وقفات مع قضايا المرأة المعاصرة - (4) التمييز بين الرجال والنساء

منذ 2021-11-30

يعرف التمييز –بين الرجال والنساء- في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بأنه: "أي تفرقة،، أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية.

يعرف التمييز –بين الرجال والنساء- في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو[1]) بأنه: "أي تفرقة، أو استبعاد، أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين، أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين، أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل"[2]. ثم فصلت الاتفاقية في كيفية التسوية بين الجنسين في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والصحية. والملاحظ أن هذه الاتفاقية خالفت الشرع في أمور عدة منها[3]:

الاتفاقية قائمة على المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والقانونية وغيرها. وهذا مبدأ تأباه الشريعة، وترفضه الفطرة السليمة، لأن الله تعالى يقول:{وليس الذكر كالأنثى}، [آل عمران:36]. والمساواة بين المختلفين في مواضع الاختلاف ظلم لأحد الطرفين، والتمييز الإيجابي بين الرجل والمرأة الذي ينتهجه الإسلام يحفظ حقوق الأفراد، ويراعي مصلحة المجتمع.

الاتفاقية تجللها روح الرأسمالية التي لا تنظر إلا إلى الفرد، ولا تعبأ إلا بحاجاته المادية، وذلك واضح في اعتبار المرأة كياناً مستقلاً، لا ركناً في الأسرة ولبنة في المجتمع.

الاتفاقية تطالب بـ"تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة"[4].

وليس المقصود بالأدوار النمطية انصراف المرأة لرعاية الأبناء وتفرغ الرجل لكسب المعاش وحسب، بل فيه دعوة مبطنة لرفع الحرج عن الشذاذ والشاذات، واعتبار ذلك الفجور نوع من أنواع الزواج المعترف به قانونياً على الأقل.

تدعو الاتفاقية للمساواة التامة بين الرجل والمرأة في التمثيل الحكومي الدولي، والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية.[5] وكما هو معلوم فتمثيل الحكومات نوع من الولاية العامة التي خص بها الرجل في الإسلام.

تدعو الاتفاقية للتساوي في المناهج الدراسية، وفى الامتحانات، وفى نوعية المرافق والمعدات الدراسية، ولتشجيع التعليم المختلط[6]، وقد أثبت العلم الحديث أن الفروقات بين الجنسين، ليست مجرد فروق عضوية بل هي أبعد من ذلك بكثير. فاختلاف الجنسين يؤثر في تركيب العقول وآلية عملها، وذلك ينعكس بطبيعة الحال على طريقة التعلم والتفكير ونوعية الخطاب المناسب لكل جنس في مراحله العمرية المختلفة([7]) .

بالإضافة إلى أن الاختلاط بين الرجال والنساء آفة وبلية حذر منها الشرع المطهر وحرص السابقون الأولون إلى الإسلام -رضوان الله عليهم- على التحرز منها.

فكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أعلم نساء هذه الأمة تتحرج من ذلك في أطهر البقاع، ففي البخاري: "قال ابن جريج أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال! قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن. كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة[8]   من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت.."[9].

هذا كما أن مخالفات الاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية([10]) ظاهرة المخالفة.

والخلاصة: هي أن الاتفاقية تدعو لرفض كافة أنواع التمييز، بينما التمييز بين المرأة والرجل في الإسلام نوعان:
تمييز بينهما فيما استويا فيه كعموم العبادات من حيث الجملة، وكالجزاء والثواب على العمل، وكجواز التصرف في ملكها ونحو ذلك، فهذا تمييز يمقته الإسلام ولا يرضاه، وهو من جملة الظلم الذي جاء الإسلام برفعه.

وتمييز بينهما فيما لا يستويان فيه، كإلزام المرأة بالإنفاق على نفسها، والقوامة، والحجاب، وغيرها مما أملته طبيعتها التي جبلت عليها، وهو مقتضى العدل ولذا جاء الإسلام به.

وبهذا كان الإسلام وسطاً بين الجاهلية القديمة الداعية لسلب المرأة حقوقها، والجاهلية الحديثة المبتذلة للمرأة والمتذرعة بإناطة أعباء الرجال بها.

هذا ولا يخفى أن في الاتفاقية مخالفة للشريعة في غير ما ذكر، وإنما اقتصرت هنا على الأظهر الذي يخص المرأة.
 
ـــــــــــــــــــــ
[1] سيداوCEADAW مأخوذة من تجميع الحروف الأولى لـConvention on Elimination of All forms of Discrimination Against Women 
[2] الجزء الأول، المادة (1). 
[3] ينظر كتاب الأستاذة عواطف عبدالماجد، رؤية تأصيلية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وللأستاذ محمد إبراهيم محمد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعيار الفقهي.
[4] سيداو: الجزء الأول، المادة (5).
[5] سيداو: الجزء الثاني، المادة الثامنة. 
[6] سيداو: الجزء الثالث، المادة العاشرة.
[7] وفي ذلك عدة دراسات وبحوث، يجد الباحث في موقع منظمة NASSPE   بعضها ورابط موقعهم.
[8] ممتنعة عن مخالطتهم، ناحية بعيدة عنهم.
[9] صحيح البخاري 2/585 وغيره.
[10] سيداو الجزء الثالث المادة العاشرة والثالثة عشر. 
المقال السابق
(3) هل تدفع المساواة المطلقة مع الرجل الظلم عن المرأة (2)