الأمن نعمة

منذ 2021-11-04

نِعَمُ الله على الناس تَتْرى، وآلاؤُه ومنافعه لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ما غابتْ نعمةٌ إلا ظهَر غيرُها، ولا فُقِدَتْ منةٌ إلا أنْعَم على الناس مثلَها، أو خيرًا منها.

عباد الله:

نِعَمُ الله على الناس تَتْرى، وآلاؤُه ومنافعه لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ما غابتْ نعمةٌ إلا ظهَر غيرُها، ولا فُقِدَتْ منةٌ إلا أنْعَم على الناس مثلَها، أو خيرًا منها.

 

أيها المسلمون:

نعمةٌ من نِعَم الله - تعالى - لا يهنأ العيشُ بدونها، ولا يقَرُّ قرارٌ عند فَقْدها، إنها النِّعْمَةُ التي يبحث عنها الكثيرُ، ويخطب ودَّها الصغيرُ والكبير.

هي نعمة لا أجَلّ منها ولا أعظم إلا نِعْمة الإسلام، أعرَفْتُم تِلْكم النعمة - يا عباد الله - إنَّها نعمة الأَمْن والأمان، والسلامة والاستقرار في الأوطان.

 

عباد الله:

نعمةُ الأمن امْتَنَّ الله بها على قريش، حين أعْرَضُوا عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال - سبحانه -: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [1]، وذَكَّرَهُم - سبحانه - بأحوال الذين فَقَدُوها مِنْ حَوْلِهم؛ فقال - عز مَن قائل سبحانه -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [2]، ثم جَعَلَها - تعالى - لعِظَمِها داعيًا لهم إلى الإيمان؛ فقال - جلَّ ذِكْرُه -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4].

 

أيها المسلمون:

وحين خاطَبَ المولى - سبحانه - صحابَةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ذَكَّرَهُم بتفَضُّلِه عليهم بنعمة الأمان، وامْتَنَّ عليهم بنصره لهم وإيوائه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [3].

 

أيها المسلمون:

إنَّ أول أمرٍ طلَبَهُ إبراهيم - عليه السلام - من ربِّه هو أن يجعلَ هذا البلَد آمنًا؛ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [4]، وفي آية أخرى قدَّم - عليه السلام - في ندائه لرَبِّه نعْمَةَ الأمن على نعْمة العَيْش والرِّزْق؛ فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[5].

 

عباد الله:

إنَّ استقرار المجتمع المسلم الذي يهنأ فيه بالطعام والشراب، ويكون نهاره معاشًا، ونومه سباتًا، وليله لباسًا - لا يُمكن أن يتَحَقَّق إلا تحت ظِلِّ الأمن والأمان، فكم منَ البلاد حولنا عاقَبَهُمُ الله بِنَزْع الأمن والأمان من بلادهم؛ فعاش أهلُه في خوفٍ وذُعْرٍ، وفي قلَقٍ واضطراب، لا يَهْنَؤُون بطعام، ولا يَتَلَذَّذُون بشراب، ولا ينعمون بنَوْمٍ، الكل ينتظر حتْفَه بين لحظةٍ وأخرى! وقد قيل لحكيم: أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإنِّي وجدتُ الخائف لا عيش له.

 

أيها المسلمون:

إن مكانة الأمن كبيرة، وكان نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ شهرٌ جديد، ورأى هلاله، سأل الله أن يجعلَه شهر أمن وأمان، وقال: «اللهُمَّ أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تُحب وترضى» [6].

 

وفي الحديث الآخر يُذَكِّر - صلى الله عليه وسلم - الناس بهذه النِّعمة؛ فيقول: «مَنْ أصبح منكم آمناً في سِرْبه، معافًى في جسَده، عنده قُوت يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها» [7].

 

عباد الله:

إذا تفَيَّأ المجتمعُ ظلال الأمْنِ والأمان، وجَدَ لذَّة العبادة، وذاق طعْمَ الطاعة، فعمرت المساجد، وأُقيمَت الصلوات، وحُفِظَت الأعراض، وانْتَشَر الخيرُ.

 

وإذا ضعف الأمْنُ واختَلَّ، تبَدَّلَ الحال، ولَمْ يهنأ أحدٌ براحة بال، فتختل المعايِشُ، وتُهْجَر الديار، وتُفارَق الأوطان، فتُقْتَل أنفس بريئة، ويُيَتَّم أطفال، وتُرَمَّلُ نساء، ولن يدركَ ذلك إلا مَن ذاق وَيْلات الحروب، واصطلى بِنِيرانِها.

 

أيها المسلمون:

لقد أنْعَم الله على كثيرٍ من الأُمَم بنِعْمَة الأمن، لكنهم لما كَفَرُوا بنعمة الله، وأعْرَضُوا عن شرع الله؛ عاقَبَهُم الله، فبَدَّلَ أمنهم خوفًا، فلا تسلْ عما يحلُّ بهم بعد ذلك؛ يقول سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [8].

 

عباد الله:

إنَّ دوام النِّعَم وشُكْرها مقترنان؛ فكُفْرُ النِّعمة يعرضها للزوَال، وشُكرها يطيل أمَد البقاء، فالذنوبُ مُزِيلَةٌ للنِّعَم، وبها تحل النِّقَم؛ قال سبحانه:  {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [9].

 

ألا وإنَّ منَ الخطأ - عباد الله - قصر مفهوم الأمن على نطاق ضَيِّقٍ، يَتَمَثَّل في مُجَرَّد حماية المجتمع من السَّرِقة، أو النَّهْب، أو القتل، وما شابه ذلك؛ فمفهومُ الأمن أعَمُّ مِنْ ذلكم وأجَلُّ؛ حيث يشمَلُ التمَسُّك بعقيدة التوحيد، والبُعْد عن الشِّرْك وموالاة الأعداء، ومحارَبة مَن يسْعَون إلى تنْحِيَة شرْع الباري - جلَّ شأنُه - عن واقع الحياة، أو مُزاحمة شرْع الله بشَرْع غَيْرِه؛  {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [10].

 

أيها المسلمون:

إنَّ أمن العُقُول لا يقل أهمية عن أمْنِ الأرواح والأموال، فكما أنَّ للأرواح والأموال لصوصًا؛ فإنَّ للعقول لصوصًا كذلك، ولصوصُ العقول أشَدُّ خطرًا، وأنكى جُرحًا، من سائر اللصوص.

 

عباد الله:

إنَّ الاختلال الأمْني المتَمَثِّل في كثْرة القتل، وإزهاق الأنْفُس البريئة، من غير برهان - لَهُوَ من علامات آخر الزمان المنذرة بِدُنُوِّ الساعة، التي لا يعلمها إلا الله؛ ففي الصحيحَيْن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتقارَبُ الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتَن، ويكثر الهرْج» قالوا: يا رسول الله، وما الهرْج؟ قال: «القتْل، القتْل» [11].

 

أيها المسلمون:

إنَّ حفظَ الأمن واستمراره في بلاد الحرمين آكَد من سائر البلدان، فعلى مكة نزَلَ الوحي، وبين لابتي طابة شعَّ النور في الآفاق، وفي بلاد الحرمَيْن بيتُ الله قائم، ومسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم - عامر.

 

ولأجل الأمن - أيها المسلمون:

الذي تَنْعَمُ به بلاد الحرمَيْن ببركة دعاء إبراهيم - عليه السلام - في قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [12]، لأجل هذا الأمن والأمان الذي تنعم به بلاد الحرمين شرَّق الأعداء، فراحوا يُدَبِّرُون الخطَط والمؤامَرات؛ للإفساد في الأرض، وترْويع الآمنين، ومَن كان في قلبِه إيمانٌ صحيحٌ فلا يُمكن أن يَتعاوَنَ على أهل الإسلام وبلاد الإسلام.

 

ألا فانهلوا - عباد الله:

من منبع الكتاب والسنة، من غير تحريف ولا تأويل لنُصُوصهما، واثبتوا في الكرْب عند ورثة الأنبياء، واستنيروا بآرائهم؛ فهي سدادٌ في الرأي، وتوفيق للصواب، ودَرْءٌ للفساد.

 

عباد الله:

صلُّوا على مَن أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه.

 


[1] [القصص: 57].

[2] [العنكبوت: 67].

[3] [الأنفال: 26].

[4] [إبراهيم: 35].

[5] [البقرة: 126].

[6] أخرجه التِّرمذي.

[7] أخرجه التِّرمذي.

[8] [النحل: 112].

[9] [الأنفال: 53].

[10] [آل عمران: 83].

[11] أخرجه الشيخان.

[12] [البقرة: 126].

_________________________________________

الكاتب: الشيخ أحمد الفقيهي