلى يزيد بن معاوية مع زحر بن قيس، ومِحقن بن ثَعلبة، وشمِر بن ذي الجوشن، فساروا حتى قدموا الشام، ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق، وأُدخل معهم رأس الحسين، فرُمي بين يديه. ثم تكلم شمر... فلما سمع يزيد دمعت عينه وقال: (ويحكم قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجان، أما والله! لو كنت صاحبه لعفوت عنه، رحم الله أبا عبد الله)... ثم أمر بالذرية فأُخلوا دار نسائه. وكان يزيد إذا حضر غذاؤه دعا عليَّ بن الحسين وأخاه عمر فيأكلان معه»[4].

ويقول ابن مسكويه: «... ثم جهز النساء وعليَّ بن الحسين [أي: زين العابدين]، وضم إليهم جيشاً حتى ردَّ إلى المدينة»[5].

أما بشأن خطة مسار حريم الحسين (السبايا) من الكوفة إلى مقر الخلافة الأموية في دمشق، فيستند واضعو خريطة الطريق إلى بعض المصادر الشيعية المتأخرة التي ترجع إلى العهد المغولي والتي ليست لها مصداقة تأريخية ومنهجية يُعتمَد عليها بل تحوي روايات موضوعة ما أنزل الله بها من سلطان، على سبيل المثال: عماد الدين الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الطبري، صاحب كتاب الكامل البهائي الذي كان حيّاً في سنة (698هـ/ 1299م)، وفيما بعد اعتمدوا على مصادر حديثة ومعاصرة، مثل: عباس القمي (1359هـ/1940م) المشهور بكتابه (مفاتيح الجنان) المختص بزيارة العتبات الشيعية المقدسة، وله كتاب آخر بعنوان: نفس المهموم في مصيبة الحسين المظلوم، موضوع بحث السبايا والمراقد والمزارات التي أُنشئت على الطريق.

وأخيراً كتاب عالم الدين اللبناني المعاصر جعفر المهاجر (1941م): موكب الأحزان، الصادر عام 2011م وهو بمثابة خريطة الطريق الذي يتناول المشاهد الشيعية المشيَّدة ما بين كربلاء والشام، مروراً بمدن: الكوفة، وتكريت، والموصل، واسكي الموصل، ونصيبين، وبالس - مسكنة، وجبل الجوشن (غرب حلب)، وحماة، وحمص، وبعلبك، وأخيراً دمشق.

ومن جانب آخر لم تذكر المصادر التاريخية والبلدانية (الجغرافية) الإسلامية المعتبرة آنفة الذكر الطريق الذي سلكه حرم الحسين من الكوفة إلى الشام، بسبب أن الطريق السالك آنذاك هو (طريق البريد) وهو الاتجاه من الكوفة غرباً عبر (بادية الشام) إلى دمشق.

كما أن المصادر الشيعية المتأخرة لم توضح خط سير ركب السبايا من الكوفة إلى الشام؛ لذلك وقع الخلاف بينها على أربعة مسارات يُحتمل أنَّ قافلة السبايا (المزعومة) قد سلكت إحداها، وذلك وَفْق ما يلي:

1-  الطريق الصحراوي - طريق البادية، ويرجَّح أنهم سلكوه، ويبلغ طوله حوالي (923 كم)؛ إذ يشترك مع طريق الكوفة إلى المدينة في أكثر من (147 كم).

2-   طريق نهر الفرات، ويبلغ طوله التقريبي حوالي: 1190 - 1333 كم.

3-  الطريق السلطاني، أو الطريق الموازي لنهر دجلة، ويبلغ طوله التقريبي حوالي 1545 كم.

4-  الطريق من الكوفة إلى دمشق عن طريق: تكريت - الموصل - اسكي الموصل - نصيبين - حلب، وطوله التقريبي حوالي 1800 كم.

يبدو أنهم لم يختاروا الطريق الأقصر والثابت تاريخياً عن طريق محافظة الأنبار؛ خوفاً من الوجود الأمريكي فيها، وفي الأراضي السورية الملاصقة لها.

المصادر الشيعية تتناقض في إيراد أسماء المزارات والمقامات الشيعية في منطقة الموصل وأطرافها، لعدم وجودها أصلاً! وإن كانت موجودة فإنها ترجع دون شك إلى الحقبة التي حكم فيها بدر الدين لؤلؤة الموصل في أواخر العهد العباسي (630 - 657هـ/ 1233 - 1259م)، وهو مملوك أرمني اتخذه حاكم الموصل أتابكياً على أولاده ثم وصياً بعد موته، لكنه خان الأمانة فأخذ يكيد لأولاد نور الدين، فقتلهم عن بكرة أبيهم، ثم استطاع السيطرة على الموصل وأطرافها اعتباراً من سنة 630هـ/ 1233م.

كما ساعد بدر الدين لؤلؤة الزعيم المغولي هولاكو، بإرساله فرقة من الجيش بزعامة ابنه إسماعيل للدعم في غزوه لبغداد، وذهب لمقابلته بعد غزوه لبغداد، بل قدم هدايا نفيسة لهولاكو.

وحاول بكل جهده نشر التشيع في الموصل، وعمل كل الطقوس الشيعية من تسيير المواكب، وبناء مشاهد ومزارات ومقامات وهمية مزيفة على أصل مدارس ومساجد تابعة لأهل السنة والجماعة، كانت تدرِّس العلوم الإسلامية لأهل السنة في الموصل.

المعارضة الوحيدة لنهج بدر الدين في نشر التشيع، جاءت من الشـيخ أبي محمد شمس الدين بن الشيخ عدي بن الشيخ صخر الأموي صاحب الطريقة العدوية (591 - 644هـ/ 1154 - 1246م) الذي كان يعارضه بكل قوة، لذا حاربه وقبض عليه وقتله وقتل أتباعه وصلبهم، ثم أرسل حملة إلى معبد لالش الواقع شمال قضاء الشيخان شرقي الموصل في الجبال الكردية، فدمر قبر الشيخ عدي بن مسافر الأُموي (467 - 557هـ/ 1073 - 1162م)، ونبشه وأخرج عظامه وأحرقها وشرد أتباعه؛ والسبب في ذلك أنه كان يعتقد بأن اليزيدية منسوبة إلى الخليفة الأُموي يزيد بن معاوية.

ثم أقام حوالي (15) مزاراً مزيفاً لا أصل لها بتاتاً، فوق مدارس سنية، ومشاهد سنية، فَغَّير أسماءها لإعطاء المدينة طابعاً شيعياً غير طابعها الأصلي، وكان كثير من هذه المشاهد عبارة عن معاهد ومدارس مسجدية خاصة بأهل السنة والجماعة حصراً تدرَّس فيها العلوم الإسلامية، ومن أبرز هذه المدارس:

1-  المدرسة العزية التي كانت تدرس فيها علوم الشرع لأهل السنة في الموصل، حوَّلها إلى مشهد الإمام عبد الرحمن.

2-  حوَّل المدرسة النورية السُّنية إلى مشهد للإمام محسن.

3-  حوَّل المدرسة النظامية السُّنية إلى مشهد للإمام علي الأصغر.

4-  مراقد مشيدة قبله حولها بأسماء أخرى، كمقام الأمير إبراهيم الجراحي، حوله إلى مشهد الإمام إبراهيم بن موسى الكاظم.

بالإضافة إلى إنشاء وبناء مزارات موهومة جديدة عددها أحد عشر.

وكلُّ هذه المشاهد ليس لها أساس تاريخي، ولم تُشِر إليها المصادر التاريخية والبلدانية المعتبرة، لكنها زُرعَت لأهداف طائفية في حقبة الغزو المغولي للعراق، وآتت أُكُلها الآن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتهميش أهل السنة والجماعة في العراق، ويبدو كما لو أن بدر الدين لؤلؤة يُبعَث من جديد؛ لأن خلفه يمشون على خطاه؛ إذ استند إليها الوقف الشيعي في ادعائه بأن هذه المشاهد المزعومة أوقاف شيعية! سيطر عليها أهل السنة منذ قرون! واستطاع فيما بعد مجلس النواب العراقي ذي الغالبية الشيعية تمرير تلك الادعاءات والمزاعم وتمليكها قانونياً للوقف الشيعي اعتباراً من عام 2005م، دون أية مراعاة للوحدة الوطنية.

وما تجدر الإشارة إليه أن للمكونات الشيعية في محافظة نينوى بعض المزارات والمشاهد المزيفة دون الاستناد إلى مصدرٍ تأريخي معتبر يثبت ذلك، بل تقع ضمن ما يطلق عليه التدين الشعبي. فطائفة الشبك الشيعة المستقرون في الأجزاء الشرقية من الموصل، لهم ثلاث مزارات:

الأول: مقام الرضا بن موسى الكاظم، ويقع في قرية تيزخراب التابعة لناحية بعشيقة.

المزار الثاني: هو مقام زين العابدين ويقع في قرية علي رش التابعة لناحية برطلة.

أما المزار الثالث: فهو مقام العباس ويقع في ناحية الشلالات الواقعة شرق الموصل.

وللشيعة التركمان في قضاء تلعفر والمناطق المحيطة بها الواقعة غرب الموصل، وحسب سجلات دائرة الوقف الشيعي سبع مزارات ومقامات، من أهمها: مزار باسم سعد بن عقيل. وهناك مزارات ومقامات للكرد الشيعة في قضاء سنجار، منها: مزار زينب الصغرى، ومعه مقام زينب الكبرى، ومزار السيد ذاكر الدين الأعرجيِّ. ومما لا شك فيه أنها جميعاً مزارات مزيفة وليس لآل بيت النبي محمد # أية علاقة بها إلا من ناحية الاسم فقط.

كما كشفت العتبة الحسينية التي مقرها مدينة كربلاء، عن توصُّل اللجنة العلمية المشكَّلة من قِبَلها مع اثنين من أساتذة جامعة الموصل أحدهما متخصص بالآثار والآخر بالجغرافيا إلى نتائج مهمة! بخصوص تتبع سير السبايا، وكذلك توثيق مرقد السيد عبد الرحمن بن علي بن الحسين. إضافة إلى الصخرة التي وضع عليها رأس الإمام الحسين، وكل هذه الأمور قيد الدراسة لإعادة إعمار المرقد، والصخرة والمكان الذي استقرت به قافلة السبايا في منطقة بلط (بلد) إسكي الموصل، أي شمال الموصل.

لكن العرب السنة والكرد، يرون أن محاولات تحديد طريق السبايا هذه، جاءت للاستحواذ على أراضيهم وفرض (نفوذ الشيعة والحشد الشعبي على تلك المناطق)، لأن بناء مزارات شيعية في الموصل وسنجار سيكون - حسب رأيهم - «حجة لتثبيت نفوذ الحشد الشعبي فيها بحجة حماية المزارات»، كما فعلوا ذلك عند مرقد السيدة زينب في مدينة دمشق وفي مناطق حول مدينة حلب، وغيرها.

وكشف خيري بوزاني مدير عام الوقف اليزيدي في وزارة أوقاف إقليم كردستان العراق، أن الشبك الشيعة الذين تقع ديارهم شرق مدينة الموصل، يشترون الأراضي من النصارى في سهل نينوى لقاء مبالغ مغرية، ويستطرد في القول بأن الشبك ليس بإمكانهم فعل ذلك، دون تلقي الدعم من الأطراف الشيعية.

 

ما الذي يريد المخطط الشيعي الوصول إليه؟

أولاً: هو شراء الأراضي، وشراء ذِمَم بعض العوائل في الموصل وأطرافها التي تربط نسبها بآل البيت، أو المنتمية إلى بعض الطرق الصوفية التي تصل مرجعيتها إلى الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، كالقادرية والرفاعية والكسنزانية.

ثانياً: بناء مزارات ومشاهد وهمية في الموصل وفي أطرافها الغربية والشرقية والشمالية ليس لها سند تاريخي، بغية إحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي في منطقة الموصل التي هي حاضرة العرب السنة في العراق.

ثالثاً: إجراء مزيد من ممارسات التعبئة الشعبية عن طريق الشعارات المعروفة كالمظلومية، وثارات أهل البيت! وزيارة المراقد الشيعية... وغيرها؛ بغية تمهيد الأرضية لتشييعها في المستقبل القريب.

رابعاً: إقامة الهلال الشيعي وتسهيل حركة التنقل الإيرانية ابتداءً من إيران ومروراً بإقليم كردستان (شمال العراق)، ومروراً بسوريا، ثم انتهاءً بلبنان، والبحر الأبيض المتوسط (طرق الحرير).

خامساً: إضعاف سلطة إقليم كردستان العراق، وفصله جغرافياً عن كرد سوريا من خلال السيطرة على منطقة سنجار ذات الموقع الحيوي والإستراتيجي بين كلٍّ من العراق وسوريا وتركيا.


[1] مروج الذهب: 3/76.

[2] ينظر: تاريخ الطبري: 3/300.

[3] تاريخ الطبري: 3/298.

[4] الأخبار الطوال، ص260 - 261.

[5] تجارب الأمم: 2/82 - 83.

__________________________________

الكاتب: أ.د. فـرسـت مرعـي