نزول القرآن الكريم وإعجازه باللسان العربي
ولماذا لم ينزل القرآن بلسان أعجمي ؟ لماذا لم تكن لغة القرآن فارسية أو رومية ؟
أيها الإخوة الكرام: ورد في كتاب الله تعالى بيان أن اللسان نعمة ﴿ {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } ﴾
ثم ورد في كتاب الله تعالى بيان آخر يتكلم أن اختلاف ألسنة الناس من لغة إلى لغة ومن لهجة إلى لهجة أخرى دليل على طلاقة قدرة الخالق العظيم البديع سبحانه وتعالى ﴿ {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ } ﴾
كلنا بنو آدم منا الأبيض ومنا الأسود ومنا الأحمر ومنا بين ذلك، منا العربي، ومنا الفارسي، ومنا الحبشي، ومنا الرومي تختلف ألسنتنا ولهجاتنا كما تختلف صورنا وألواننا ..
هذا الاختلاف آية دالة على قدرة مقتدرة للخالق العظيم سبحانه وتعالى ﴿ {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ } ﴾
قلت: يوجد في العالم اليوم ستة آلاف لغة ( عربية وعبرية وأرمية وكنعانية وفارسية وأسبانية وفرنسية وأمريكية وروسية .. )
ستة آلاف لسان يتكلم بكلمات لا يشبه بعضها بعضاً.. آية من آيات الله تعالى..﴿ {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّلْعَٰلِمِينَ } ﴾
ومن بين كل اللغات اختار الحكيم العليم سبحانه وتعالى اللسان العربي فأنزل به القرآن على قلب النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ {وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } ﴾
والسؤال يقول:
ولماذا لم ينزل القرآن بلسان أعجمي ؟ لماذا لم تكن لغة القرآن فارسية أو رومية ؟
والجواب : أن القرآن نزل بلسان عربي لأن العربية هي لغة نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم وقد بعث أول ما بعث إلى العرب وقومه يتكلمون العربية والله تعالي يقول ﴿ {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ } ﴾
وفي صحيح الجامع من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ علَى حَرْفٍ، فَلَمْ أزَلْ أسْتَزِيدُهُ حتَّى انْتَهَى إلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ.
وفي الصحيح أيضاً لكن من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ» ".
وقد يكون سبب نزول القرآن باللسان العربي :
أن لغة العرب هي أقدم وأعرق وأقوى وأغنى وأدق وأوسع وأفصح لغة على وجه الأرض ولا يفهم القرآن إلا باللسان العربي
ولله دره مجاهد بن جبر يقول (لا يَحِلُّ لأحدٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ يتكلمَ في كتابِ اللهِ، إذا لم يكنْ عالماً بلغاتِ العربِ)
وقال أبوالدرداء رضي الله عنه: ( {تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ } )
أغنى لغة في العالم هي اللغة الإنجليزية يبلغ عدد كلماتها (ستمائة ألف كلمة ) لا تتفوق عليها في عدد الكلمات الأسبانية ولا الفرنسية ما يتغلب عليها إلا لغة العرب والتي يبلغ عدد كلماتها ( اثنتي عشرة مليون كلمة وثلاثمائة ألف كلمة ) ثم إن عدد حروف اللسان العربي بين لغات العالم هو الأكثر (ثمانية وعشرون حرفاً) ..
في بيان واضح العنوان أن اللسان العربي هو الأغنى والأقوى والأعرق والأفصح بين لغات العالم ومن أجل ذلك نزل به القرآن على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم..
﴿ {نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } ﴾
أسس القرآن الكريم مع اللسان العربي نظما فريدا :
في كل آية منه، فكل آية تحمل إعجازا، بل في كل كلمة منه فكل كلمة منه تحمل إعجازا ، بل في كل حرف منه فكل حرف منه يحمل إعجازا..
﴿ {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } ﴾
أرأيتم قول الله عزّ وجل على لسان زكريا عليه السلام ﴿ {قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا } ﴾
هذه الآية من كلام زكريا عليه السلام ﴿ { قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا } ﴾ الاشتعال وصف النار ولا يكون الاشتعال في الرؤوس لكن وردت الآية تقول ﴿ {وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْبًا } ﴾
في بيان كثرة شيب الرأس وسرعة انتشاره كسرعة انتشار النار في الهشيم ، فكما أن النار إذا اشتعلت لا تتدارك كذلك اشتعلت رأس زكريا شيبا لا يتدارك ..
لتأتي الآية بهذا السياق فترسم صورة بينت المعنى المراد للأعين والآذان .. ليكون اللسان العربي خادما لإعجاز القرآن الكريم ويكون القرآن حافظا للسان العربي من الفناء ..
أرأيتم قول الله تعالى ﴿ {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ } ﴾
هذه الآية وردت في وصف العلاقة الطيبة بين الزوجين ﴿ {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ } ﴾ جاءت الآية تصف الزوج بأنه لباس لزوجته وتصف المرأة بأنها لباس لزوجها..
وجاء الوصف بلفظ اللباس ليعطي دلالة لا يمكن أن يعطيها لفظ آخر فالرجل لباس لزوجته فهو أقرب الناس إليها هو لباسها يعني يسترها يعني يحميها من نوائب الزمان كما اللباس يستر صاحبه ويحميه من حر الصيف ومن برد الشتاء ..
وكذلك المرأة لباس زوجها هي لباسه تستره ولا تفضحه وتحميه من نوائب الزمان كما اللباس يستر صاحبه ويحميه من حر الصيف ومن برد الشتاء .. لهذا جائت الآية بهذه السياق ﴿ {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ } ﴾
ليكون اللسان العربي خادما لإعجاز القرآن الكريم وليكون القرآن حافظا للسان العربي من الزوال ..
أرأيتم قول الله تعالى في حق النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ﴿ { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} ﴾
ما قال الله تعالى وإنك لصاحب خلق عظيم.. وإنما قال ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ استعمل القرآن لفظ (على) ليعطي دلالة هي الأوسع والأرقي والأعلى ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى سلم الأخلاق حتى علاها كلها وصارت الأخلاق مذللة له فكل خلق حميد وكل صفة كريمة أساسها أخلاقه عليه الصلاة والسلام..
وبهذا خدمت اللغة العربية القرآن الكريم بكل حرف منها وبكل كلمة منها وبكل آية فيها، فلا يفهم القرآن إلا بلسان العرب ، والقرآن الكريم خلد اللسان العربي فبينما تنقرض لغات العالم كل أسبوع أو كل خمسة أيام تنقرض لغة تبقى العربية محفوظة وباقية ببقاء القرآن الكريم..
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ }
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن اللسان العربي كخادم للقرآن الكريم أن نقول :
إن اللسان العربي قد نال شرفا لا يبارى أن نزل به القرآن على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ..
إن اللسان العربي قد نال ضماناً أن يبقى ما بقي القرآن فلا ينقرض اللسان العربي ولا يزال لأن القرآن لن يزول .. فسبحان من هذا كلامه ..
عمد رجل يقال له ابن المقفع .. عمد إلى كلام فصيح فنظمه وإلى كلام بليغ فسطره فجعله في كتاب ثم سماه سورا وزعم كذبا أنه يساوي في البلاغة والفصاحة والبيان القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد ..
مر ابن المقفع هذا بصبي من المسلمين يقرأ على شيخه من القرآن آية { وَقِيلَ يَٰٓأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }
ما أن وصلت الكلمات إلى مسامعه حتى نكس على رأسه فرجع إلى بيته فأخرج كتابه ثم عمد إلى كلماته فمحاها وعمد إلى أوراقه فمزقها وهو يقول عن القرآن: هذا كلام لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله {وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِين بلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ }
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا بالقرآن وأن يرحمنا بالقرآن وأن يزيننا بزينة القرآن وأن يجعله لنا في القبر أنيسا ويوم القيامة شفيعا إنه ولي ذلك والقادر عليه..
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: