وقفات مع قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
كتب - يزن الغانم
وقفات مع القاعدة القرآنية:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
المقدمة:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فهذه قاعدة من أعظم قواعد القرآن الكريم، ويستدل بها على كل الأوامر النواهي الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة، والله أسأل أن ينفع بها ويتقبلها.
الوقفة الأولى:
في دلالة الآية على أن يجب التسليم لله ورسوله في كل أمر من الأمور أو نهي من النواهي، حتى وإن كان العبد لا يعلم العلة أو الحكمة، وهذا ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم.
فقد سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: « ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، فَقالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ» .
• فاستدلت بالسنة ولم تذكر العلة، وهذا هو حقيقة التسليم لله ورسوله.
وقد ذكر العلماء أنه لا بأس من التماس الحكمة من النصوص الشرعية؛ لأننا نعلم أن أوامر الشرع ونواهيه كلها لحكمة ومِن حكيمٍ، ولكن الأصل التسليم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يعلم أن أعظم سبب وعلة هي العبودية لله تعالى وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام ابن جُزَيٍّ في تفسيره على هذه الآية: معناها أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله، بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله؛ انتهى.
الوقفة الثانية:
في دلالة الآية على أن التحاكم إلى ما قضى الله ورسوله في الأمر والنهي من مقتضى الإيمان وعلامة على الإيمان، وبقدر ما يكون عند العبد من الإيمان، يكون عنده كمال الطاعة والامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة، { إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} [الأحزاب: 36] من الأمور، وحتَّما به وألزَما به {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]؛ أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابًا بينه وبين أمر الله ورسوله؛ انتهى.
الوقفة الثالثة:
في دلالة الآية على أن عاقبة من ترك ما قضى الله ورسوله في الأمر والنهي الضلال الذي عاقبته الخسران في الدنيا والآخرة؛ قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: فذكر أولًا السبب الموجب لعدم معارضته أمر الله ورسوله، وهو الإيمان، ثم ذكر المانع من ذلك، وهو التخويف بالضلال، الدال على العقوبة والنكال؛ انتهى.
الخاتمة:
ونختم هذه الوقفات بما يقوله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
وَالْمَقْصُودُ أَن بِحَسَبِ مُتَابَعَةِ الرسُولِ تَكُونُ الْعِزَّةُ وَالْكِفَايَةُ وَالنصْرَةُ، كَمَا أَن بِحَسَبِ مُتَابَعَتِهِ تَكُونُ الْهِدَايَةُ وَالْفَلَاحُ وَالنجَاةُ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ عَلَّقَ سَعَادَةَ الدارَيْنِ بِمُتَابَعَتِهِ، وَجَعَلَ شَقَاوَةَ الدارَيْنِ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَلِأَتْبَاعِهِ الْهُدَى وَالْأَمْنُ وَالْفَلَاحُ وَالْعِزةُ وَالْكِفَايَةُ وَالنصْرَةُ وَالْوِلَايَةُ وَالتأْيِيدُ وَطِيبُ الْعَيْشِ فِي الدنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِمُخَالِفِيهِ الذلَّةُ وَالصغَارُ وَالْخَوْفُ وَالضلَالُ وَالْخِذْلَانُ وَالشقَاءُ فِي الدنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ أَقْسَمَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ بِأَنْ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتى يَكُونَ هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ»؛ وَأَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ مَنْ لَا يُحَكِّمَهُ فِي كُل مَا تَنَازَعَ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، ثُم يَرْضَى بِحُكْمِهِ، وَلَا يَجِدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِما حَكَمَ بِهِ، ثُم يُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا وَيَنْقَادَ لَهُ انْقِيَادًا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: ٣٦]. زاد المعاد (1 / 39).
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبها :
يزن الغانم
- التصنيف: