أعمال تضاعف الأعمار.
والجواب نعم .. العمر رغم أنه مكتوب ومحدود ونحن في بطون أمهاتنا إلا أن الله تعالى بفضله وكرمه أذن للعمر في أن يمتد ، أذن الله للعمر في أن يزداد، أذن الله له أن يتضاعف أضعافاً كثيرة ...
أيها الإخوة الكرام: ونحن في بطون أمهاتنا لنا فيها مائة وعشرين يوما يأمر الله عز وجل ملكا موكلا أن يهبط إلينا فينفخ فينا الروح ثم يؤمر فيكتب لنا أربع كلمات أرزاقنا أعمالنا آجالنا وسعداء سنكون أو أشقياء ..
من دلالات هذه الكلمات بيان أن الإنسان عمره علي ظهر الأرض حيا ( عمر محدود) له من السنوات كذا, له من الشهور كذا، له من الأيام والليالي كذا، له ساعات ، ودقائق ، وثوان ، وأنفاس ، لن يتعدها ..
{﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَٰمًا فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَٰمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَٰهُ خَلْقًا ءَاخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَٰلِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ }
والسؤال يقول:
هل يمكن لهذا العمر المكتوب أن يتزحزح؟
هل يمكن لهذا الأجل المعدود أن يتأخر؟
هل يمكن للإنسان أن يبق حيا بعد أن صار إلى دار التراب ؟
والجواب نعم .. العمر رغم أنه مكتوب ومحدود ونحن في بطون أمهاتنا إلا أن الله تعالى بفضله وكرمه أذن للعمر في أن يمتد ، أذن الله للعمر في أن يزداد، أذن الله له أن يتضاعف أضعافاً كثيرة ...
الدليل:
قول النبي عليه الصلاة والسلام « «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» »
وقال عليه الصلاة والسلام «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر»
وقال عليه الصلاة والسلام « إن صدقة المرء المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ويذهب الله عز وجل بها الفخر والكبر »
من دلالات هذا الأحاديث بيان أن العمر لا يحسب بعدد السنوات والأيام إنما يحسب العمر بالأعمال الصالحة التي وقعت فيه ( تقوى الله سبحانه وتعالى - صلة رحم - بر والدين - حسن جوار - مواساة الناس - آيات تتلى - علم ينتفع به .. )
كلما كان العمر ملآنا بصالح الأعمال صلاة وذكرا وشكرا كلما كان العمر طويلا ..وكلما كان العمر فقيراً من الأعمال الصالحة كلما كان العمر قصيرا..
الإنسان بفطرته يعشق الحياة يحب البقاء في الدنيا ويحب الخلود لو استطاع قال الله تعالى { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}
طول العمر نعمة من أجل النعم :
إذا استخدم في نصرة الحق وعمل الخير ، قال أعرابي يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام « خيركم من طال عمره وحسن عمله»
أقرب مثل يوضح هذا المعنى :
رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش النبي محمد عليه الصلاة والسلام بعد البعثة ثلاثة وعشرين عاماً فقط ، مدة لا تساوي في حساب الزمان شيئاً..
هذه السنوات رغم قلتها ( عددا ) إلا أنها كانت سنوات( طيبات مباركات) طاف خلالها الرسول بقبائل العرب وعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، وهاجر في تلك السنوات من مكة إلى المدينة، وغزا خلالها في سبيل الله، خرج بنفسه في ثلاثين غزوة، منها غزو فارس والروم ، وبعث في سبيل الله سبعين سرية ، وخلالها أيضاً صالح الرسول قريشا، وراسل ملوك العالم، وخاطب الأمراء واستقبل وفود العرب وجادل الكفار وأهل الكتاب ، وخلالها أيضاً أسلم على يديه أكثر من مائة وعشرين ألفاً ودخل الناس في دين الله أفواجاً ..
ثلاثا وعشرين عاماً فقط حج رسول الله خلالها مرة واعتمر خلالها أربع مرات، وعرض القرآن وراجعه وتدارسه فيها مع جبريل ثلاثا وعشرين عرضة ، وعلم الرسول فيها الناس ثلاثين جزءًا من القرآن ، كتابة وتلاوة ودراسة وتفسيرا وعلما وعملا وعلم الناس فيها ما لم يكونوا يعلمون حتى ملأ علمه الآفاق وسارت بأخباره الركبان ..
ثم إنه صلى الله عليه وسلم لقي ربه وانتهى أجله ومات .. مات ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن وإلى ما شاء الله لم يزل رسول الله بين الناس حيا ..
حيا بالقرآن والسنة ، حيا بأخلاقه التي تمم مكارمها ، لم يزل رسول الله قدوة ومعلما ومربيا رغم أنه لقي الله تعالى قبل ألف وأربعمائة من الأعوام قال الله جل في علاه﴿ {وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ۚ } ﴾
في إشارة إلى أن طول العمر لا يقاس بعدد أيامه وسنواته ، إنما يقاس العمر ببركاته وبصماته وخيراته ..
فالعمر يطول ويغتني ويبارك فيه بالعمل الصالح ، والعمر يقصر ويفتقر بقلة العمل الصالح قال النبي عليه الصلاة والسلام «(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)»
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك حياتنا وأن يبارك في أموالنا وأولادنا وذرياتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
أما بعد فقد بقي لنا في ختام الحديث المختصر عن الأعمال التي تضاعف الأعمار وتبارك بها الأوقات بقي لنا أن نقرأ هذه الآية {﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِىٓ إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾}
الأعمى يرى بأذنيه، ويسمع الأصم بعينيه، ويتكلم الأبكم بيديه، وكذلك الأيام لها ألسنا وكلمات، ولها دفاتر وأدوات، فانظر ما تحب أن تدونه لك أو عليك {(وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ )}
دلالة هذه الآية أن الحياة تنتهي بالموت وأن الناس يبعثون يوم القيامة من قبورهم للحساب على ما قدموا ( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار قال النبي عليه الصلاة والسلام «فاتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة »
{﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِىٓ إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ }
هذه الآية تقول لكل عاقل اترك لنفسك بعد الممات أثرا صالحا تذكر به سنة حسنة علمتها وعلمتها غيرك تبقى بها (حيا) وتبقى صحيفة عملك مفتوحة بها للأجر قال النبي عليه الصلاة والسلام «( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)»
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ويجعل الموت راحة من كل شر إنه ولي ذلك ومولاه..
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: