حكم الصيام في شهر رجب

منذ 2022-02-08

وسنذكر هذه المسألة على العموم (في الأشهر الحرم)، وعلى الخصوص (في شهر رجب) في مسألة واحدة إن شاء الله.

ما حكم الصيام في شهر رجب؟

اعلم أن هذه المسألة فرع على أصل، هو:

ما حكم الصيام في الأشهر الحرم؟ وهل هو مستحب أو لا؟

وسنذكر هذه المسألة على العموم (في الأشهر الحرم)، وعلى الخصوص (في شهر رجب) في مسألة واحدة إن شاء الله.

 

 

اعلم -رحمنا الله وإياك- أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

يستحب الصيام في الأشهر الحرم، ويدخل في ذلك شهر رجب، وهذا قول الجمهور.

 

فبِهِ قال الحنفية في الجملة (فالسَّـنَـة كلها عندهم محل للنفل سوى أيام عندهم مكروهة عندهم)[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، وبعض الحنابلة ( ابن الجوزي ) وغيره[4].

 

واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: « «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ» »[5].

 

 

وجه الاستدلال:

إذا كان الصيام في شهر الله المحرم يستحب، فيُقاس عليه غيره من الأشهر الحرم؛ للاشتراك معه في الحرمة.

 

الدليل الثاني:

عن مُجِيبة الباهلية عن أبيها أو عمها: أنه أَتَى رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، ثم انطلق، فأتاه بعدَ سنةٍ وقد تَغَيَّرَتْ حالُهُ وهَيْئَتُهُ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قال: (( «ومَن أنت» ؟ )) قال: أنا الباهِلِيُّ الذي جِئْتُكَ عامَ الأَوَّلِ، قال:

(( «فما غَيَّرَكَ وقد كنتَ حَسَنَ الهيئةِ» )) قال: ما أَكَلْتُ طعامًا منذُ فارَقْتُكَ إلا بِلَيْلٍ، فقال: (( «عَذَّبْتَ نفسَكَ» !)) ثم قال: (( «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، ويَوْمًا منكلِّ شَهْرٍ» )) قال: زِدْنِي؛ فإن بي قُوَّةً، قال: (( «صُمْ يَوْمَيْنِ» )) قال: زِدْنِي، قال: (( «صُمْ ثلاثةَ أيامٍ» )) قال: زِدْنِي، قال: ((  «صُمْ مِن الحُرُمِ واتْرُكْ، صُمْ مِن الحُرُم واتْرُك، صُمْ من الحُرُم واترُكْ» )).

 

وقال بأصابعِهِ الثلاثِة، فضَمَّها، ثم أَرْسَلَها [6].

 

 

وجه الاستدلال:

أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمره أن يصوم في الأشهر الحرم، وأدنى دلالة هذا الأمر الاستحبابُ.

فإن قيل: ولماذا أمره بالصوم والترك؟

الجواب: إنما أمره بالترك؛ لأنه يشق عليه الصوم، وأما مَن لا يشق عليه الصوم: فصوم جميعها فضيلة [7].


الدليل الثالث:

العمومات التي وردت في فضل الصوم وهي كثيرة، ومنها:

أ‌- عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): « «قالَ اللَّهُ عز وجل: كلُّ عَملِ ابنِ آدمَ لَهُ إلَّاالصِّيامَ: هُوَ لي، وأَنا أجزي بِهِ، الصِّيامُ جُنَّةٌ» »[8].

 

ب‌- عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «  «مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» »[9].

 

ت‌- عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «  «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةََ لْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، َمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ» »[10].

 

ث‌- عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه)، قال: قلتُ: (يا رسولَ اللهِ، دُلَّني على عملٍ)، قال: « «عليكَ بالصومِ؛ فإنه لاعِدْلَله » »[11].

 

 

الدليل الرابع:

أدلة خاصة في هذا الباب على استحباب الصيام شهر رجب:

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: « «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» »[12].

 

 

وجه الاستدلال:

أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذكر أن الناس ينشغلون عن شعبان؛ لأنه بين رجب ورمضان، وهي إشارة إلى أن الناس ينشغلون بالصيام والعبادة في رجب ورمضان عن شعبان، وهذا يتضمن إقرارًا على الصيام في شهر رجب واستحبابه.

 

الدليل الخامس:

عَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) يَرْفَعهُ: « «إنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ: رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» »[13].

 

الدليل السادس:

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (( «إِنَّ شَهْرَ رَجَبٍ شَهْرٌ عَظِيمٌ، مَنْ صَامَ مِنْهُ يَوْمًا كُتِبَ لَهُ صَوْمُ أَلْفِ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ يَوْمَيْنِ كُتِبَ لَهُ صَوْمُ أَلْفَيْ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ كُتِبَ لَهُ صَوْمُ ثَلاثَةُ آلافِ سَنَةٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ فَيَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ، وَمَنْ صَامَ منه خمسة عشرة يَوْمًا بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ وَنَادَي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قَدْ غُفِرَ لَكَ فَاسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وجل» )) [14].

وهناك جملة من الأحاديث التي لا تصح، ولا تثبت في الباب؛ أعرضنا عن ذكرها.

 

 

القول الثاني:

يُكره إفراد شهر رجب كاملًا بالصوم [15]، فلو أفطر منه يومًا واحدًا زالت الكراهة، ولو صام شهرًا آخر من السنة زالت الكراهة [16].

وهذا قول أكثر الحنابلة، وهو من مفردات المذهب[17].

 

 

وقد وردت الكراهة عن: عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبى بكرة، (رضي الله عنهم جميعًا) [18]).


واستدلوا على ذلك بأدلة:

 

الدليل الأول:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): « «نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ» »[19].

 

 

الدليل الثاني:

عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ النَّاسِ فِي رَجَبٍ حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الْجِفَانِ، وَيَقُولُ: (( كُلُوا؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ )) [20].

 

وجه الاستدلال:

أن عمر (رضي الله عنه) كان يُلزِم الناس بالفطر في رجب حتى لا يخصوه بشيء، ولو كان صيام رجب كاملًا مندوبًا لما كان لنَهْيِه معنًى، وقد أمرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) باتباع سنة عمر (رضي الله عنه).
 

الدليل الثالث:

عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا رَأَى النَّاسَ وَمَا يَعُدُّونَ لِرَجَبٍ، كَرِهَ ذَلِكَ »[21].

 

 

الدليل الرابع:

عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: « كَانَ ابْنُ عَبَّاسِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ كُلِّهِ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ عِيدًا»[22].

 

 

الدليل الخامس:

عن أبي بَكْرَةَ، أنَّه دَخَل على أَهْلِهِ وعندَهم سِلالٌ جُدُدٌ وكِيزانٌ، فقالَ: ما هذا؟ فقالُوا: رَجَبٌ نَصُومُه، فقالَ: «أجَعَلْتُمْ رَجَبًا رمضانَ؟!» "فأكْفَأَ السِّلالَ، وكَسَر الكِيزانَ [23]"[24].

 

 

الدليل السادس:

لأن فيه إحياءً لشعار الجاهلية بتعظيمه [25].

والغلو في الاحتفاء بالشهر -فوق ما ورد في الشرع - فيه تشبُّهٌ بأهل الجاهلية في تعظيمهم إياه، وما كان مُعظَّمًا في الجاهلية فتعظيمه في الإسلام مكروه أو محرم؛ لأنه إحياءٌ لشعارها، لا سيما أن بعض الصحابة أنكروا ذلك ولم يُعرف لهم مخالف.

 

 

القول الثالث:

تحريم إفراد شهر رجب بالصوم.

وهذا وجه حكاه بعض الحنابلة [26].

 

ويُستدل لهم:

ويُستدل لهم بنفس أدلة مَن قال بالكراهة، وقد يحملوها على التحريم:

أ‌- لأن صيام رجب كاملًا فيه تشبيه برمضان، وهذا مُفْضٍ لأن يُلحِقه العوام بالفرض أو بالسنن الثابتة، وهذا باب ابتداع في الدين يجب سدُّه؛ من باب سد الذرائع، وخُص رجب بذلك لأنَّ أهل الجاهلية كانوا يعظمونه.

 

ب‌- ولأن الغلو في الاحتفاء بالشهر -فوق ما ورد في الشرع- فيه تشبُّهٌ بأهل الجاهلية في تعظيمهم إياه، وما كان مُعظَّمًا في الجاهلية فتعظيمه في الإسلام مكروه أو محرم؛ لأنه إحياءٌ لشعارها.

 

ت‌- وقد يُستدل لهم بأنه لم يرِد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه أفرد صوم رجب، وفى الحديث: « «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» »[27].

 

 

الترجيح:

الراجح في نظري - والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان -:

أن المسألة فيه تفصيل؛ فصوم رجب له أحوالٌ ستٌّ، والله أعلم.

 

الحال الأولى:

(أن يصوم رجبًا كاملًا معتقدًا أن صيامه له فضل على سائر الشهور)

حكمه:

لا يجوز، وهذا من البدع المحدثات؛ لأنه خَصَّص الشهر بعبادات لاعتقاد أن فيه فضائلَ لا دليل عليها من الكتاب أو السنة، وهذا من البدع.


برهان ذلك:

أنه لم يرد في صيام شهر رجب شيء بخصوصه، سوى أنه من الأشهر الحرم.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): « أَمَّا تَخْصِيصُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ جَمِيعًا بِالصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ: فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ إلَى شَعْبَانَ، وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ أَجْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَمَّا صَوْمُ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ: فَأَحَادِيثُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بَلْ مَوْضُوعَةٌ، لَا يَعْتَمِدُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الضَّعِيفِ الَّذِي يُرْوَى فِي الْفَضَائِلِ، بَلْ عَامَّتُهَا مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ»[28].

 

قال ابن القيم (رحمه الله):

(وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي ذِكْرِ صَوْمِ رَجَبٍ وَصَلاةِ بَعْضِ اللَّيَالِي فِيهِ، فَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى: كَحَدِيثِ "مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً جَازَ عَلَى الصِّرَاطِ بِلا حِسَابٍ)[29].

 

قال ابن رجب الحنبلي (رحمه الله):

« وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه»[30].

 

وقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله):

(لم يرِد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه_ معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه_ حديث صحيح يصلح للحجة)[31].


الحال الثانية:

(أن يصومه كاملًا دون اعتقاد فضيلة خاصة للشهر، إنما صامه كاملًا؛ لأنه من الأشهر الحرم).

 

حكمه:

هذا دائر بين التحريم والكراهة، والله أعلم.


برهان ذلك:

أ‌- تشديد عمر (رضي الله عنه) في ذلك.

 

ب‌- نهي ابن عباس (رضي الله عنهما)، ومثل ذلك لا يقوله من قِـبَـل الرأي. وكذلك غيرهما من الصحابة -ممن سبق وذكرناه-، مع عدم وجود المخالف لهم -فيما نعلم-

 

ت‌- ولأن الأصل ألا نتشبه بالفريضة؛ للتفريق بينها وبين غيرها، إلا ما ورد به الدليل: كصيام شهر شعبان كاملًا -على قول بعض العلماء.

 

ث‌- ولأن النبي (صلى الله عليه وسلم) ترك ذلك مع وجود المقتضي وانتفاء المانع ([32]).


الحال الثالثة:

(أن يصومه كاملًا؛ لأنه يصوم الدهر -عدا الأيام المنهي عنها- ولا يفطر).

 

حكمه:

هذا فرع على أصل، وهو: (حكم صوم الدهر)، وهذا فيه نزاع بين العلماء: بين مَن يقول بالتحريم، ومَن يقول بالكراهة، ومَن يقول بالجواز بشروط ([33])، وليس هذا مقام بيان هذه المسألة.

 

الحال الرابعة:

(يخُصُّ بعض أيام شهر رجب بالصيام لاعتقاد أن فيه فضيلة خاصة على سائر الشهور)

حكمه:

هذا من البدع المحدثات ولا يجوز: كالحال الأولى التي سبق وبيناها.

 

 

الحال الخامسة:

(أن يصوم بعض أيام شهر رجب؛ لأنه من الأشهر الحرم).

حكمه:

هذا جائز، ومستحب باتفاق العلماء.

لأن الصيام عبادة جليلة محثوث عليها، وقد ورد في شأنه الكثير من النصوص.

 

الحال السادسة:

(أن يصوم في رجب صومًا هو يصومه: كأيام البيض وغيرها).

حكمه:

يستحب له الصيام بالإجماع.

هذا ما أعلم، والله أعلم.

فإن يكُن صوابًا فمن الله، وإن يكُن خطأ فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان.

وبالله التوفيق، ، ،

 


[1] تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي (1/ 342) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، بدائع الصنائع، الكاساني (2/ 584) طـ (دار الحديث) القاهرة، رد المحتار، ابن عابدين (3/ 335) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان.

[2] مواهب الجليل، الحطاب (3/ 319) طــ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، القوانين الفقهية، ابن جُزي (صـ94) طـ (دار الحديث) القاهرة.

[3] الحاوى الكبير، الماوردي (3/ 474) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، روضة الطالبين، النووي (2/ 254) طـ (دار عالم الكتب)، المجموع بشرح المهذب، النووي (6/ 438) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (3/ 243) طـ (دار الفكر) بيروت ـ لبنان، وحاشية الشرقاوى على تحفة الطلاب (2/ 318)، طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، مغنى المحتاج (2/ 201) طـ (المكتبة التوفيقية) القاهرة، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (3/ 508) طـ (دار الفكر) بيروت ـ لبنان، وعند الشافعية: أفضل الأشهر الحرم للصوم: (المحرم، ثم رجب _خروجًا من خلاف مَن فَضَّله على الأشهر الحرم، ثم باقيها، ثم يأتي بعد الأشهر الحرم شعبان).

[4] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (1/ 547) طـ (بيت الأفكار الدولية).

[5] رواه مسلم (1163).

[6] ضعيف: رواه أبو داود (2428).

[7] المجموع بشرح المهذب، النووي (6/ 438 439) طـ (دار إحياء التراث العربي) ت: المطيعي.

[8] رواه البخاري (5927)، ومسلم (1151) واللفظ له.

[9] رواه أحمد (7990)، والبخاري (2840)، والترمذي (1622)، والنسائي (2244)، وابن ماجه (1718).

[10] رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400) واللفظ له.

[11] إسناده ضعيف: رواه أحمد (22149)، والنسائي (2220)، وابن خزيمة (1893) وهذا لفظه.

[12] حسن: رواه النسائي (2357) وانظر مسند أحمد (21753).

[13] ضعيف جدًا: رواه البيهقي فى الشُعب (3800)، بل باطل كما قال الإمام الذهبي.

[14] حديث منكر: كما قرره الشوكاني، ومُسَلسل بالمجاهيل والمتروكين.

[15] المغني، ابن قدامة (3/ 118) طــ (دار الكتب العلمية)، الفروع، ابن مفلح (2/ 71) طـ (دار الكتاب العربي)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (1/ 547) طـ (بيت الأفكار الدولية)، كشاف القناع على متن الإقناع، البهوتي (2/ 414) طـ (دار إحياء التراث العربي) بيروت ـ لبنان، شرح منتهى الإرادات، البهوتي (1/ 460) طـ (دار الفكر) بيروت ـ لبنان.

[16]ــ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (1/ 547) طـ (بيت الأفكار الدولية)، كشاف القناع على متن الإقناع، البهوتي (2/ 414) طـ (دار إحياء التراث العربي) بيروت ـ لبنان.

[17] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (1/ 547) طـ (بيت الأفكار الدولية).

[18] مصنف ابن أبي شيبة (4/ 154، 155) رقم: (9848)، (9850)، (9851) طـ (الفاروق الحديثة)، المغني، ابن قدامة (3/ 119) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ابن رجب الحنبلي (صـ 229 230) طـ (دار ابن كثير) دمشق ـ بيروت.

[19] ضعيف: رواه ابن ماجه (1743)، وآفته: (داود بن عطاء) متفق على ضعفه.

[20] إسناده صحيح: رواه ابن أبى شيبة (9758).

[21] إسناده صحيح: رواه ابن ابى شيبة (9851).

[22] إسناده صحيح: رواه عبد الرزاق (7854).

[23] الكيزان: جمع كوز، وهو من الأواني.

[24] أورده ابن قدامة في المغني (3/ 119) طـ (دار الكتب العلمية) بيروت ـ لبنان.

[25] كشاف القناع على متن الإقناع، البهوتي (2/ 414) طـ (دار إحياء التراث العربي) بيروت ـ لبنان.

[26] الفروع، ابن مفلح (2/ 71) طـ (دار الكتاب العربي) بيروت، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي (1/ 547) طـ (بيت الأفكار الدولية).

[27] رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

[28] مجموع الفتاوى (25/ 290 291) طــ (مكتبة ابن تيمية).

[29] المنار المنيف، ابن القيم (صــ77) طـ (دار العاصمة).

[30] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ابن رجب الحنبلي (صـ 228) طـ (دار ابن كثير) دمشق ـ بيروت.

[31] تبيين العجب، ابن حجر العسقلاني (صـ 23) طـ (مؤسسة قرطبة).

[32] وقد يُعارض هذا الاستدلال بقول عائشة كما في الصحيح: ((إنْ كانَ رَسولُ اللَّهِ ه لَيَدَعُ العَمَلَ وهو يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ به خَشْيَةَ أَنْيَعْمَلَ به النَّاسُ، فيُفْرَضَ عليهم)) رواه البخاري (1128)، وقد ذكرنا هذا البرهان على سبيل التعضيد، وإلافقد يُعارض بما ذكرناه وغيره.

[33] والمقصود هنا: صوم الدهر خلا الأيام المنهي عنها، وما لم يترتب على ذلك ضرر، أو فَوْت حق.

وقد اختلف العلماء في حكم صيام الدهر على أقوال:

(( القول الأول )):

يجوز صوم الدهر إذا أفطر أيام النهي.

وهذا قول الجمهور: به قال المالكية، والشافعية، والحنابلة.

وعند الشافعية: يستحب ما لم يترتب على ذلك ضرر أو فوت حق واجب أو مستحب.

(( القول الثاني )):

يُكره صوم الدهر.

وهذا قول الحنفية، وهو قول عند المالكية، وقول عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة.

(( القول الثالث )):

يحرم صيام الدهر.

وهذا قول ابن حزم.

___________________________________________________
الكاتب: محمد أنور محمد مرسال