من صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)
تكلم الله سبحانه وتعالى عن عباده المؤمنين في كتابه العزيز كثيراً ووصفهم في الآيات البينات وصفاً دقيقاً جميلاً..
أيها الإخوة الكرام : خلال حديث القرآن الكريم عن المؤمنين قال رب العالمين سبحانه { (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ, الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)}
تكلم الله سبحانه وتعالى عن عباده المؤمنين في كتابه العزيز كثيراً ووصفهم في الآيات البينات وصفاً دقيقاً جميلاً..
لكنّا ننتقي من بين صفات المؤمنين صفةً ومن بين خصال المؤمنين خصلةً واحدة وهي المشار إليها بقول الله تعالى {(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)}
ورد أن الله تعالى لما خلق الجنة خلقها " لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ" ثم قيل للجنة تكلمي فقالت (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: طُوبَى لَكِ، مَنْزِلَ الْمُلُوكِ! "
وورد أيضاً أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قال: « كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الوحيُ، يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كدَوِيّ النَّحْلِ فَمَكثنا سَاعَةً، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ، زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وآثِرْنا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَارْضَ عَنَّا وأرضِنا"، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلِيَّ عَشْرُ آيَاتٍ، مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ, الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ, أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ, الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } » «» أحسب والله أعلم أن أبرز صفات المؤمنين وأدق ما يميزهم أنهم ( لفروجهم حافظون ) وكأن الفروج أمانة أُمر الناس بحفظها..
والفرج هو كل سوءة مغلظة من الآدمي رجلاً كان أو امرأة , هذه السوءة المغلظة كشفها أو التقاؤها مع سوءة أخرى في غير الحلال (كبيرة من الكبائر, وانتكاس في الفطرة, وخروج عن الإيمان, وانصداع لعدالة الإنسان)
قال النبي عليه الصلاة والسلام ««لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» »
وصف الله المؤمنين فقال { (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) } يحفظونها من نظر الناس إليها ذلك أن الله تعالى أمر بستر العورات وأمر بغض البصر من الرجال ومن النساء على حد سواء قال النبي عليه الصلاة والسلام ««لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ»»
{(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)} وقبل حفظ الفروج يحفظون الأسماع ويحفظون الأبصار {﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا۟ فُرُوجَهُمْ ۚ ﴾} وقال {﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾}
{(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)} يحفظونها من لقاء مريب حرّمه الله تعالى من فوق سبع سموات قال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ««أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن ..»
( {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ) يحفظونها من فعل قوم لوط , يحفظونها من الإنفلات الأخلاقي ورد أن كسوفا للشمس وقع أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله فصلى بالناس صلاة الكسوف ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
««إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنَ آيَاتِ اللهِ. لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلِكَ فَادْعُوا اللهَ. وَكَبِّرُوا، وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ، مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ. لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» »
ورد في شرح هذا الحديث أن في ذكر كبيرة الزنا عقب صلاة كسوف الشمس سر بديع لمن تأمله .. فظهور الزنا وانتشاره من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة ومن أمارات اقترابها قال ابن مسعود ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بهلاكها, قلت: وقد يكون الهلاك بالزلازل والحوادث والكوارث وقد يكون بالأمراض والأوجاع ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «(لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا)»
قال رب العالمين سبحانه وتعالى {(وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)} وقال {(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) } {(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) } {} قال المفسرون: عموم هذه الآية يدل على تحريم نكاح المتعة لأن المعقود عليها (تمتعاً ) ليست زوجة على الحقيقة مقصوداً بقائها..
واستدلوا أيضاً بهذه الآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) على حرمة الاستمناء باليد لأن الله تعالى قال {(فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)} قال عطاء سمعت أن قوماً يحشرون يوم القيامة وأيديهم حبالى , وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم..
{(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) }
هذه الآية وردت في حق الرجال فقط ولم ترد في النساء:
وقد أوَّلت امرأةٌ هذه الآية على غير وجهها فاتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا وأذنت له أن يأت منها ما يأت الرجل من المرأة وَقَالَتْ: تأَوّلْت آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وهذا من ملك اليمين
فأُتي بها عمر ابن الْخَطَّابِ فهم بحدها، فَقَالَ لَهُ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَأَوَّلَتْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
فَغرب عمرُ الْعَبْدَ وَجَزَّ رَأْسَهُ: وَقَالَ: للمرأة أَنْتِ بَعْدَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. قالوا وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا عمرُ عَلَى الرِّجَالِ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بالله تعالى أن نغتال من تحتنا..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن صفة المؤمنين والتي قال فيها رب العالمين {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }
بقي لنا أن نقول: إن الحلال بيّنٌ وإنّ الحرام بيّنٌ , إن الحلال ميسور وصاحبه مأجور في دنيا ودين قال النبي عليه الصلاة والسلام: «(وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ) » وفي حديث السَبْعَةٌ الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.. « وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ» )
أما عن الخوض في الحرام فقد يكون سهلا لكنه مشؤم وممقوت ومذموم وصاحبه مَذْءُومٌ مأزور {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا, يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}
المؤمن سليم الفطرة, ضميره حي, المؤمن تقي عفيف, المؤمن طاهر نظيف, المؤمن يراقب الله تعالى, المؤمن يخاف الله رب العالمين , المؤمن أمين لا يخون وإن عُرض عليه الحرام كفّ نفسه عنه وأبى {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يطهر قلوبنا من النفاق وأعيننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير .
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: