رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما..
الشاهد: أن في هذا الحديثِ: بيان لما كان عند الصَّحابةِ مِن سُرعةِ الامتثالِ والتأثر بفِعلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم علما وعملا ..
أيها الإخوة الكرام: لم يزل الحديث موصولا بواسع البركة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعمة الله على الأولين و الآخرين، رحمة الله تعالى للخلق أجمعين حبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم..
الرسول الكريم، الرؤوف الرحيم، البشير النذير،الداعي الهادي إلى صراط العزيز الحميد..
كلف الله رسوله صلى الله عليه وسلم أول ما كلفه بدعوة الناس إلى كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.. فإنهم أجابوه لذلك تلى عليهم ما أنزل الله عليه من الكتاب والحكمة ..فإن هم أجابوه سعى بينهم سعياً حثيثاً إلى القلوب فطهرها، إلى الأخلاق فهذبها، إلى الطباع فقومها .. كل ذلك وهو على حال من الصبر والحلم والجلد الذي لا نظير له..
ذلك أنه من المهام العليا التي بعث من أجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبق في الناس مربيا ومعلما إلى أن يلق الله سبحانه وتعالى، قال النبي عليه الصلاة والسلام «إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً مُيسراً»
وفي القرآن الكريم وفي ثلاث سور منه أكد رب العالمين سبحانه وتعالى على أنه إنما بعث رسوله مربيا ومعلما..
الآية الأولى في سورة البقرة {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}
والآية الثانية أيضاً في سورة البقرة { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ}
أما الآية الثالثة ففي سورة آل عمران {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ}
وأما الآية الرابعة ففي سورة الجمعة {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ }
هذه الآيات الأربع تتحدث كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين هذه الآيات رباط وبينهم قاسم مشترك وهو أن الله تعالى بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مربيا ومعلما ..
السؤال يقول: ماذا علم رسول الله أمته؟
علمهم الحلال ليأتوه، علمهم الحرام ليجتنبوه، علمهم ما يحبه الله ليعملوه، علمهم ما لا يحبه الله ليتركوه..
علمهم كيف يتوضئون، وكيف يغتسلون، وكيف يتيممون، وكيف يصلون, وكيف يتصدقون، وكيف يحجون ويعتمرون ..
علمهم كيف يأكلون، وكيف يشربون، وكيف ينامون، وكيف يقومون، وكيف يقعدون ، وكيف يدخلون ، وكيف يخرجون ، وكيف يتصاحبون، وكيف يتجاورون، وكيف يتواصلون، وكيف يتناصحون، وكيف يتبايعون، ما لقى رسول الله ربه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة وعلم أمته كل شيء ..
قيل لسَلْمَانَ رضي الله عنه «قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ» ؟!
فَقَالَ سلمان « «أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ» »
تعلم الناس ما ينفعهم في دين ودنيا من أقوال رسول الله، تعلموا من أفعال رسول الله، تعلموا العدل من عدله، تعلموا الإنصاف من إنصافه، تعلموا منه الصبر وطول النفس وسعة الصدر والتماس العذر للجاهل حتى يتعلم، ومجاراة المعاند حتى تقوم عليه الحجة..
«ورد أنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، ائذَنْ لي بالزِّنا، فأَقْبلَ القومُ عليه فزَجروهُ، وقالوا: مَهْ! مَهْ! فقالَ: ادنُهْ، فدَنا منهُ قريبًا. قالَ: فجَلسَ، قالَ: أتُحبُّهُ لأُمِّكَ؟ قالَ: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأُمَّهاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لابنتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَه لبَناتِهِم. قالَ: أفتُحبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأخواتِهِم. قال: أفتُحبُّهُ لعمَّتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهِم. قال: أفتُحبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لخَالاتِهِم. قال: فوَضعَ يدَهُ عليه، وقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قلْبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، فلم يَكُن بَعدُ ذلِك الفَتَى يَلتَفِتُ إلى شيءٍ» ..
قلت : وفي الحديثِ: بيانٌ لِمَا كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مكارمِ الأخلاقِ ومن حُسنِ السِّياسةِ للجاهل والمعاند ..
وفيه: مَنقبةٌ عَظيمةٌ لهذا الشَّابِّ، حيثُ دَعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذه الدَّعواتِ المُباركاتِ، الَّتي هي مِن جوامعِ الكلِمِ، ودُعاؤُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستجابٌ.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن رسول الله ( معلما ) بقي لنا أن نقول:
إن للعلم النافع بركة وبركته أن يتعداك إلى غيرك وأن يعمل به ..
قلت: وهذه هى المعضلة فقد تكون صاحب علم لكنك لا تستطيع الوصول به إلى الناس ..
قد تكون عالماً لكنك قد لا تكون مؤثراً وقد لا تكون مقبولاً، فالقبول من الله تعالى، وقوة التأثير بركة من الله عز وجل ، وقديما قالوا: الناس يسمعون بآذانهم ويتعلمون بأعينهم ..
كانت أرضية المسجد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً فكان النبي وأصحابه يصلون ونعالهم في أقدامهم ..
وبينَما رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي بأصحابِهِ يوما إذ خلعَ الرسول نعليهِ فوضعَهُما عن يسارِهِ..
فلمَّا رأى ذلِكَ القومُ ألقوا نعالَهُم فلمَّا قضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صلاتَهُ قالَ ما حملَكُم علَى إلقاءِ نعالِكُم ؟
قالوا رأيناكَ ألقيتَ نعليكَ فألقينا نعالَنا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ جبريلَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أتاني فأخبرَني أنَّ فيهِما قذرًا فإذا جاءَ أحدُكُم إلى المسجدِ فلينظُر فإن رأى في نعليهِ قذرًا أو أذًى فليمسَحهُ وليصلِّ فيهِما..
الشاهد: أن في هذا الحديثِ: بيان لما كان عند الصَّحابةِ مِن سُرعةِ الامتثالِ والتأثر بفِعلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم علما وعملا ..
نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: