هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ...
قال عبدالعزيز بن أبي داود: «ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان المرض، وكتمان الصدقة».
بقلم/ فاطمة الأمير
تمر بنا تلك اللحظات القاسية التي نشعر أنها لن تنتهي، وأن تلك هي نهاية العالم وأن الحياة باتت مستحيلة، لذلك نحتاج دائمًا إلى تلك الثقة التي تمتد جذورها، لنصبح أقوياءَ لا تستطيع رياح الهموم والأحزان أن تهزمنا، نحتاج إلى رسائل التفاؤل ورياحين الأمل، لنعبر بسلام حاجز اليأس الذي يصنعه الشيطان بداخلنا.
نعلم جيدًا أن الدنيا بها الأفراح والأتراح، لا تسير على وتيرة واحدة، ولكي نعبرها بسلام لا بد من تلك الثقة التي تجعلنا نبتسم برضا، ولكن يا تُرى عن أي ثقة أتحدَّث؟ إنها الثقة الربانية التي ما أن تستقر في القلب تراه راضيًا مطمئنًّا، إنها الثقة بالله والرضوخ لأوامره وعطاياه، إنها الثقة التي مهما عصفت بك أمواج الابتلاءات، فأنت تعلم بداخل نفسك أنها عطايا خير ورحمة، مهما بدت الدنيا قاسية ومؤلمة، فهناك ذاك الضوء بداخلك يحدثك أن كل ما يحدث لك هو خير عظيم.
مهما ضاق بك الحال، فهناك تلك البشرى التي ستأتي لتقول لك لا تحزن وتهون المصيبة، ويسهل المصاب بتذكُّر الأجور العظيمة التي ينالها مَن صبرَ واحتسبَ، يقول الله سبحانه جل وعلا: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 155 - 157].
بعض الابتلاءات تكون أمراضًا موجعة ومؤلمة، وتظن أنْ لا سبيل لها، ولكن بالرضا والثقة تهون وتمضي بعض الابتلاءات تكون فقرًا وجوعًا ودينًا، ولكن بالثقة ستكون أغنى الناس.
بعض الابتلاءات تكون عدم الإنجاب، ولكن بالثقة والدعاء إن أراد الله ستتحقق أمنيتك وتجاب دعواتك، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، قد تتوالى المحن عليك المحنة تلو المحنة، تشعر وكأن الدنيا ضاقت عليك وأظلمت، ولكن لو تعلم بداخل نفسك أن الذي خلقك قادر على إزالة كل هم ومرض وفقر، قادر على أن يبدل حالك في أقل من طرفة عين، ما ابتعدت عنه ولو ثوانيَ، ولذلك نحتاج إلى شراع قوي يواجه أمواج الابتلاءات، نحتاج إلى رسائل ربانية نسير على دربها بكل طمأنينة وثقة، ثابتين بكل قوة، تغمرنا نسمات الرضا والثقة بالله، إليكم تلك الآية التي إن صادفتني صفعات وآلام وابتلاءات الحياة، أسرعت إلى مصحفي أفتحه وأقرأها، وأرتوي منها، وكأنها الدواء لكل ما في قلبي {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم: 9]، يقول لك: هرول إليَّ وحدي، وسأجيب دعاءك مهما كان تحقيقه في نظرك مستحيلًا.
مصابك الذي يؤلمك وحزنك الذي تدمع منه عيناك، وكدرك الذي يغشى صدرك - هو عليه هين، إليك يا من شكوت ظلم وجبروت وسطوة نفوذ البشر، إليك يا مَن ظلمَك وجفاك الأهل، إليك يا مَن تألَّمت برحيل وفقْد الأحباب، إليك يا من تكالبت عليك الدنيا وأظلمت عليك الدروب، إليك يا من تتألم من الأسقام وتصرُخ في صمت من شدة الأوجاع، إليك يا من يئست في لحظة ضَعف، وخارت قواك تبكي وتئن وتشكي، إليك يا من عصيت وأذنبت وابتعدت وتهاونت وفرَّطت في عباداتك إليك يا من ترجو التوبة، كل هذا وأكثر هو عليه هيِّن، إنها الآية التي تجتمع فيها كل معاني الطمأنينة والثقة، والرجاء وحسن الظن واليقين بالله، لقد استجاب الله سبحانه وتعالى لسيدنا زكريا وأعطاه سيدنا يحيى وهو الذي شاب شعره وانحنى ظهره وكبر عمره، وفوق كل ذلك كانت امرأته عاقر، وكأن كل شيء يقول له: يستحيل أن يكون لك ولد، كل المعطيات تقول له لا لن يحدث، ولكن لمن رفع يداه يناجي؟ إنه الله القادر على كل شيء، هو عليه هين، لكنه لم ييئَس ورفع يده ينادي ربه، لقد علم أن لن يجيب دعاءه غير خالقه، { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم5/ 6]، فتأتي البشارة: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم/ 7]، فيتعجب من سرعة الاستجابة وينادي ربه، ويسرد مبررات تمنع الإنجاب، {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم/ 8]، فجاء الجواب: { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: ٩]، يتعجب وهو الذي ناجى ربه، ورغم ذلك بداخله يقين تام أن الله سيستجيب له.
ما أجمل الدعاء! وما أعظم الثقة واليقين بالله حين تلجأ إليه بكل صدق، فتكون الجائزة من أجمل وأعظم ما يكون! إن الله إذا أعطى أدهش عبده الصادق بعطاياه الكريمة.
وأنتِ يا أختي في الله، يا من عجز الأطباء عن تحقيق حلمك في الإنجاب، هل هرولتِ إلى ربك سائلةً بصدق تطلبين منه الولد الصالح والابنة العفيفة التقية، أقول لك كما قيل لسيدنا زكريا عليه السلام: {قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: ٩]، ستتحقق أحلامك يومًا ما، أقول لك: ( ألا تحزني ) سيستجيب دعاءك؛ لأنه ربي أثق به مهما حل بي، هو ربي وخالقي ومنقذي.
وأنت يا أخي في الله، يا من حلت عليه الأمراض والأوجاع، يا من أثقلت الهموم كاهله ﴿ لا تحزن ﴾ فالله معك، إذًا لا تثقل كاهلك بسراب الأحزان، أنت الآن في أمان وحفظ الله،
ولكن اجتهد في الدعاء، قم الليل واغتنم ساعات الإجابة، وسيقول لك: هو عليَّ هيِّنٌ،
وأنت يا من أثقلت المعاصي قلبه، وتاهت روحه، هروِل إليه وبادِر بتوبتك، فهو عليه هين، فسيغفر ذنبك كله كأنه لم يكن، سأهمس لكم سرًّا: إنها من أحب الآيات إلى نفسي وأشدها قربًا لقلبي، والله كلما أصابتني سهام الدنيا وتثاقلت الأمور على نفسي، رفعت يدي بها ورددتها في صدق ويقين أنه سيستجيب، وأن الوعد سيكون، إلا وأعطاني الله فوق ما دعوت وطلبت، إلا وأذاقني ربي حلاوة الجبر أنهارًا؛ لأنه الله سيدهشك بعطاياه....
أعلم أن المستحيل في عينك سيصغر أمام تلك الآية العظيمة، لذلك رددها ليلًا ونهارًا، لا تمل ولا تكل منها
كن على ثقة أن الله وحده قادر على إنهاء آلامك، كن على ثقة قبل أن تهبط يداك أن الله استجاب دعواتك جميعها تلك هي الثقة بالله، كن على ثقة أنه لن يتركك وأنت في قمة ضعفك وقلة حيلتك، ولكن عليك أيضًا بالرضا، فإذا نزل البلاء فلا تجزع، وكن راضيًا بكل أقداره.
تبسَّم بالرضا واجعل جميع جوارحك تنطلق بالحمد والتسبيح، وكأنه ليس بك كرب أو بلاء أو داء.
ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده، قال: قال إبراهيم بن داود: قال بعض الحكماء: إن لله عبادًا يستقبلون المصائب بالبشر، قال: فقال: أولئك الذين صفت من الدنيا قلوبهم، ثم قال: قال وهب بن منبه: وجدت في زبور داود: يقول الله تعالى: «يا داود، هل تدري من أسرع الناس ممرًّا على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكري».
قال عبدالعزيز بن أبي داود: «ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المصيبة، وكتمان المرض، وكتمان الصدقة».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
لذلك عليك بالدعاء وأنت راضٍ بكل عطاياه، خضْ بها معارك الحياة، اهتف بها لقلبك ولا تطل التفكير، ولا تسأل عن التدبير فهو عليه هيِّن.
فاطمة الأمير
كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.
- التصنيف: