من محاسن الدين الإسلامي الحنيف رفع الحرج والتيسير والتخفيف
أن من محاسن هذا الدين الإسلامي الحنيف رفعُ الحرج والتيسير والتخفيف، فـإن دخول هذا الدين، من أراد أن يدخل في هذا الدين، يدخله بالشهادتين والتوحيد، ودون تعقيداتِ اليهودِ أو النصارى أو غيرِهم...
أن من محاسن هذا الدين الإسلامي الحنيف رفعُ الحرج والتيسير والتخفيف، فـإن دخول هذا الدين، من أراد أن يدخل في هذا الدين، يدخله بالشهادتين والتوحيد، ودون تعقيداتِ اليهودِ أو النصارى أو غيرِهم، عندما يدخلُ في دينهم فلا بد من طقوس معينة، إذا قال غيرُ المسلم: {أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله}، دخل في الإسلام.
وبالنطق بالشهادتين، عليه أحكام الإسلام بعد ذلك.
فبعد النطق بالشهادتين عليه الاغتسال والاختتان، ويستحب له ويستحسن حلقُ شعر رأسه وجسمه؛ أي: ما عليه من شعر، فقد كان الكفار فيطيلون شعور رؤوسهم، ولا يقصونه ولا يجزونه، وهذا ما ثبت عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَسْلَمْتُ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ لِي: «اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْر» ، «وَاخْتَتِنْ»؛ [الحديث بزوائده: (د) (356)، (ك) (6428)، (طص) (880)، (حم) (15432)، انظر: صَحِيح الْجَامِع: (858)، انظر الصَّحِيحَة: (2977)، الإرواء: (79)].
وهذه من اليسْرِ والسهولة؛ أن يدخل الإنسان في دين الله عز وجل، دون تعقيدات المذاهب الدينية الأخرى.
وعندما فرض الله سبحانه وتعالى علينا العبادات؛ كـالصلاة مثلًا، خفَّف في أدائها تخفيفًا عجيبًا، فليس كلُّ إنسان يستطيع أن يقوم بالصلاة على أكمل وجه، لذلك جاء التخفيف، فخفف في الطهارة، التي هي في الأصل أن تكون بالماء، فجعلها بالتيمم عند عدم القدرة على استخدام الماء؛ قال سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
بالتيمم أين الطهارة؟
إنما هو فيه أدبٌ مع الله، طهارة معنوية؛ أي: إنك مطيعٌ لله، فبالماء ما استطعت أن تستخدمه للطهارة، فتطيعه فيما أمرك بالتراب، تضرب الأرض بكفيك تمسح وجهك ويديك، وتدخل على الله في الصلاة، وتقول: الله أكبر.
وأباح المسح على الخفين والجوربين ونحوهما عند الحاجة؛ تيسيرًا على هذه الأمة، فعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ – يعني: اذهب فاسأل عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه - فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ؟ فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ؛ [(م) 85 - (276)].
فالمسح على الخفين خصوصًا في هذه الأيام التي يحتاجها الإنسان لشدة البرد على القدمين، فيلبس الخفين أو الجوربين على طهارة، ويمسح بعد أن يبدأ المسح؛ أي: من المسحة الأولى إلى مثلها في اليوم التالي، وجاء عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم شَكَوْا إِلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْبَرْدِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ؛ [(حم) (22383)، (د) (146)، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح].
و(العَصائب): واحدتها عِصابة، وهي كُلُّ مَا عَصَبْت ولففت بِهِ رَأسَك؛ مِنْ عِمَامَة أَوْ مِنْدِيل أو خِرْقة.
(والتساخين): كُلُّ مَا يُسَخَّن بِهِ الْقَدَم؛ مِنْ خُفٍّ وَجَوْرَب وَنَحْوهمَا، حتى تدفئ القدم.
فأمرهم أن يمسحوا على هذه، ولا داعي لرفع العمامة والعصابة، ولا داعي لخلع الجوربين ونحوهما في هذه الأيام.
وأباح المسح على اللفائفِ على العضو المريض، قد يمرض عضو من الإنسان ويحتاج إلى غسل، لا داعي للغسل، بل من فوق اللفائف يجوز المسح، وكذلك المسح على الجبيرة، على العضو المكسور، إنسان يجبر يده المكسورة ونحوها، يجوز المسح من فوقها، ولا داعي لخلعها، وهذا كله من تيسير الله على هذه الأمة؛ فعَنْ نَافِعٍ قَالَ: تَوَضَّأَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ، فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابِ، وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ؛ [(هق) (1019)، وصححه الألباني في تمام المنة: (ص: 134)].
تغسلُ الموجودَ المكشوفَ، أما المعصوبُ والملفوفُ لا تغسله، وإنما تمسح عليه فقط.
وفي السفر أباح الجمع والقصر في الصلاة؛ فـقد قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا}: أن تجعلوا الرباعية ركعتين، {مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101].
وأباح سبحانه وتعالى الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في المطر والريح والبرد ونحو ذلك؛ رفعًا للحرج عن هذه الأمة، فقد جَمَعَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ سَعِيد بْنُ جُبَيْرٍ؛ تلميذ ابن عباس: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ يعني: لماذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الصلوات؟ فماذا كان جواب ابن عباس رضي الله عنهما؟ قَالَ: أَرَادَ أَلَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ؛ [(م) 51 - (705)].
ورخَّص الجمع في الحضر لرفع الحرج والمشقة عن المصلين؛ أيضًا لوجود المطر أو الريح أو البرد؛ فـعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا – أي: ابنَ جبير - لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَلَّا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ؛ [(م) 50 - (705)]، فعند الحرج تزول المشقة وتأتي الرخصة.
والقيامُ في الصلاة ركنٌ من أركانها، فرفعه الله عز وجل عن غير القادر عليه؛ فـعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ - وتعلمون ما هي البواسير؟ تمنع الإنسان من الجلوس أو أن يجلس معتدلًا أو نحو ذلك - فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ؛ [(خ) (1117)].
وأمر صلى الله عليه وسلم الأئمةَ بالتخفيف في صلاة الجماعة على الناس؛ لأن فيهم الضعيفَ والكبيرَ والمريضَ وذا الحاجة؛ فقال صلى الله عليه وسلم معلمًا ومرشدًا من يؤم غيره: «... فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ»؛ [(م) 186 - (468)].
ووبَّخ صلى الله عليه وسلم من طوَّل بالناس؛ فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الـمَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الحَاجَةِ»؛ [(خ) (90)].
ورخَّص الشرع الحنيفُ في ترك الجماعة في المسجد، يا من اعتدت عليها في المساجد، فعند البردِ والريح والمطر صلِّ في بيتك؛ فـعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الـمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ؛ [(خ) (666)]، هذا التخفيف في الصلاة.
وأما الزكاة، فلم يفرضها الله عز وجل إلا على من ملك النصاب، والنصابُ في هذه الأيام: ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار أردني، فمن كان عنده مالٌ أقل من ذلك فلا زكاة فيه، ومن كان عنده هذا المبلغ أو أكثر، فعليه الزكاة إذا حال عليها الحول.
وأما في الصيام: عندما أمر بالصوم، رفعه عن غير القادر وغير المستطيع؛ قال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وفي الحج: لم يفرضه على كل أحدٍ، بل على المستطيع؛ فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
وأمر بالحجِّ، لكنه رخَّص في التحلُّل منه وترك الحج بعد أن دخل فيه عند الإحصار، وعدم القدرة على الإكمال والإتمام؛ فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].
وفي قراءة القرآن وتلاوته، قال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20].
وفي المعاملاتِ وقضاءِ الديونِ والأموال، قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].
وأمر بكتابة الديون والقروض والسُّلَف، وشدَّد في ذلك لكن استثنى حالةً فقال: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} [البقرة: 282].
وكانوا - أي: الصحابة رضي الله تعالى عنهم - يتحرجون من الأكل في بيوت أقاربهم وأرحامهم، فأزال الله عنهم هذا الحرج؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قال الله عز وجل:
{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]؛ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، فَهِمَ الصحابة أن الأكل من أموال الآخرين محرمة عليهم، لا يجوز الأكل منها؛ قال ابن عباس: فَكَانَ الرَّجُلُ يَحْرَجُ - أي: يصيبه الحرج - أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَنَسَخَ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي فِي النُّورِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ: {أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}، إِلَى قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] كَانَ الرَّجُلُ الْغَنِيُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ، قَالَ: إِنِّي لَأَجَّنَّحُ أَنْ آكُلَ مِنْهُ - وَالتَّجَنُّحُ: الْحَرَجُ؛ أي: يصيبني الحرج والإثم منه - وَيَقُولُ: الْمِسْكِينُ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي - هكذا كانوا فيما بينهم - فَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأُحِلَّ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ [(د) (3753)].
وعندما حرم الله عز وجل، وحَظَرَ الشهواتِ المحرمة؛ كالزنا، وحرم اتخاذ الخليلات، أباح للرجل الزواج من اثنتين أو ثلاث أو أربع من النساء، وهذا من تيسير الله عز وجل على هذه الأمة؛ فقال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
وقال في الخلافات الأسرية التي تقع بين الزوجين، مذكرًا الرجل وطليقته أن يتقوا الله؛ قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، وقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
وعندما تحرَّجوا من الزواجِ بزوجةِ الابن المتبنَّى؛ لأنهم كانوا يتبَنَّون أبناء غيرهم، يقول: هذا ابني، فيعامله معاملة الابن الصلبي، فإذا تزوج لا يتزوج ابنته، فجاء الإسلام بجواز ذلك؛ رفعًا للحرج عن هذه الأمة، وجعل نبيه صلى الله عليه وسلم يبدأ بهذا الأمر، عندما كان له ابنٌ متبنى وهو زيدُ بن حارثة رضي الله عنه، تبناه كما يتبنى أهل الجاهلية والعرب قبل ذلك، لكن جاء الأمر بتوضيح هذه المسألة فـقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37].
وحرم الربائبَ؛ يعني ابنة زوجتك حرام عليك، لكن هذه الزوجة إذا كان مدخولًا بها، أمَّا إذا كانت زوجة مكتوبًا ومعقودًا عليها قبل الدخول، وأعجبتك ابنتها، يجوز لك التراجع، وطلاق الأم، وأخذ البنت؛ فقال سبحانه: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23].
وأمر فرضًا بالمهور، لا يجوز لك أن تتزوج أي امرأةٍ إلا بمهر مسمى، يدفع لمن أراد الزواج بها، وأباح الزيادة على المهر عند التراضي، رفع الحرج إذا كان المهر متعارف عليه ألفي دينار أو ثلاثة، فإنسان دفع هذا المهر وزاد لأمها شيئًا، وأعطى أباها شيئًا غير المهر جائز إن شاء الله؛ كما قال سبحانه: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن فَرِيضَةً، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 24].
وفي عامة الأمور، وعند العسر والضيق والكرب، سيأتيك الله بالفرج، ويأتيك باليسر؛ فـقد قال سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6].
فالدين الإسلامي عامة لا حرجَ فيه ولا مشقة، فمن وجد شيئًا من المشقة أو الحرج في أي نوع من أنواع العبادة، فليسأل أهل الذكر عن ذلك حتى تُزال المشقة، ويُرفع عنه الحرج؛ قال سبحانه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].
لقد رَفَع الله الحرجَ عن أصحابِ الأعذار، وذوي الاحتياجات الخاصة؛ فقال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 17].
ورفعُ الحرج لا يعني تركَ العمل؛ فإنسان مصابٌ بأشياء معينة، أو كسور أو رضوض، لا بد أن يصلي، ما دام عقله معه، لكن رُفِعَ عنه القيامُ أو الركوع أو السجود، فرفع الحرج لا يعني ترك العمل، بل يعني أنْ ينتقلَ مما يشقُّ عليه إلى ما يَتَيَسَّرُ لَه.
هذا هو شرعُ الله، كلُّه يُسْرٌ وسهولة، والمشقةُ مرفوعةُ، والحرج موضوع؛ حقًّا كما قال الله سبحانه وتعالى عن صاحب هذه الشريعة صلى الله عليه وسلم الرسالة الخالدة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 128، 129].
فصلوا على الرحمة المهداة، والنعمةِ المسداة، محمدٍ رسولِ الله، مصطفاهُ ومجتباه، محمدِ بنِ عبدِالله؛ الذي صلى عليه الله فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
_____________________________________
الكاتب:الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
- التصنيف: