مخاطر الإنترنت وكيف نحمي أنفسنا منه

منذ 2021-10-10

الإنترنت يمثل اليوم عالمًا من المتعة البصرية والسمعية بمقاطع جذابة، ومعلومات غزيرة من كل أنحاء العالم، يوفر عالمًا جديدًا من التواصل السريع ووسائل الترفيه، ووسائل التعبير عن الذات..

أيها الإخوة الأعزاء، لا شك أن العلم ومنجزات الحضارة الغربية الحديثة قد أفادت الإنسانَ إفادة عظيمة جدًّا؛ حيث يسرت عليه كثيرًا من المشاق، وخففت عنه كثيرًا من المتاعب والآلام، ووفرت عليه كثيرًا من الوقت والجهد، وأوجدت للإنسان العادي من وسائل الراحة والترفيه ما لم يتوفر لملوك وعظماء التاريخ، ومع ذلك فإن لهذه المنجزات مخاطرَ وأضرارًا تعصف بحياة الإنسان وتدمره حين يستغلها استغلالًا سيئًا؛ لأن الخير فيها ممزوجٌ بالشر؛ ولأن الذين أنجزوا هذه الحضارة هدفُهم الربح والكسب المادي والسيطرة دون مراعاة للجانب الديني أو الأخلاقي أو النفسي، ولأننا وللأسف أمة الإسلام تابعون لهذه الحضارة متلقون لها، لا خيار لأحد ممن لا يتحفظ منها أن يسقط في أوحالها، ويغرق في إغرائها، ويصطلي بنارها.

 

لذلك يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى في كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟": "إذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته، ويتحرر من رقِّ غيره، وإذا كان يطمح إلى القيادة؛ فلا بد من الاستقلال التعليمي، بل لا بد من الزعامة العلمية، وما هي بالأمر الهيِّن...".

 

ولعل من منجزات ومشكلات العصر اليوم الإنترنت، فهو الآن أخطر وأعظم اختراع وصل إليه الإنسان الغربي من حيث التأثير في حياة الناس، له فوائد عظيمة ومخاطر جسيمة، وقد جاء الإسلام بقواعدَ عامة تعالج كل المشكلات، وتحمي من كل المخاطر والمفاسد. وفي هذا الموضوع محاولة لمعرفة فوائد الإنترنت ومخاطره وطرق الحماية منه.

 

فوائد الإنترنت:

الإنترنت يمثل اليوم عالمًا من المتعة البصرية والسمعية بمقاطع جذابة، ومعلومات غزيرة من كل أنحاء العالم، يوفر عالمًا جديدًا من التواصل السريع ووسائل الترفيه، ووسائل التعبير عن الذات، ومتابعة أحداث وأخبار العالم في حين وقوعها، وسهولة التواصل مع الآخرين بالصوت والصورة، وتواصل أهل الخبرات وأصحاب المهارات، وسهولة التسوق والاطلاع على قوائم الأسعار، ونشر العلم والمعرفة، وسهولة الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة وكثيرة، وسهولة التعلم الذاتي في مختلف المجالات، كما أنه يعد وسيلة قوية للدعوة إلى الله تعالى ونشر الإسلام.

 

أضرار الإنترنت:

أضرار صحية:

تتمثل أضراره الصحية في أن الإفراط في استخدامه يؤدي إلى كثرة السهر أمام الشاشة، وقلة النوم، وهذا يهدم البدنَ ويؤثر على هرمونات الجسم بالسلب، وفي أحدث دراسة في جامعة نيويورك أظهرت أن الإفراط في استخدام الإنترنت يسبب خللًا في وظائف المخ؛ لذلك يجب ترشيد استخدامه، وإخراج الهاتف عند النوم من الغرفة.

 

كما يسبب الإنترنت ضعفَ البصر وآلام الظهر والرقبة؛ نتيجة طول الجلوس أمام شاشته.

 

كما أظهرت الدراسة أن متابعة الأحداث السلبية من خلال الإنترنت تسبب القلق والتوتر وسوء المزاج.

 

وكذلك الإفراط في استخدامه يسبب الإجهاد الذهني، فيضعف القدرة على التركيز، ويضعف التحصيل، ويقلل الفهم لدى الطلاب وينقص انتباههم.

 

كذلك أجريت أبحاث في جامعة ميلان في إيطاليا بيَّنت أن الجلوس على الهاتف لساعات طويلة يؤثر تأثيرًا ضارًّا على الجهاز المناعي؛ مما يسبب كثيرًا من الأمراض.

 

أضرار اجتماعية:

يتسبب الانشغال الكثير بالإنترنت في العزلة والتباعد الأسري، ولعلك تلاحظ ذلك عند زيارة كثير من الناس؛ إذ تجد كلَّ واحد في البيت في ركن متواصل مع جهازه الإلكتروني دون التفات لأحد حوله.

 

إهدار وتضيع الوقت الكثير من غير فائدة؛ إذ يعد الإنترنت أعظم لص يسرق وقت الإنسان. قد تريد البحث عن شيء فتأتيك عشرات الأشياء، فتظل تنتقل من شيء لآخرَ حتى تنقضي الساعات دون أن تشعر.

 

نشر الأخبار الكاذبة والشائعات الخاطئة، يكفي أن ينشر أحدهم خبرًا فيتداوله الجميع دون تحرٍّ وتثبُّتٍ، فيتضرر بذلك أناس وشركات وأعمال حسنة بريئة.

 

انتشار العري والألفاظ والمشاهد غير الأخلاقية، وهي تسبب ضررًا كبيرًا جدًّا؛ لأنها تغير في مكونات المخ، وتؤثر سلبًا في السلوكيات والأخلاق على المدى الطويل.

 

الانفصال عن الواقع والعيش في الخيال والأحلام.

 

إدمان الألعاب الإلكترونية التي تجعل الطالب ينسى طعامه وشرابه وصلاته وواجباته، وقد صنِّف ذلك كمرض نفسي مؤخرًا؛ لذلك يجب مراجعة الطبيب النفسي إذا شعرت بأعراض الإدمان عند الأطفال أو حتى عند الكبار.

 

إدمان المسلسلات والأفلام الكرتونية، التي تحمل أحيانًا كثيرة العنف أو الشذوذ والإلحاد، مما يترك أثرًا بالغ السوء في عقول الأطفال والشباب.

 

يلاحظ الآن في ظل المعرفة المحدودة لعلوم الشريعة وغياب الثقافة الإسلامية العميقة عند كثير من الشباب المسلم - حدوثُ تغيير في منظومة العادات والتقاليد والأخلاق والقيم الإسلامية الموروثة، فالاطلاع الكثير على عادات وتقاليد غربية فاسدة يؤدي إلى اعتناقها وتقليدها، وترك ما نشأ عليه وآمَنَ به المسلم وكذا المسلمة من عادات قومهم وقيم دينهم، وذلك في إطار الحرب الثقافية والفكرية الشرسة على المسلمين والاتجاه بهم نحو العولمة.

 

وجود مجموعة من الفساق والفاسقات على الشبكة الذين يبدؤون بالتعارف ثم الإغواء، ثم الاستدراج الإجرامي أو الجنسي، ثم الابتزاز ليصبح الشخص أحد ضحايا الإجرام الإلكتروني، وقديمًا قال الشافعي رحمه الله تعالى: أصعب الحرام أوله، ثم يسهل، ثم يستساغ، ثم يؤْلَف، ثم يحلو، ثم يُطبَع على القلب، ثم يبحث القلب عن حرام آخرَ.

 

نشر الكفر والإلحاد والتشكيك في الدين وطرح الشبهات.

 

اللعب بالعواطف والتأثير على مشاعر الأشخاص الذين لديهم فراغ أو جفاف عاطفي باسم التعارف والصداقة، ثم الحب والعشق، ثم العلاقات المحرمة، ثم خراب البيوت بالطلاق أو العيش في ضجر وفي هم وغم وجحود مع الزوج والأهل.

 

استغلال الصور والمعلومات للشخص المستخدم استغلالًا سيئًا جدًّا.

 

زيادة حوادث الطرق بسبب الانشغال بالمحمول وعدم الانتباه إلى الطريق.

 

ضوابط الحماية من الإنترنت:

كيف تحمي نفسك وأسرتك من أضرار ومخاطر الإنترنت:

من مسؤولية المسلم والمسلمة أن يتعرف كيف يتخلص من الأضرار التي تحيط به وبأهله، والتي يمكن أن تفتك به إن لم يأخذ حذره منها، قال الله تعالى:  {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

 

وإليك أهم ضوابط الحماية من مخاطر الإنترنت:

1- يجب تحديد أوقات محددة للتواصل والاستخدام، ومراقبة الوقت والكف عند انتهائه. يذكر الأطباء بأن المدة الموصى بها التي لا تؤثر على المستخدم وحالته النفسية هي نصف ساعة في اليوم، ولضمان هذا يجب ضبط المنبه قبل الولوج إلى شبكة الإنترنت؛ لضمان عدم تجاوز الوقت المحدد لاستخدامه.

 

2- إيقاف الإشعارات الواردة من برامج التواصل التي تحفز على فتح الوسائل واستخدامها.

 

3- إلغاء كل الحسابات الخاصة التي لا فائدة منها، وحذف كل الأشخاص الذين لا تربطك بهم ضرورة تواصل، خاصة إذا كانت من الجنس الآخر - كلما قل أصدقاء هذه الوسائل كان أفضل وآمَنَ.

 

4- تطوير هوايات جديدة كالقراءة وتعلم الحرف وممارسة الرياضة، مع الاهتمام بقضاء الوقت فيما يفيد من عمل أو علم، أو تواصل حقيقي مع الأسرة في عمل مشترك.

 

5- وضع حسابات الأولاد والزوجة تحت الرقابة وإعلامهم بهذا؛ لضمان الحماية وتحقيق الرعاية، وتجنب الغَواية، فالرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، يقول الدكتور عبدالرحمن الجيران - أستاذ الشريعة الإسلامية -: يجوز للزوج الاطلاعُ على هاتف زوجته بحكم ولايته العامة؛ ".. لأنه مسؤول عن حمايتها وتوجيهها، وكف الأذى والشر عنها، والزوجة حين تضع رقمًا سريًّا للمحمول فإنما تثير شكوك الزوج، ويتساءل في نفسه: ما الذي تخفيه عنه؟ وكذا الأولاد والأخوات حين يفعلون ذلك"، فالإثم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما حاك في صدرك، وكرهتَ أن يَطَّلِع عليه الناس»، فمن ذكاء الزوجة وصلاحها أن تبتعد عن كل ما يثير الشكوك؛ فلو اتصل بها أحد الرجال، لا تنتظر أن يسألها زوجُها أو أبوها، بل تقول: هذا فلان يسأل عن كذا أو يريد كذا، وكذلك الرجل لا ينتظر أن تسأله زوجته عمن كلَّمته من النساء؛ وذلك لتطمئن القلوب وتزول الشكوك.

 

فعلى كل مسلم ومسلمة أن يبرئ نفسه من مواطن الريبة والسوء؛ حفظًا لعرضه، وصيانة لقلوب الناس وألسنتهم من الشك وسوء الظن به، ورسولنا صلى الله عليه وسلم في ذلك خير قدوة، روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها: (أنها جاءتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزورُه، وهو مُعْتَكِفٌ في المسجِد، في العَشْر الأواخرِ مِن رمَضان، فتَحَدَّثَت عنده ساعةً مِن العِشاء، ثم قامتْ تَنْقَلِب (ترجع إلى بيتها)، فقام معها النبي صلى الله عليه وسلم يَقْلِبُها (يردها ويمشي معها)، حتى إذا بلغت بابَ المسجد، الذي عِندَ مَسكَن أُمِّ سَلَمَة زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم، مَرَّ بهِما رجلان مِنَ الأنْصارِ، فسَلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نَفَذا (أسرعا)، فقال لهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «علَى رِسْلِكُما» مهلكما «إنَّما هي صفيَّة بنتُ حُيَيٍّ»، قالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبُرَ عليهِما (عظُم وشقّ) ما قال، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيطان يَجْري مِن ابنِ آدَم مَبلَغ الدَّم، وإني خَشيتُ أنْ يَقذِف في قُلوبِكُما».

 

6- إلزام الأولاد بوقت محدد، ويكون الآباء في ذلك قدوة للأولاد.

7- استخدام الإنترنت في مكان مفتوح أمام أعين الكبار وليس في غرفة مغلقة.

8- وضع برامج الحماية من المواقع الضارة والمشبوهة.

9- إرشاد الأولاد إلى برامج هادفة ومفيدة، وشغل أوقاتهم بالواجبات العلمية والتعليمية، والأنشطة الرياضية والاجتماعية.

10- تشجيع الاتصال المباشر مع الأهل والأصدقاء الصالحين، وتقوية التواصل الأسري، وتخصيص وقت للأسرة بعيدًا عن الإنترنت وغيره من الشاشات.

11- تقوية الإيمان ومراقبة الله تعالى ومراعاة الله تعالى فيما تكتب وفيما تسمع وتشاهد، فلا تسمع إلا ما يرضي الله من المفيد النافع، ولا تكتب شائعات وأكاذيب، ولا داعي لتشويه أحد أو انتقاص أحد، ولا داعي لكتابة كلام مثير غير لائق أخلاقيًّا؛ قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

 

13- أن تكون الكتابة في المجموعات العامة، لا داعي لأن ترسل البنت رسالة إلى الولد على الخاص أو العكس.

 

14- تجنب التواصل مع الجنس الآخر من غير المحارم إلا للضرورة، وعلى قدر الضرورة بلا زيادة ولو بكلمة واحدة من مزاح أو استظراف أو مدح أو ثناء أو غير ذلك؛ لأنها من خطوات الشيطان.

 

15- لا تنشر معلوماتك وصورك الخاصة؛ لأنها قد تُستغَل من إنسان خبيث ضدك يومًا ما.

 

وإن كان لا بد أن تنشر شيئًا أيها الشاب وأيتها الفتاة، فلتكن منشوراتك كلمات إيمانية وآيات قرآنية؛ حتى لا يُساءَ بك الظن، وحتى لا يطمع فيك مَن في قلبه مرض.

 

16- تحديد وقت للنوم وإغلاق جميع الأجهزة؛ لأنه يكره السهر والسمَر بعد صلاة العشاء في غير مصلحة شرعية.

 

ويدل على ذلك ما رواه البخاري (568) ومسلم ( 647) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ» وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا".

 

قال النووي: "وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَة الحَدِيث بَعْدهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي خَيْر" انتهى "شرح صحيح مسلم" (5/146).

 

قال النووي: "وَسَبَبُ كَرَاهَة الْحَدِيث بَعْدهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السَّهَر، وَيُخَاف مِنْهُ غَلَبَة النَّوْم عَنْ قِيَام اللَّيْل، أَوِ الذِّكْر فِيهِ، أَوْ عَنْ صَلَاة الصُّبْح فِي وَقْتهَا الْجَائِز، أَوْ فِي وَقْتهَا الْمُخْتَار أَوْ الْأَفْضَل.

 

وَلِأَنَّ السَّهَر فِي اللَّيْل سَبَب لِلْكَسَلِ فِي النَّهَار عَمَّا يَتَوَجَّه مِنْ حُقُوق الدِّين، وَالطَّاعَات، وَمَصَالِح الدُّنْيَا" انتهى "شرح صحيح مسلم" (5/146).

 

17- ولا ننسَ كثرة الدعاء، والتعوذ بما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والشرور ما ظهر منها وما بطن.

____________________________________________
الكاتب: د. وفا علي وفا علي