الحب الجنوني للساحرة، كرة القدم

منذ 2022-02-06

ثَقافة التَّخدير أم عبادة الهوى؟! عَجبًا! كيف يُصِر الإنسان على التِّيه والإغراق في ظلمات التَّخدير؛ زاعمًا أن ذلك مِن حبِّ الأوطان ضاربًا عرض الحائط كلَّ مقومات النُّهوض! ولم يستمد الشُّعاع مِن النُّور!


عَجبًا! كيف يُصِر الإنسان على التِّيه والإغراق في ظلمات التَّخدير؛ زاعمًا أن ذلك مِن حبِّ الأوطان ضاربًا عرض الحائط كلَّ مقومات النُّهوض! ولم يستمد الشُّعاع مِن النُّور!


عَجبًا! في الوقت الَّذي ترزَح أغلب بلدان العالم الإسلامي تحت نِيرِ الاستِخْرَابِ بنوعيه القديم والجديد بقيادة الدَّركي العالمي، في الوقت الَّذي تتبوَّأ بلدان العالم العربي مراتبَ ذَيْليَّة في التَّعليم والتَّنمية من خلال تقارير دوليَّة.. وبطالة الخريجين في تَصاعُد مهول ولا مبال! في الوقت الَّذي تُحاكُ الدَّسائس ضدَّ بلدان العالم الإسلامي.. نجد أبناء الأمة غارقين في أوحال عبودية السَّاحرة المستديرة لتَكريس هوان الأمَّة وضياعها.. ولكن لا يُبصرون! على حد قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198].


كما صار البعض الآن - إن لم نَقُل: الغالبيَّة الساحقة - يتحدَّثون عن هذا "المذهب الجديد" في أوربا والبلدان النصرانيَّة؛ الَّذي اسمُه كرة القدم، الَّذي له ملايين الأتباع والحواريِّين، يذهبون إلى الملاعب لعبادة إلهِهِم، ويجلسون أمام الشاشات لمتابعته، ويوالون ويعادون عن تعاليمه، بل يموتون أحيانًا من أجل نُصرَته! فهل العالم مُقبِل على "مذهب جديد" له أتباعُه؟! (جريدة المساء المغربية)، وإلا ما الَّذي يفسِّر النجاح الباهر لهذه الرِّياضَة التي تحوَّلت إلى رياضة كونية، وانتقلت عدواها إلى العالم الإسلامي، فألهت أبناءه وصرفتهم عن قمم الأعمال إلى سفاسفها! لو سألتهم عن أيِّ لاعب في العالم؛ لسردوا لك كل شاذَّة وفذة عنه، لكنَّك لو سألتهم عن رسولنا الكريم - صلى الله عليه سلم - الَّذي يساء إليه من خلال الحملة العالمية الظالمة على الإسلام والمسلمين بدعوى الإرهاب، صفاتِه الخلُقيَّةِ والخلْقيَّةِ.. لعَجَزوا عن الكلام! إنها عبادة الهواء الَّذي يملأ الكرة المستديرة! عبادة الهوى.. صدق فينا قول ابن القيم رَحِمه الله:

 

هَرَبُوا مِن الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَه        وَبُلُوا بِرِقِّ  النَّفْسِ  وَالشَّيْطَانِ!

 

أكتب هذا الموضوع، لما يلفُّ هذه المرحلة من تَهوُّر وإلهاء أبناء الأمَّة الإسلاميَّة عن قضاياهم المصيريَّة، خاصَّةً مع انطلاق البطولات الأوربيَّة والآسيويَّة والإفريقيَّة وبطولات أخرى قادمة.. مَوضوعٌ لَطالَما راودتني خلجات نفسي وعقلي وقلبي على البَوح به لإخواني وأحبَّائي.. نَعَمْ؛ لِما عِشتُه من عبودية للهوى بين أحضان هذا البالون المستدير.. الساحر.. نَعَم، ساحر يخطف أضواء الملايين من العيون، ويشتِّتهم يمينًا وشمالاً، ويُربِك أذهانهم مدًّا وجَزرًا بَين هذا وذاك.. هَذَيَانٌ وجُنون.. نَعَم، سَاحِر حيَّر ألْبَاب علماء النفس قبل عامة الناس.. ما السِّرُّ في هذا الإقبال على هذا الكيس المملوء هواءً، ولو على حساب طاعة رب الأرض والسموات؟!!

 


لقد تمَّ إجراء دراسة علميَّة تحت عنوان: "التأثير النَّفسي والعقلي لكرة القدم على المشجِّعين" على 2000 مُشجِّعِ كرَةِ قدمٍ إنكليزيٍّ، يشجعون مختلِف أنديَة الدوري الإنكليزي، وجاءت نتيجة هذه الدراسة التي كانت تَهدف إلى معرفة معدلات تفكير هؤلاء المشجعين في كرة القدم، جاءت نتائجها مُذهِلَة؛ حيث أوضحت أن التفكير في كرة القدم ومباريَاتِها يتمُّ بمعدَّل مرة كل 12 دقيقة، وهو ما يساوي 80 مرة في اليوم الواحد، أي: إن كرة القدم هي الشاغل الأكبر، والَّذي يتَّخذ مساحة هائلة من تفكير هؤلاء المشجعين الذين يعشقون أنديتهم، فكيف بالمسلمين الَّذي حطَّموا هم الآخرون الأرقام القياسيَّة على مستوى الفضائيَّات الناقلة لأنواع متعددة من مباريات كرة القدم من جميع أصقاع العالم؟!! فلا يجد فرصةً لاستماعِ موعظة عالِمٍ لترقيق قلبِهِ المفتُون، ومشاهدَةِ المجازر التي يتعرَّض لها المسلمون (غزة أخيرًا).. نَعَم، صَرْفٌ للأنظار.. نَعَم، نحن في عصر استَولَت فيه فضائيَّاته، بل فوضويَّاتُه، على أذهان الكثيرين، ألَمْ يَقُلِ المفكِّر اليهوديُّ عن هذا العصر المعروف بسيطرة سلاح الصورة على شتَّى أنواع الاتصال: "في عهد المركانتيلية مَن يملك الذهب يملك العالم، وحاليًّا من يملك الإعلام يملك العالم"، ويقول الدكتور خالد حسين بحرارة تنبثق من رؤيته لثقافة الصُّوَر كغَزو، بل وحش يستهدف الْتِهَامَ الوجود الإنسانيِّ واستبدالَ عالَمِه بعالم بديل هو عالمُ المرئيِّ: "يتبدَّى المشهد الكوني كما لو أن الأمر يتعلَّق بغزو مؤجَّل، فانفلَت من عقاله في غفلة مريعة من المقتدرين على أمرِه، وبانذِهالٍ صامت ومحيِّر من الطرف المستهدَف بالغزو، هكذا حال العالم اليوم في مواجهة سيل الصور، وهي تجتاحه تحت طائلة الهيمنة والإمبرياليَّة الجامحة لجنونها.. تأتي الصور لتنتقم لحضورها.. لتستيقظ فجأة وتَلتَهم العالم بلذَّة، وتُحاصِرُ الكائن الإنساني بطريقة لا مثيلَ لها.. فماذا يفعل العالم بكل هذه الصور المنْدَلِقَة عليه من كل صوب؟! هذه الصور التي تضرب عليه حصارًا"، فِعلاً، حصارٌ مذهلٌ بين مشاهدة مباراة والانتقال إلى أخرى؛ فما يكاد ينتهي من الواحدة إلا ويجد أن الأخرى أفضل منها!


- كرة القدم ذات الذيوع والانتشار السرطانيِّ الجارف في الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.. نَعَم، إنها تُسونامِي هذا العصر.. إنها أكبر إمبراطوريَّة لا تغيب عنها الشمس؛ فلا حُدُود جغرافيَّة تَحدُّها، فهي تتجاوز النظر والمشاهدة إلى القلب والفؤاد.. إنها بالون مملوء بالهواء والهباء، لكنها تَسرِق الألباب، وتحطِّم الفؤاد، وتُجيِّشُ الأعصابَ، وتلفت الاهتمام، وتَجذِب الأنظارَ، وتُثير الضغائنَ والأحقاد بين أبناء البلَد الواحد، بما تُخلِّفه من عُنْف هُولِيغانْزِيٍّ (نِسبَة إلى الهوليغانز الانجليزيِّ الَّذي يثير الشَّغَب في الملاعب) بين المشجّعين، وقد يُخلِّف الموتى، وقد يُدمِّر البنيات التحتيَّة! كَذِبَ الإعلاميُّون في دعواهم أنَّ كرَة القدم توحِّد أكثَرَ مِن السياسة، بل ولو على حِسَاب العقائد؛ فلو صدقوا في جَمع شتات الفريق كما حَصَلَ مع الفريق العراقي، فكيف نُفسِّر التَّشريد والتَّقتيل والتَّفقير الَّذي يتعرَّض له إخوانُنا المسلمين السنَّة من قِبل الشيعة الروافض؟! أيُّ دَور لِكُرة القدم على أرض الواقع؟! لنَكنْ حَذِرِين من هذا الطرح الهجين.. فِعلاً، هجين؛ فَكُرة القدم تُصعِّد الأزمات بين القوميات إلى ذروتها؛ ففي ايرلندا الشماليَّة، وكما هو الحال في الحياة السياسية في هذه الدولة، فإنَّ الانقسام العقدي بين الكاثوليك والبروتستانت يجد صداه في الملاعب، ونَفْسُ الأمر يتكرَّر مع إسكتلندا بين "سلتيك" النادي الكاثوليكي و"رونجرز" البروتستانتي الَّذي تنتهي غالبًا مباريَاتُهما باصطدامات عنيفة (جريدة المساء 26/01/2008)..!!


- كرة القدم التي أثبتَ العِلْم الحديث أنَّ المدمنين عليها يتعرَّضون إلى اضطراب نبض القلب نتيجةَ تعلُّق القَلب وتركيز المتفرج بقَدَم اللاعب، إنها قد حطَّمَت قلوب البعض فِعلاً؛ فالتوتر الَّذي يشد اللاعبين والمتفرِّجين، على حد سواء، يؤدِّي إلى زيادة مخاطر الجلطات الدمويَّة، ويؤدي إلى ارتفاع مُريبٍ في عدد دقَّات القَلْبِ، إلى اضطراب النبض، وإلى العديد من حالات ارتفاع ضغط الدَّم، وأدت إلى ارتفاع نسبة مشاكل القَلْبِ والدَّورة الدمويَّة عند الكثيرين بشكل ظاهر..


- بالإضافة إلى الأضرار الجسَدية، يغيب عن أذهانِنا ضياع الأوقات والساعات الطوال في مشاهدة مباراة في كرة القدم على حساب صَلَواتنا وأذكارنا واستغفارنا، وأداء المهام الدنيوية المنوطة بنا أحسن قيام.. إن لم نُقلِع فسُنُحَاسَب على ذلك الوقت ((وَعَن عمْرِه فِيما أفناه))، وَيَقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «نِعمَتان مَغبون فيهما كثير من النَّاس: الصِّحَّة، والفراغ»؛ (رواه البخاري في صحيحه) عن ابن عباس رفعَه، بل الأدهى والأمر – والعُهدَة على الرَّاوي - أنَّه جرت مباراة في كرة القدم بين البرازيل وبلد عربيٍّ مسلم؛ في وقت صلاة الجمعة، ولم يحضر إلا النزر القليل، أبِهَذا ننصر الإسلام؟!

أبِهَذا نسترجع مَجْد المسلمين؟! أبهذا نعيد فلسطين إلى حظيرة المسلمين؟! تدبَّروا معي لو كانت نهايتُهم في المقهى وفي الملاعب والنوادي، حيث الكلامُ الساقط، والبذاءة، والاحتباس الدخانيُّ من السيجارة! ماذا سيقولون لربِّهم ((مَن مات على شَيءٍ بُعِث عليه))، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ - أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ - قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»؛ (البخاري (1265)) ، فالعبرة إذن بالخواتيم.. صَحيحٌ أنَّنا نَنسَى حديثًا شريفًا يقول: «إنَّما الأعمال بالخواتيم»؛ زِيادَة البخاري، ونسأل الله العليَّ القدير أن يُحسِن خاتمة كل المسلمين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه!!


- فَكُرة القدم اتّباعٌ للهوى: ويتجلَّى هذا الاتّباع في تفضيل مشاهدة مباراة كرة القدم على أداء طاعة من طاعات ربِّ الأرض والسموات، بل وإغراق الأوقات والتفكير في مباراة من المباريات واستحضارها بين لحظة ولحظة.. وإن أدَّى صلاةً من الصلوات غلبه تفكيره الكروي عن تدبُّر آية من الآيات.. أليس هذا قمَّة الاتّباع للهوى؟!


وحتى نوضِّح الفكرة لابد من تأصيل لِلمسألة؛ فمثلاً قد يكون الإنسان عبدًا للمال مِن دون الله، وذلك إذا كان يُحب المال ولا يحب الله، أو إذا كان حبُّه للمال مثل حبِّه لله، أو إذا كان حبه للمال أكبر من حبه لله، فالذي يشعر بحب الله يخاف من الحالة الثانيَة أو الثالثة، أما الَّذي لا يشعر بحبِّ الله أصلاً أو يدَّعي حبَّ الله، فإنَّه بالضرورة يقع في الحالة الأولى سواء بحبِّ المال أو أيِّ شيء آخر، ونفس الشيء ينطبِق على أيِّ شيء غير المال، سواء كان حلالاً أو حرامًا، مثل كرة القدم التي تَضِيع بها - في الغالب الأعم - الصلواتُ، وفي أقلِّها لا تؤدَّى في أوقاتِها.. أليس هذا حبًّا جمًّا لها؟! أليس هوى متبعًا؟! والأدلة على ذلك كثير، قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وقوله تعالي: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43]، و{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]، وفي تفسير ابن كثير رحِمه الله: "أرأيت مَنْ اتخذ إلهه هَوَاه، أي: بِما استحسَن من شيء ورآه حسنًا في هوى نفسِه، كان دينه ومذهبه كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} [الآيَة" (3/ 321)] ، إذًا فهذا الرجل الَّذي سمع المنادي ينادي للصلاة، وبقي سامرًا عينَيه في مباراة تافِهَة فارغة من أيِّ محتوى له ولن تزيدَه إلا تَشنُّجًا فِكريًّا، اتخذها لنفسه مسلكاً وطريقاً يقدّسه، و يتّبع به الهوى ، وفي الحديث: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ»؛ (رواه البخاري (2924)) !!


- ومن المدلَهِمَّات غياب عقيدة الولاء والبَرَاء لدى المشاهدين من المسلمين لهذه المباريات، خاصَّةً تلك التي تبثُّها الفضائيات الرياضية وغيرها.. نَجِد تعلُّق الصغار بعقيدة التثليت من خلال محاكاة اللاعب النصراني في تصرُّفاته.. لأقانِيمِه الثلاثيَّة (الله، الابن، الروح القدس)، والأنكى من ذلك أن يتم تكليف مدرب أجنبي - فِعلاً، أجنبيٌّ عن عقيدة المسلمين براتب شهريٍّ خياليٍّ - في وقت تعرف أغلَب بلدان المسلمين الفقرَ المدقع والبطالة المستفحلة والتَّأخُّر في امتلاك ناصية العلم.. وكأن الدول الإسلامية تستقطِب خُبَرَاء في مجال التَّنميَة وتطوير أساليب البحث العلمي.. إنه مدرب يسعى إلى تكوين جيل من المسلمين هَمُّه الأكبر لغة كرة القدم..!


- كذلك من المفاسد الوخيمة التي تنجم عن مشاهدة المباريات بصورة عامة، وكرة القدم علي وجه الخصوص، تركيز الكاميرات على الصور الخليعة لفتيات عاريات يجلسن في مدرَّجات الملاعب للتشجيع، ويظهر العناق والقُبَل المتبادلة بينهنَّ وبين أمثالِهن من الأوربيين؛ فتَثور الغرائز والشَّهَوات، والعجيب في الأمر أن بعض الفضائيَّات تقوم بنقل مباريات كرة القدم النسائيَّة الَّتي تظهر مفاتن جسَد المرأة, وذلك علي مدى ساعة ونصف الساعة تثور فيها براكين الشَّهوَة وتتأجَّج نِيرانها, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العينانِ تَزنيان، وزناهما النَّظر, والأذنان تزنيان، وزناهما السمع, والفم يزني، وزناه الكلام, واليد تزني، وزناها البطش»؛ مسلم من حديث ابن عباس، أما الاختلاط فحدِّث ولا حرج!!


- ومن المفاسد الناجمة عن إدمانِها؛ قطع الصِّلة بكل ما هو تثقِيفِيٌّ وعلميٌّ، وحتى لا أطيلَ نأخُذ العبْرَة مِن دُوَلٍ قطعَت أشواطًا في عمليَّة التَّنميَة قبل أن تُعطِي بعض الأهمية لكرة القدم، لكن في الوقت نفسِه لا زالت تركِّز على أولويَّة جَودَة التعليم، كما هو الشأن بالنسبة لإسبانيا التي تمنح يورو واحدًا عن كل ساعة مطالعة في المكتبة، والنموذج البارع لليابان التي تصل ميزانية التعليم إلى 200 مليار دولار سنويًّا، أي: ما يعادل 16% من إجمالي ميزانية هذا التلميذ الشرقي الَّذي استطاع أن يتفوَّق على أستاذِهِ الغربي، وقد استطاعت ماليزيا البلد المسلم السير على الدَّرْب، وقس ذلك على بلداننا العربيَّة والإسلامية التي تَصرِف ميزانيات ضخمةً على مشاريع رياضية من ملاعب فاخرة واستقطاب لاعبين كانوا مشهورين عالميًّا عجزوا عن مسايرة إيقاع لياقة الأنديَة الأوربيَّة والأمريكية اللاتينية بصفقات خياليَّة، في حين لا نجد مكانًا لعالِم مسلم في الذرة أو الفيزياء بين أهله وذويه أبِهذا نرتقي؟! أبِهذا نَلتَقِي؟!


قد يقول قائل: لم تَذكر إسلام مجموعة من اللاعبين الأوربيين، لعله يكون من باب الدعوة الى الله (فليب تروسي، أنيلكا، مهدي فاريا البرازيلي..)، ودور الرِّياضَة في توصيل صورة المسلمين إلى الغرب! أقول لهم تلك حالات شاذَّة، والشاذُّ لا يقاس عليه.. بالفعل نَفرَح لها، لكن لا يمكن المراهنة عليها لتغيير أوضاع المسلمين مِمَّا هي فيه من تمزُّق وتَشرذُم!


قد يقول قائل آخر: هل حرم الإسلام مزاولة كرة القدم؛ فهذه دعوة إلى التزمُّت والانغلاق والحدِّ من كلِّ فُسحَة ترفيهية؟! أقول له وبالله التوفيق: لقد حثَّ الإسلام على ممارسة الرِّياضَة وكل وسيلة ترفيهيَّة غير خادشة للحياء شرطَ عدَم صرف المسلمين عن أداء واجباتهم الدينيَّة والدنيويَّة؛ فالمؤمن القوي خيرٌ و أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف, و((في كلٍّ خيرٌ)), ولقد قدم لنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنموذجًا لممارسة المؤمن للرياضة، وذلك حينما سابق السيدة عائشة - رضي الله عنها - جَريًا بقدميه كما تروي لنا - رضي الله عنها - أنها كانت على سَفَر، فقال لأصحابه: «تقدَّموا»، ثم قال: «تَعالَي، أسابِقْكِ»، فسَبَقْتُه على رجلي، فلمَّا كان بعد خرجت معه في سَفَر، فقال لأصحابه: «تقدَّموا»، ثم قال: «تعالَي، أسابقك»، ونسيت الَّذي كان وقد حملت اللحم، فقلت: يا رسول الله، كيف أسابقك وأنا على هذه الحال؟! فقال: «لنفعلنَّ»، فسابقته فسَبَقَني، فقال: «هذه بتلك السبقة»؛ صحَّحه الألباني في (آداب الزِّفاف)، وفي رواية أخرى قالت: سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسَبَقْته، فلبث حتى أرهقَنِي اللحم، فسابقني فسبقني، فقال: «هذه بتلك»؛ رواه الإمام أحمد وأبو داود.

وكما ثبت في صحيح البخاري أن الصحابة – رضوان الله عليهم - كانوا يتسابقون على الإبِل, هذا فضلاً عمَّا في الرِّياضَة من فوائد جمَّةٍ كتنشيط الدورة الدموية والعضلات الجسدية, وتقوية اللياقة البدنية، ويقول عمر بن الخطاب: «علموا أولادكم السباحَةَ، والرماية، وركوب الخيل»؛ فهي بذلك لا تتعارض مع الغاية السامية لِخَلْق الإنسان, بل هي وسيلة للغاية الكبرى من خلق الإنسان وإيجاده علي الأرض ألا وهي عبادة الله عز وجل، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ فالرِّياضَة وسيلة يتخذها المسلم لعبادة الله ونَيْلِ مَرضاته، والعقل السليم في الجسم السليم, وليست غاية في نفسِها، لكنَّ الناظر في أحوال أبناء الأمَّة الإسلامية يجد إقبالاً على المشاهدة دون الممارسة؛ فالممارسة تُعوِّد الإنسان على التَّنظِيم في كل شيء.. فَلِمَ إهدار الطاقات وتضييع للأوقات والأموال والأنفس والثمرات في التحليق حول المستطيل الأخضر، بينما تحيط بالإنسان المسلم مشاكلُ لا حصر لها من كل جانب؟! مِن هنا ليس غريبًا أن تكون السَّاحرة المستديرة مثبطًا وشاغلاً لكلِّ مسلم عن التفكير العملي في همومه المتدحرجة، فَسرعان ما يكتشف أنَّه غارق في أحلامِهِ الزائلة، وتزيد من تشرُّدِه وتعطِّل قريحته التي وهبه الله إياها عن الإبداع والابتكار؛ فلِمَ الضياع والتخدير فيما لا يُجدِي نَفعًا؟!


هذه بعض الأفكار - ولم أقف عند كل التفاصيل - الَّتي طرحتها، ليس تهكمًا واستهزاءً وشماتةً في أمَّة الإسلام، لا، وألف لا، ولكِنْ إسدَاءٌ للنُّصحِ عَسَى إن شاء الله أن تُبصِر عيونًا عُميًا وتُنِيرَ قلوبًا غُلفًا، وإلا ما فائدة القَلَم إذا لم يفتح فكرًا، أو يضمِّد جرحًا، أو يُطهِّر قلبًا، أو يَكشِف زَيفًا، أو يَبنِي صَرحًا، ويرد الإنسان المسلم عن غيِّه وضلاله؟!


ورَحِم الله الشاعر إذ يقول:

وَمَا مِنْ  كَاتِبٍ  إلاَّ  سَيَفْنَى        وَتَبْقَي الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاه
فَلا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ        يَسُرُّكَ فِي  الْقِيَامَةِ  أنْ  تَرَاه

________________________________________________________________

الكاتب: د. مولاي المصطفى البرجاوي