من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الإرهاب والإعلام)

منذ 2021-09-30

ولقد اقترن الإرهاب لدى الغرب بالمسلمين، لا سيما في الوقت الراهن،وأضحت أي عملية تخريبية مقرونةً بالعرب المسلمين بغض النظر عن الوجهة الجغرافية التي حدث بها التخريب وقام بها العنف..

ولقد اقترن الإرهاب لدى الغرب بالمسلمين، لا سيما في الوقت الراهن،وأضحت أي عملية تخريبية مقرونةً بالعرب المسلمين بغض النظر عن الوجهة الجغرافية التي حدث بها التخريب وقام بها العنف[1]، ولأن العالم أصبح اليوم عالة على الإعلام الغربي في ترسيخ المفهومات فإن الإعلام الغربي استطاع أن يبعد النظر والتركيز والأضواء عن التخريب الصادر عن الأمم الأخرى، لا سيما الأمم المتحدرة عن الأصول الأوروبية، كما يحصل في الأمريكيتين، وكما يحصل من اليهود في فلسطين المحتلة[2].

 

بل إن الإعلام الغربي قد استطاع أن يتجاهل العمليات الترويعية التخريبية التي قام بها أفراد غربيون في عقر دارهم، وقامت ضد رؤساء الدول؛ كاغتيال جون ف.كينيدي ومارتن لوثر كينج في الستينيات الميلادية، ومحاولة اغتيال رونالد ريغان الرئيس الجمهوري للولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات الميلادية، أو ضد الشعوب؛ كتفجير مبنى الحكومة الفيدرالية في مدينة أوكلاهوما بولاية أوكلاهوما، أو ضد المنشآت الحكومية والحيوية في الغرب نفسه، أو مدارس الأطفال ومؤسسات المجتمع المدني، مما يؤكد دائمًا على أن الإرهاب لا يحمل هُوية ولا دينًا، ولا يمكن أن يعزى إلى ثقافة بعينها.

 

بل إن مؤثراتٍ آنيةً في حساب التاريخ قد تكون مسؤولةً عن ترسخ الإرهاب في جهة أكثر من ترسخه في جهات أخرى من العالم، بل إن التركيز الإعلامي وحساسية الموقع قد يكون لها أثر في التركيز الجهوي على العمليات الإرهابية، من خلال إرهاب الأفراد من جهة، وإرهاب التنظيمات أو الجماعات من جهة أخرى، وإرهاب الدولة من جهة ثالثة[3]، كما أنه يتجاهل أولئك المرتزقة من الغربيين الذين عاثوا في الأرض فسادًا[4]: (بلاك ووتر) الأميركية في العراق مثالًا.

 

ليس هذا تسويغًا لقيام تخريب عربي، ولكن النسبة بين الفعلين غير قابلة للمقارنة،وإذا درسنا بعض أسباب هذه العمليات التخريبية العربية نرى أنها انبعثت عندما قدَّم الغرب التسهيلات والوعود والدعم لقيام دولة يهودية في قلب الأمة، تخلصًا من عُقَدٍ أوروبية على حساب شعب آخر، ونصره ظالمًا لا مظلومًا، وسعى إلى ترسيخه بكل ما أوتي من قوة مادية ومعنوية، وليس هذا أيضًا مسوغًا لقيام العمليات التخريبية العربية، وإنما هو تتبُّع للبواعث والأسباب[5].

 

وليس العرب، وبالتالي المسلمون، تخريبيين، ولا دينهم ولا ثقافتهم المستمدة من الدين ولا آدابهم تدعو إلى الترويع والإرهاب، كما هو المفهوم الغربي للإرهاب[6]، وليسوا كذلك متعطشين إلى الدماء، وليسوا همجيين متوحشين،وكل هذه وغيرها اتهامات ليست جديدة على الإسلام ولا على المسلمين، بل إنها جزء من تلك الحملة التي يهمها ألا يكون هناك تقارب بين الشرق/ المسلمين والغرب؛ رغبة في حماية الغربيين من الإسلام، ورغبة في الحد من انتشار الإسلام في الغرب وفي غير الغرب[7].

 

وهي حملة قديمة تتجدد وتتضافر فيها جهود مختلفة من تنصير واستشراق واحتلال وعلمانية[8]، وأعانت عليها حركات محلية داخل المجتمع المسلم قامت بأعمال لا تتفق مع التوجه الإسلامي في الحكم على الأحداث والتعامل معها، فكانت القابلية لذلك،وكانت هذه الحركات وبعض الجماعات أرضًا خصبةً للتدليل على أن الإسلام والعرب ميَّالون إلى التخريب والترويع والهدم.

 

وفي الوقت الذي ننحو فيه باللائمة على الغرب في تشويه الإسلام، نجد أنفسنا نعين على هذا التشويه؛ بسبب سوء فهم بعضنا نحن للإسلام، وبالتالي سوء تطبيقنا له على المستوى السياسي، وعلى مستوى العلاقات الدولية على الخصوص، ثم على المستويات الأخرى الفكرية والاجتماعية والسلوكية والمظهرية؛ مما أدى إلى اتهامنا واتهام ديننا واتهام علمائنا بالتركيز على الأحوال الشخصية فقط، والبعد عن الواقع وفقه الواقع[9].

 

وعليه، فإنه في هذا المحدِّد من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، يظهر أن المسؤولية مشتركةٌ بين الطرفين دونما تغليب طرف على الآخر؛ ذلك أنه عندما وفق من قبلنا في تقديم الإسلام كانت النتيجة قبوله من الآخر، والإقبال عليه.

 

وممن وفِّق في تقديم الإسلام تقديمًا مناسبًا أولئك التجار المسلمون الذين لم يذهبوا قصدًا للدعوة، ولكنهم استخدموا الحكمة؛ فكانوا قدوة استطاعوا بها نشر الإسلام.

 

يضاعف هذا من مسؤولية المسلمين من الدعاة وغيرهم وعلى مختلف الصُّعُد في حمل الإسلام إلى الآخر بصورته التي ينبغي أن يحمل عليها، وتخليصه من تلك الشبهات التي أثيرت حوله وحول معتنقيه، ومنها شبه التخريب والترويع والهدم؛ أي: شبهة الإرهاب بالمفهوم "الإعلامي" للإرهاب، عندها يمكن ضمان تقبُّل غير المسلمين له، وتلك مسؤولية عظيمة.

 


[1] انظر في مناقشة هذا المفهوم: زين العابدين الركابي،الأدمغة المفخخة - الرياض: غيناء للنشر، 1424هـ/ 2003م - ص 246.

[2] انظر: عصام محفوظ،الإرهاب بين السلام والإسلام - بيروت: دار الفارابي، 2003م - ص 181.

[3] انظر: أحمد طحان،عولمة الإرهاب: إسرائيل - أمريكا والإسلام - بيروت: دار المعرفة، 1424هـ/ 2003م - ص 455.

[4] انظر: غازي عبدالرحمن القصيبي،أمريكا والسعودية: حملة إعلامية أم مواجهة سياسية - ط4 - بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002م - ص 135.

[5] في البحث في أسباب الإرهاب انظر ص 35 - 53 - في: علي بن إبراهيم النملة،فكر التصدي للإرهاب: المفهوم - الأسباب - الأوزار - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1428هـ/ 2007م - ص 115.

[6] انظر: جابر عصفور،مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب العربي المعاصر - بيروت: دار الفارابي، 2003م - ص 310.

[7] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - ط 5 - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010م - ص 46 و53.

[8] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة،ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - مرجع سابق ص 85 - 88.

[9] انظر: سمير سليمان، (مشرف)،العلاقات الإسلامية - المسيحية،قراءات مرجعية في التاريخ والحاضر والمستقبل - بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1994م - ص367،وانظر كذلك: أليكسي جوارفسكي،الإسلام والمسيحية - مرجع سابق - ص 236.
__________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة