كيفية صياغة السؤال

منذ 2021-10-06

من؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟ أسئلة مغروزة في داخلنا، تبحث عن أجوبة شافية، تعزز وجودنا في مرتكز الحياة بشكل مقنع وعقدي

من؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟

أسئلة مغروزة في داخلنا، تبحث عن أجوبة شافية، تعزز وجودنا في مرتكز الحياة بشكل مقنع وعقدي، وتجعلنا عبادا نافعين أمام عظمة هذا الوجود المنتظم وخالقه، الذي خلقنا لحكمة لم تدركها الملائكة ابتداء حينما سألوا السؤال الاستفهامي: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً * قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]، فأجابهم الخالق العظيم: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وعقب عليهم سبحانه بقوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 33]؛ أي حتى لو لم تقولوه لعلمته من دواخلكم ومكنون أنفسكم. ونقف هنا إخوتي بعد هذه المقدمة لنتدرب على صياغة السؤال بشكل صحيح ونافع، يستحث العقل الإنساني ويحرك فيه الطاقة النافعة، بحيث لا نجعل من بعض أسئلتنا أسئلة ملغزة، أو مبهمة تخضع للاحتمالات وليس إلى البحث العقلي.

 

بداية نقول: إن السؤال هو مفتاح صفحات المعرفة والبحث العلمي، أو استفسار عن شيء مبهم، أو من هو وراء الحدث؟ وهكذا تتشعب الأسئلة حسب الموقف الفكري أو العلمي، أو الحدث السياسي، بل هناك سؤال أجابته تجرنا إلى سؤال آخر أكثر تعقيدًا، لأن الفضول البشري يستحث الخطى للولوج في أعماق الأجوبة الأخرى. ومن الأسباب التي جعلتنا نتطرق لهذا الموضوع حيث إن هناك من يسأل بحيث، وأنت تجيبه على السؤال فيقفز إلى السؤال الآخر دون فهم أو إدراك لما أجبته للسؤال الأول، وهذا النوع من الناس لا يعرف التركيز ولا يعرف لم يسأل..

 

النوع الآخر: يسأل الأسئلة الافتراضية التي لا يعاني منها في الواقع، وهذا النوع مهووس دون إدراكه أو وقوفه على أرضية ثابتة، وقد أرشدنا الإسلام أن نسأل الأسئلة العملية النافعة التي فيها فائدة لنا في ديننا ودنيانا، مثل ذلك الرجل الذي سئل رسول الله صل الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال له «ماذا أعددت لها» ؟ فأجاب: حب الله ورسوله، فقال له: «أنت مع من أحببت».. وهذا من عظيم الفقه ومن باب التعليم والتوجيه من قبل رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم، وإلى المسلمين كافة وحينما نراجع أسئلة القران الكريم نجد الأسئلة والأجوبة العملية معًا. قال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189].

 

أي ما هذا التغير الذي يحدث للهلال؟ لم يبدوا دقيقا مثل الخيط، ثم يعظم ويستدير، ثم ينقص ويدق حتى يعود كما كان ؟،...

 

وفي آية أخرى من القرآن يقول المولى سبحانه: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39]، زيادة في التوضيح.. لأن العرب قبل الإسلام كانت ترى هذه الظاهرة ولكن لا تدرك تعليلها، فكانت الإجابة هي مواقيت وتحديدات لتنظيم عبادتكم، ومواعيد حجكم وصيامكم، ثم يعقب بإجابة أكبر من السؤال في خصوص البر، أي ليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها كما كنتم تفعلون في الجاهلية.

 

مثال آخر من فضول الإنسان:

وهذا السؤال كان من اليهود إلى المشركين في مكة لمعرفة، هل هذا الذي جاءنا نبي أو غير نبي؟ وكان على رأس وفد المشركين النظر بن الحارث عدو الله، الذي رجع محملًا بأسئلة اليهود من أجل إحراج رسول الله صل الله عليه وسلم، وكان ضمن تلك الإسئلة:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً} [الاسراء: 85].

 

والإجابة هنا تبقى سرًّا، من الأسرار، وهي من خصائص الخالق لا يعلمها حتى النبي، ولا يعرف كنهها مها بلغ الانسان من العلم، بل سيبقى حاجزًا في وجه غزو الإنسان وتطلعه، ولذلك يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هناك أسئلة تبقى من علم الله المكنون مثل موعد قيام الساعة لا نعلمها ولا ندركها مهما تقدمنا في أسباب العلم وقد قيل من الأسئلة ما جوابها السكوت، وقس على هذا المستوى...

 

وقد أجاب القرآن الكريم على أكثر من أربعة عشر سؤالًا تضمنت الآداب المرعية والأسس القويمة فيما ينبغي وما لا ينبغي في موضوع السؤال وآدابه وتوجيه الأنظار إلى ما ينفع في الدين والدنيا ...

 

أخيرًا:

يبقى أن هناك أسئلة دارت في خلد بعض العقول فأوصلتهم إلى اكتشافات واسعة للبشرية، مثل أسئلة العالم الشهير (نيوتن) وملاحظاته البصرية، لماذا تسقط الأشياء المادية إلى الاسفل وليس إلى الاعلى؟، فمازال يتابع حتى اكتشف الجاذبية .. واسئلة العالم الشهير( اينشتاين )وتفكيره ومسائلاته في الفرق بين السرعة والحركة، والضوء حتى اكتشف النظرية النسبية التي أحدثت ضجة بين العلماء، وهكذا مازال العالم المسلم عباس بن فرناس يلاحظ الطيور في حركتها، وسرعتها، وتوازنها ثم تحلق طائرة ليكتشف كيفية وحقيقة الطيران، وهذا ما أخذته المدارس العلمية المعاصرة من السابقين وضافت إليه خبرتها، وتجاربها من خلال المعرفة والعلم بالتقليد، والمحاكاة للطبيعة، والكائنات في صناعة الطائرات من الطيور، والرادار من الوطواط الذي يطير سابحًا من خلال الأمواج الصوتية، صعودًا ونزولًا علمًا أنه لا يبصر، وكذا بقية الاختراعات من الملاحظات، وتتبع الكائنات التي خلقها الله تعالى، وتعرف هذه المدرسة بمحاكاة الطبيعة والكائنات في معرفة ما أودعه الخالق في مخلوقاته، مثل صناعة المفقسات من خلال ملاحظة الدجاجة كيف تقلب بيضها حتى يفقس في اليوم الواحد والعشرين دون الخروج عن نظام الخالق جل جلاله، ولله في خلقه شئون...

 

نصل إلى نقطة مهمة يجب أن تكون أسئلتنا مصاغة بشكل صحيح، معتمدة على الحس والملاحظة، والتتبع، والربط بين الأشياء، لنستفيد من هذا الربط إلى فك العقد الفكرية والعلمية، ونجعل السؤال نصف الجواب، لكي يحرك العقل والذهن ..

 

ويستحث الرغبة في المعرفة العلمية والبحثية، وما ينتج إلينا من معرفة مفيدة تفك المبهمات، وتضع النقاط على الحروف وتفيد شبابنا الناهض في الأساليب والوسائل لأنتاج الأبحاث الفكرية والعلمية المفيدة لبلادنا، والتي تبحث عن إجابات لأسئلة متعددة، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ...

______________________________________
الكاتب: خالد محمد شيت الحيالي