صفاتنا في القرآن
وبجانب ذلك كله ينبغي تعويد النفس على الصبر، ليس فقط بالضراء وانما أيضا بالسراء، وكذا الحرص على إشغال الأوقات بالأعمال الحسنة، وبذلك ستترك النفس صفاتها السيئة وستتعود على صفات الرضا
بينت آيات كثيرة في كتاب الله جل وعلا أوصاف الإنسان، منها الآية {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } فهو مخلوق ضعيف في بنيته، يتكسر إذا سقط من مكان عال أو ارتطم بجدار أو صدمته سيارة أو إذا تعرض للدهس، بخلاف كثير من المخلوقات الأخرى كالطير والثعبان والنمل التي تتحمل وتقاوم كثيرا من ذلك، كما أنه لا يتحمل الأمراض المزمنة ويضعف كلما تقدم بالعمر. فضلا من أنه ضعيف أمام نفسه، لا يتمكن من التحكم برغباتها والسيطرة على شهواتها والحد من اندفاعاتها.
وفي سورة المعارج وُصف الإنسان بصفتي الهلع والجزع، يهلع إذا سمع صوتا عاليا كصوت انفجار القنابل والصواريخ، أو إذا رأى أمامه شخصا يحتضر أو ملطخا بالدماء، ويجزع إذا أصابه شر ما كعدم النجاح في إنجاز هدف يراه من ضروريات الحياة مثل حلم الزواج وبناء أسرة واستكمال الدراسة، وتراكم الديون وتتابع الحوادث وتكالب الحاسدين وقسوة الوالدين وخسارة التجارة، وما إلى ذلك.
وإذا كان الإنسان في خير ورخاء فإنه يتحول منوعا كما أفادت ذات السورة أي يصبح أنانيا يتمنع عن مشاركة خيره لغيره ويمنع وصول الخير لمستحقيه، وهذا عين ما فعله قارون الذي رد على ناصحيه بأنه جمع المال بعلمه وعرق جبينه ولن يعط أحدا منه، ويشبهه كل من منع زكاة ماله أكانت نقودا أم حيوانات أم تجارة. وكل من حباه الخالق جل وعلا بنعمة أو موهبة ولم يؤد زكاتها فقد حاد عن الطريق القويم، كالذي يتمتع بالذكاء لكنه يتجاهل الأغبياء، ومن فيه حكمة واتزان ولا يستخدمها في إصلاح ذات البين، والذي لديه قوة لكنه لا يساعد الضعفاء، والذي لديه فكر وعلم غير أنه لا ينشره ولا يحرص على تعليم غيره، والأفظع من ذلك أن يكون سببا في منع الجياد من عون وغوث غيرهم.
والإنسان يعتريه اليأس والقنوط إذا مسه الشر; يقول تعالى { وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } فهلاّ سألت نفسك: هل قطعت الأمل في شفاء فلدة فؤادك، هل يئست من رجوع مفقودك، هل وصلت إلى قناعة بأنك لن تفلح في مهمتك، هل يئست من إصلاح أهل بيتك، هل اقتنعت تماما بأن الله لن يغفر لك ذنوبك العظيمة، هل استسلمت أمام الواقع المرير وقررت ترك الدعوة وعمل الخير، هل هل..
وإن كان حاله عكس ذلك وانقلب إلى خير ونعمة، فإن الله تعالى يقول { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}، ليس هو الفرح الطبيعي الذي يشعر به القلب حال وقوع خير ما، بل فرح ممزوج بالتبختر والكبر وحب الظهور، ينسى سريعا الضائقة التي كان فيها والمعاناة التي عاشها، ويستغل النعمة في ظلم واحتقار الآخرين.
ووصف القرآن الإنسان بأوصاف أخرى غير حسنة كـ الظلم والجهل وجحود النعمة، يظلم نفسه وغيره، ويجهل كثيرا من عواقب الأمور، وفي سورة التين ذُكر أن الإنسان يتدنى إلى مرتبة أقل بكثير من المخلوقات الأخرى مع أنه أفضلها على الإطلاق بما أودعه الله فيه من عقل وروح.
والحقيقة الثابتة أن غالبية البشر يعيشون بتلك الصفات ولا ينفكون عنها، ولا مفر من حياة الكدر والتعاسة وحياة الكبر والغرور سوى باتباع آيات الرحمن، وكلها رحمة تجبر ضعف الإنسان وتشد من أزره وتثبت قلبه وتهذب كيانه.
وعوضا عن ملاحقة الأطباء لإيجاد حل لأزمان النفس الكثيرة، من الأسهل علينا الفرار إلى من سوّى النفس سبحانه، المضطلع على ما في الصدور وما تخفي الضمائر، العالِم بالسر وما أخفى والذي يرى ويسمع كل شيء في كل وقت وحين جل في علاه.
وهاك الحلول الربانية:
- الصلاة: بأركانها وخشوعها وأوقاتها.
- الصدقات: وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن مساعدة الآخرين يجلب السعادة والراحة للإنسان.
- التصديق باليوم الآخر: هناك يُجزى بالخير والجنة كل من صبر على الشر والبلاء ابتغاء وجه الله، وينال الظالم جزاء أفعاله القبيحة.
- الشفقة من العذاب: النفس تهدأ وتسكن حينما تتفكر بمحن ومصائب غيرها الأكبر، وكل المصائب تهون أمام لفحة من جهنم .
- حفظ الفرج: من استسلم لشهوته سيعيش أسيرا لها، وبنظرة بسيطة سنرى أن مجتمعات الفواحش مجتمعات خائفة ومذعورة لا تتحمل شيئا.
- مراعاة العهد والأمانة: ومن يلتزم بالآداب في معاملاته اليومية لا يتوقع من الآخرين الشر والخديعة بل يعيش ببساطة، أما الخائن والكذاب فهو يظن أن الناس مثله فيتعامل معهم بتوجس وحذر على الدوام.
- القيام بالشهادة: وهي وسيلة إثبات الحقوق وغالبا ما تكون فرض عين على الشاهد، ومن يؤديها غير مكترث بالإغراءات أو التهديدات فقد طرد من ذهنه الخوف من الناس.
وبجانب ذلك كله ينبغي تعويد النفس على الصبر، ليس فقط بالضراء وانما أيضا بالسراء، وكذا الحرص على إشغال الأوقات بالأعمال الحسنة، وبذلك ستترك النفس صفاتها السيئة وستتعود على صفات الرضا والتفاؤل والشجاعة والكرم.
- التصنيف: