ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
لكن هل النعيم هو المال وما يُحصله المال من مسكن ومأكل وملبس فقط؟ لا أظن ذلك أبدًا ،فهناك أشياء أثمن من ذلك بكثير
كان من الصحابة من يذكر الله بخشية عند تناول جرعة الماء مستحضرًا لهذه الآية ،ولن أقول فما بال أهل هذا الزمان الذين يعيشون أفضل من حياة الملوك في العصور السابقة ،وقد ألف الكثير من النعم التي لم تتوفر للسابقين ،ولن تتوفر لكثير من المعاصرين ،ومع ذلك يشكو ويشكو متنكرًا للنعم المحيطة به باحثًا عما يفقد
لكن هل النعيم هو المال وما يُحصله المال من مسكن ومأكل وملبس فقط؟ لا أظن ذلك أبدًا ،فهناك أشياء أثمن من ذلك بكثير ،ونذكر على سبيل المثال نعمة العقل ،فالعقل المميز هو أهم أسباب السعادة في الدنيا ،فلو لم يكن العقل أكبر نعمة لَمَا جعله الله مناط التكليف ،،ولَمَا رُفع القلم عن فاقده ،وقد ذكرت بعض الأبحاث أن يشقى المجنون بجنونه وبخيالاته المريضة التي تتدافع في رأسه وتصور الأشياء على غير حقيقتها ومعظمها أوهام مخيفة مفزعة تصيبه بالهلع وغيرها من المشاعر السلبية ،هذا بخلاف أنه يكون عبئًا على الآخرين فهوعادة كائن غير مرغوب فيه .
و من زيادة النعيم في وجود العقل هو تمتعه بالذكاء الذي يجعله أكثر قدرة على فهم الأمور وتقييمها وحسن التصرف وفهم قوانين الكون وعلاقات البشر ،ولا أنسى إعجاب أحد زملاء ابني في العمل والذي كان من غير المسلمين عندما ذَكَّرَه ابني أن الله عدل ولن يحاسب أهل الذكاء مثلما يحاسب من حرموا منه .
فإذا كان العقل هو الهبة الأولى من الله للبشر؛ فخلقه في أحسن تقويم هبة آخرى، وكلما حظى المرء بقدر أعلى من جمال الخلقة فهو أكثر مسئولية عند الحساب، وإن كان حساب المرأة أشد من حساب الرجل لأن تأثيرها هو الأشد فتنة فهذا لا يعني أن الرجل حسن المنظر الذي يسئ استغلال هذا الأمر مع النساء بمنأى عن الحساب .
و من كمال الخلقة كذلك صحة البدن وقوته وهذا يذكرنا بقول موسى عليه السلام بعد أن رأى من نفسه قوة متميزة أن يقول"قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ :(القصص:17)
وسواء اجتمع كمال العقل مع حسن المنظر وقوة البدن أو لم يجتمع فالثقة والقبول الذي سيحظى بهم المرء من الناس هي الآخرى لون من ألوان النعيم التي يحاسب عليها الخالق سبحانه وعليه أن يكون دائمًا عند حسن ظن الناس فلا يخون الثقة ولا يسئ استغلال القبول لديه.
وإذ ذكرنا المال بدايةً على أنه أحد مظاهر النعيم فالآية الكريمة نصها " {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلً} ا " (الكهف:46) فالبنون أحد ألوان النعيم والحساب عليه من أشد أنواع الحساب لأنه يستلزم شكر النعمة برعاية الأبناء وحسن تربيتهم والتزام شدة الحذر خاصة في زمننا هذا فلا يجوز بحال من الأحوال تركهم فريسة للإعلام الفاسد أو صحبة السوء وإنما احتواؤهم واتباع القرآن والسنة كمنهج في التربية والتوجيه وفي الحديث الشريف( «كفى بالمرءِ إثمًا أن يضَيِّعَ من يَقُوتُ» )(الراوي :عبدالله بن عمرو| (المصدر : سنن أبي داود رقم [1692])
كذلك العالم أو الداعية الذي ميزه الله بأن يكون خطيبا أو محاضرا مفوها عليه أن يكون حريصا على قول مايرضي الله ورسوله
والكاتب الذي يملك قلما مؤثرا عليه بالإصلاح ونشر القيم لا النفاق والمداهنة
ومن وهب الصوت الندي فعليه التغني بالقرآن العظيم وبكل ما يدعو للفضيلة لا العكس
والمقام هنا لا يتسع لاستعراض ألوان وألوان من النعيم غير أننا نود تذكر الموقف العظيم يوم نُسأل على كل لون من ألوان النعيم والله المستعان.
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف: