المعتزلة: ظهورها وانتشارها

منذ 2022-03-21

تأثَّرت المعتزلة بالفلسفة اليونانية، والمنطق اليوناني، وما نُقل من الفلسفة الهندية، والأدب الفارسي، وقد كانوا كلهم أو جمهورهم ممن ينتمون إلى أصل فارسي، فأوَّلوا القرآنَ الكريم؛ لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وكذَّبوا الأحاديثَ التي لا تتَّفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية..

ظهرت المعتزلة في بداية القرن الثاني الهجري بزعامة رجل يسمَّى واصل بن عطاء الغزال، وتفرَّعت المعتزلة عن الجهمية في معظم الآراء، ثم انتشرت انتشارًا واسعًا في أكثر بلدان المسلمين.

 

♦ تأثُّر المعتزلة بالفلسفة:

تأثَّرت المعتزلة بالفلسفة اليونانية، والمنطق اليوناني، وما نُقل من الفلسفة الهندية، والأدب الفارسي، وقد كانوا كلهم أو جمهورهم ممن ينتمون إلى أصل فارسي، فأوَّلوا القرآنَ الكريم؛ لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وكذَّبوا الأحاديثَ التي لا تتَّفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية، واعتبروا فلاسفةَ اليونان أنبياءَ العقلِ الذي لا خطأ معه[1]، يقول محمد محيي الدين عبد الحميد: (وكان [أي المعتزلة] أوَّل مَن استعان بالفلسفة اليونانية، واستقوا منها في تأييد نزعاتهم، فأقوالٌ كثيرة من أقوال النَّظَّام[2]، وأبي الهُذيل[3]، والجاحظ[4]، وغيرهم؛ بعضُها نَقْلٌ بحتٌ من أقوال فلاسفة اليونان، وبعضُها يُستقى من نبعِه، ويُغترَف من معينه بشيء من التحوير والتعديل)[5].

 

ولقد تأثَّر بمنهج المعتزلة – حديثًا – كثير من خصوم الإسلام، وأعداء السُّنة، حيث وجدوا في مذهبهم الفكري عِشًّا يفرخون فيه بمفاسدهم وآرائهم، ويهاجمون من خلاله الوحي المبين؛ كتابًا وسنة[6].

 

إذًا؛ نشأت المعتزلة نشأةً عقليَّةً بحتة؛ لما أُشرِبوه من فلسفات يونانية وغيرها، وما تعلَّموه من منطقٍ وقياس؛ فكان التلبيسُ عليهم من جهة العقل الذي هو في الأصل مناط التكليف، واستحال العقل نقمةً عليهم وعلى الذين تابعوهم، حيث أطلقوا له الحدود ولم يُلجموه بلجام النص، فجعلوه حاكمًا على النص لا محكومًا به؛ ثم إنهم إنما افترضوا الفروض ووضعوا النتائج أولًا، ثم راحوا يُثبِتون صحة ما ذهبوا إليه، وهم في طريقهم هذا ردُّوا كلَّ ما يُخالف فرضياتهم ورفضوه رفضًا مطلقًا، وكان الأجدر بهم أنْ يُرَتِّبوا الفرضَ على البحث والاستقصاء، ويَبْنوا النتيجة على الأدلة، وليس العكس.

 

 سبب تسميتهم بالمعتزلة:

ترجع بداية نشأة المعتزلة، وسبب تسميتهم بذلك إلى ما وقع بين الحسن البصري رحمه الله وواصل بن عطاء من خلافٍ في حكم مرتكب الكبيرة، حين سئل الحسن البصري عن ذلك، فبادر واصل بن عطاء إلى الجواب قبل أنْ يُجيب الحسن البصري، ومن هنا تطوَّر الأمر إلى اعتزال واصلٍ ومَنْ معه حلقةَ الحسن البصري، فسُمُّوا معتزلةً، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء[7].

 


[1] انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، (ص 7).

[2] النَّظَّام: هو إبراهيم بن يسار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النَّظَّام، شيخ المعتزلة، تبحَّر في علوم الفلسفة، وانفرد بآراءٍ، تابعته فِرقةٌ من المعتزلة سميِّت "النظامية"، اتُّهم بالزندقة، وكفَّره جماعة، مات سنة بضع وعشرين ومائتين، وله كتب في الفلسفة والاعتزال. انظر: طبقات المعتزلة، لابن المرتضى (ص 49-52).

[3] أبو الهذيل: هو محمد بن الهذيل بن عبيد الله البصري العلاف، من أئمة المعتزلة، له مقالات في الاعتزال، وانفرد بآراءٍ، مات (سنة 235 هـ)، وله تصانيف كثيرة. انظر: طبقات المعتزلة، (ص 44).

[4] الجاحظ: هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، مولاهم، أبو عثمان، المشهور بالجاحظ، البصري، المعتزلي، كان مُتبحِّرًا في الأدب، ورئيس الفِرقة الجاحظية من المعتزلة، ليس بثقة ولا مأمون، وكان من أئمة البدع. مات (سنة 255 هـ). انظر: تاريخ بغداد، (12/ 212).

[5] مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، للأشعري [مقدمة المحقق]، (23/ 1).

[6] انظر: المؤامرة على الإسلام، أنور الجندي (ص 21).

[7] انظر: الملل والنحل، (1/ 40)؛ والفرق بين الفرق، (ص 116)؛ فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، (2/ 822).