شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه "إني أراك ضعيفا"
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحِبُّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّيَنَّ مال يتيم» (رواه مسلم).
♦ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحِبُّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّيَنَّ مال يتيم» (رواه مسلم).
♦ وعنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقِّها، وأدى الذي عليه فيها» (رواه مسلم).
♦ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة» (رواه البخاري).
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ذكر الحافظ النووي رحمه الله في باب النهي عن سؤال الإمارة ما نقله عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إنك امرؤ ضعيف، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، فلا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ على مال يتيم».
هذه أربع جمل بيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي ذر فيها ما بيَّن:
الأولى: قال له: إنك امرؤ ضعيف، وهذا القول إذا كان مصارحة أمام الإنسان فلا شك أنه ثقيل على النفس، وأنه قد يؤثِّر فيك أن يقال لك: إنك امرؤ ضعيف، لكن الأمانة تقتضي هذا؛ أن يصرح للإنسان بوصفه الذي هو عليه إن قويًّا فقويٌّ، وإن ضعيفًا فضعيف، هذا هو النصح، "إنك امرؤ ضعيف"، ولا حرج على الإنسان إذا قال لشخص مثلًا: إن فيك كذا وكذا من باب النصيحة، لا من باب السب والتعيير؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: «إنك امرؤ ضعيف».
الثانية: قال: «وإني أحب لك ما أحبه لنفسي»، وهذا من حسن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام، لما كانت الجملة الأولى فيها شيء من الجرح، قال: «وإني أحب لك ما أحب لنفسي»؛ يعني لم أقل لك ذلك إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي.
الثالثة: «فلا تأمَّرنَّ على اثنين» يعني لا تكن أميرًا على اثنين، وما زاد فهو من باب أولى، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أن يكون أميرًا؛ لأنه ضعيف، والإمارة تحتاج إلى إنسان قوي أمين؛ قوي بحيث تكون له سلطة وكلمة حادة وإذا قال فعل، لا يكون ضعيفًا أمام الناس؛ لأن الناس إذا استضعَفوا الشخص لم يبقَ له حرمة عندهم، وتجرأ عليه لكع بن لكع، وصار الإنسان ليس بشيء، لكن إذا كان قويًّا حادًّا في ذات الله، لا يتجاوز حدود الله عز وجل، ولا يقصر عن السلطة التي جعلها الله له، فهذا هو الأمير حقيقة.
الرابعة: «لا تولَّينَّ مال يتيم»، واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ، فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتولى على مال اليتيم؛ لأن مال اليتيم يحتاج إلى عناية ويحتاج إلى رعاية {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]، وأبو ذر ضعيف لا يستطيع أن يرعى هذا المالَ حقَّ رعايته؛ فلهذا قال: «ولا تولَّينَّ مال يتيم»؛ يعني لا تكن وليًّا عليه، دعه لغيرك، ففي هذا دليل على أنه يشترط للإمارة أن يكون الإنسان قويًّا وأن يكون أمينًا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إنها أمانة»، فإذا كان قويًّا أمينًا فهذه هي الصفات التي يستحق بها أن يكون أميرًا، فإن كان قويًّا غير أمين، أو أمينًا غير قوي، أو ضعيفًا غير أمين، فهذه الأحوال الثلاثة لا ينبغي أن يكون صاحبها أميرًا.
ولكن يجب أن نعلم أن الأشياء تتقيد بقدر الحاجة؛ فإذا لم نجد إلا أميرًا ضعيفًا، أو أميرًا غير أمين، وكان لا يوجد في الساحة أحد تنطبق عليه الأوصاف كاملة، فإنه يولى الأمثل فالأمثل، ولا تترك الأمور بلا إمارة؛ لأن الناس محتاجون إلى أمير، ومحتاجون إلى قاضٍ، ومحتاجون إلى من يتولى أمورهم، فإن أمكن وجود من تتم فيه الشروط، فهذا هو الواجب، وإن لم يوجد فإنه يولى الأمثل فالأمثل؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وتختلف الأنظار فيما إذا كان لدينا رجلان أحدهما أمين غير قوي، والثاني قوي غير أمين، كل منهما معيب من وجه، لكن في باب الإمارة يفضَّل القوي وإن كان فيه ضعف في الأمانة؛ لأن القوي ربما يكون أمينًا، لكن الضعيف الذي طبيعته الضعف فإن الطبع لا يتغير ولا يتحول غالبًا، فإذا كان أمامنا رجلان أحدهما ضعيف ولكنه أمين، والثاني قوي لكنه ضعيف في الأمانة، فإننا نؤمِّر القويَّ؛ لأن هذا أنفع للناس؛ فالناس يحتاجون إلى سلطة وإلى قوة، وإذا لم تكن قوة - ولا سيما مع ضعف في الدين - ضاعت الأمور، والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (4/ 10- 13)
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: