الإسلام محرر الشعوب

منذ 2021-11-22

تم إلغاء الخلافة، واستعمار العالم العربي، وتقسيم البلاد وسلب فلسطين، وإشعال المنطقة بالحروب، وتم تدمير ثقافة هذه الأمة والسعي إلى تغيير مناهجها التعليمية..هل نجح الاستعمار في استئصال شوكة الدين؟ هل نجح في جذب الشباب إلى اللهو والمخدرات والإباحية؟

لم يرحل الاستعمار عن بلاد العرب والمسلمين إلا وقد تكونت له تجربة ضخمة مع الشعوب التي استعمرها، وعرف نقاط الضعف ومواطن القوة لدى تلك الشعوب، وأدرك أن عدوه اللدود في العالم العربي هو الدين الحنيف، صحيح أن الدفاع عن الأوطان فطرة لدى كل الشعوب ولو لم يكن بعضها مسلماً، ولكن الدين يعطي ذلك الدفاع مسحة من قداسة، ولذلك نجد الذين أشعلوا حروب الاستقلال تحت أقدام الاستعمار في العالم العربي معظمهم من الشيوخ أو ممن تأثر بهم:

فعبد الكريم الخطابي في المغرب، والأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا والمهدي في السودان وغيرهم كانوا ينطلقون في جهادهم ضد الاستعمار الغاشم من منطلق ديني وطني، فالدين هو الذي أمد هؤلاء بالطاقة اللازمة للمواجهة، ولولاه لاستسلموا للأمر الواقع، ولكان شعارهم: {قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البقرة: 249].

 

وقد أدرك المستعمرون قوة الدين الحنيف، فأعلنوا الحرب عليه في صور عدة، منها ما يشكك بالدين، وينتهي التشكييك بالإلحاد، ومنها ما يقلل من أهمية الدين، ومنها ما يعزل الدين عن الحياة، ويختصره بالأركان الخمسة، ويحصره في نطاق المسجد، ومنها ما يتهمه بالعنف والإرهاب، وقد استعمل الاستعمار أسلحته وخبراته وكل وسائل الترغيب والترهيب التي يملكها ليجتث دين الله من جذوره، ويقطع شوكته، ففي خطوة أولى تم إلغاء الخلافة العثمانية، وفي خطوة ثانية تم استعمار العالم العربي، وفي ثالثة تم تقسيم البلاد وسلب فلسطين من أصحابها الأصليين وقيام دولة إسرائيل، وفي خطوة رابعة تم إشعال المنطقة بالحروب بين الجيران والإخوان في الدم والنسب، وفي خامسة تم تدمير ثقافة هذه الأمة والسعي إلى تغيير مناهجها التعليمية، وهنالك كثير من الخطوات القادمة لم تأت بعد، فهل نجح الاستعمار في استئصال شوكة الدين؟ هل نجح في جذب الشباب إلى اللهو والمخدرات والإباحية؟

 

لقد ذهل الاستعمار وهو يحشد طاقاته، ويجند أعوانه، ويسرع الخطى من أجل مسخ هذه الأمة واستعبادها، ذهل وهو يرى نبتاً جديداً من شباب الإسلام، وقد استوى على سوقه، يعجب الزراع، ويغيظ الكفار، هذا النبت يمتد في كل مكان من العالم، ويتخذ من المعرفة سلاحاً ومن الإيمان درعاً، وهو يسعى لتحرير أمته من براثن الذل والهوان، فهذه فتاة تتحدى السفور بحجابها، وتلك فنانة تعود إلى الله وهي تكفكف دموع التوبة، وذاك شاب يتضرع إلى الله في خلوته، وتلك أم تدفع ابنها للشهادة ذودا عن المقدسات، وهكذا يستمر الخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فهي أمة الخير والنصر، وأمة العلم والفكر، وأمة الصبر والشهداء، الشهداء الذين يعدون بآلاف الآلاف منذ فجر الإسلام حتى الساعة، الشهداء الذين سقوا كل شبر من أرض هذه الأمة من دمائهم فسقاهم ربهم شراباً طهوراً في الجنة.

 

لقد كانت صدمة كبيرة للاستعمار، وهنا تثور ثائرته، ويعيد النظر في خططه كلها، ويقرر سحق هذه الصحوة المباركة، ويسخر كل إمكاناته لذلك، ويصرح بذلك سراً وعلناً، فعلى سبيل المثال قالت مجلة بديعوت أحرنوت في أحد مقالاتها: (نخشى أن تستغل الجماعات الإسلامية المعروفة بعدائها لإسرائيل هذه الفرص لتحرك المشاعر الإسلامية ضدنا، وإذا فشلنا في إقناع أصدقائنا بتوجيه ضربة قاسية إليها في الوقت المناسب، فإن على إسرائيل أن تواجه حينذاك عدواً حقيقياً لا وهمياً، وهو عدو حرصنا على أن يبقى بعيداً عن المعركة، وستجد إسرائيل نفسها في وضع حرج إذا نجح المتعصبون المسلمون في تحويل المعركة إلى دعوة حرب جهادية، فيما مضى نجحنا بجهودنا وبجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة، ولهذا فيجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع يقظة الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف في إخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية) [1].

 

وذكرت مجلة المستقبل أن مؤتمراً غربياً رسمياً عقد في بروكسل (لمناقشة المد الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط، وإمكانات انعكاس هذا المد على الأوضاع القائمة حالياً في هذه المنطقة) [2].

 

(وشاركت فيه وفود رسمية تمثل دول السوق الأوروبية المشتركة، وضمت هذه الوفود خبراء بارزين في شئون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وقد أحيط مضمون هذا المؤتمر بالتكتم ولم ينشر أي شيء مما جرى فيه أو حتى عن انعقاده) [3].

 

إن الإسلام دين عالمي، وهو يدعو إلى المحبة والتعاون بين الناس، ولا يشكل خطراً على أحد، وإنما هو دعوة لنهضة الإنسان وتحريره، إنه الشمس المضيئة لهذا العالم، فمن يقدر على الذهاب بضيائها، وإنكار فضلها، وهي إن غابت في مكان أشرقت في آخر، ولكن أعداءه يفترون عليه، ويؤلبون الحشود ضده، وتلك هي سياسة إسرائيل والاستعمار من ورائها، فهم يبحثون عن أصدقاء لهم لقمع انتفاضة شعب في وجه الاحتلال من أجل مصالحهم الشخصية فقط، وقد ينجح الاحتلال في استلاب فلسطين مدة أطول من المتوقع بسبب قوة نفوذه وكثرة المتحالفين معه، ولكن لا بد في يوم ما أن تعود فلسطين إلى أصحابها، طالما بقي هنالك مسلم واحد على وجه الأرض يقرأ قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

 

وكما حرر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي من الصليبيين، فإن هنالك في ضمير الغيب من سيعيد تحرير فلسطين مرة أخرى، قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].

 


[1] انظر كتاب أمريكا كما رأيتها، مختار خليل مسلاتي، ص (356)، مكتبة المعلا، الكويت، الطبعة الأولى، 1986م، نقلا عن:

Newsweek, march7, 1983, page 16-25.

[2] المستقبل، العدد 564، السبت 12 ك1 1987م، ص (20-12).

[3] المستقبل، العدد 564، السبت 12 ك1 1987م، ص (20-12).