الصلاة في رمضان

منذ 2022-03-25

لا أرى سببًا يَمنعنا عن الصلاة وتلبية نداء بيوت الله، فما أن يؤذن ويقال: الله أكبر، فليهتز الجسد منتفضًا لكي تسرع وتقيم صلاتك.

 

أخي وأختي في الله، إن أول ما فرض الله علينا في الإسلام كانت الصلاة، فهي أفضل الأعمال بعد الشهادتين؛ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» "؛ (متفق عليه).

ويقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}  [النساء: 103].

إن رمضان فرصة صادقة لمن أراد التغيير، وليس مكانًا ومرتعًا للكسالى وسكنًا لزيادة السيئات، إنه فرصة لكل نفس ضيعت الصلاة وحُرمت أجرها وثوابها بأن تلحق بأفواج المصلين في مساجد تزيَّنت للصائمين، فإما أن تخرج من رمضان وقد تصالحت مع جميع عباداتك وأولها الصلاة، وإما ستخرج منه مفلسًا، وها هي البشرى تأتي؛ لنحافظ أكثر وأكثر على صلاتنا في رمضان؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "؛ (صحيح البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» "؛ (صحيح البخاري).

هذه بشرى عظيمة لك أيها الصائم، فلا تجعل أعاصير الفتن في رمضان تأخذك من الصلاة في المساجد، فإذا أتى عليك شهر رمضان لا تترك صلاة إلا أدَّيتها في المسجد، فلا تُصَلِّها في بيتك إلا لعذرٍ شديد، ولتجعل من رمضان صلة ووثاقًا وجسرًا تتحصَّن به، مؤديًا لصلاتك، فلا تفرط فيها ما دمت تتنفس وتَحيا، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " «وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ» "؛ (رواه مسلم).

إن العمر يمر سريعًا، فنتناسى الذنوب، فلم نعد نستغفر عنها ما دامت في طي النسيان، ولكن رحمة ربِّك أعظم بنا، فتأتي الصلاة لتنقي القلب والصحيفة من ذنوب فعلناها وغفَلنا عنها، ولكن الله لم يغفل ولم يُرد لنا أن نقابله بها، فالخمس صلوات تكفِّر لنا ما مضى، هذا في الشهور العادية، فكيف بها مضاعفة في شهر رمضان؟ عن جابر رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ» "؛ (رواه مسلم).

«وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ما لم تغشَ الكبائر"؛ (رواه مسلم). »

يؤلمني كثيرًا أن أرى الكثيرين - إلا من رحم ربي - يتخلفون عن أداء الصلاة بدون عذر، وهي أهم أركان الإسلام وعماد الدين.

لا أرى سببًا يَمنعنا عن الصلاة وتلبية نداء بيوت الله، فما أن يؤذن ويقال: الله أكبر، فليهتز الجسد منتفضًا لكي تسرع وتقيم صلاتك.

نجلس بالساعات أمام شاشات التلفاز والإنترنت، متجاهلين قيمة الوقت الذي يمضي بدون رجعة، صامِّين آذاننا عن نداء بيوت الرحمن، فإذا كنتَ مريضًا تستطيع الصلاة في المنزل، وإن كنت مقعدًا وطريح الفراش تستطيع أن تؤدي صلاتك وأنت جالس؛ قال صلى الله عليه وسلم: " «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ» "؛ (رواه البخاري وأهل السنن)، "فإن لم تستطع فمستلقيًا" { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286].

إن ديننا دين يسرٍ، وها هو رسولك الحبيب يعطيك رخصة لصلاتك وأنت متعب، ولكنه لم يقل لك: لا تُصلِّ، هذا لمن وجب له العذر ولكن من لم يكن له أعذار، كيف حاله عند السؤال والحساب، لا حجة ولا برهان له على ترك صلاته، ولنعلم أن الأنفاس معدودة والموت قادم وبعد الموت إما الجنة وإما النار، فإذا كنا ممن حافظوا على الصلوات، فهنيئًا لنا، وإذا كنا ممن فرطوا فيها، فيا حسرتنا على ما فرطنا؛ قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}  [المدثر: 42، 43].

وقال تعالى:  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم: 6]، { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }  [طه: 132]،  { قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ }  [إبراهيم: 31]، {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}  [المعارج: 34، 35].

لحظة نستشعر فيها مكاننا بعد الموت ويوم الحساب، ولنتخيل وقوفنا بين يدى رب العباد، والله إن الجسد يقشعر ويشحب الوجه من هول ما فرطنا من ترك صلوات ونوافل، لأجل ما لا يضر ولا ينفع، ولكننا الآن نتنفس وفي خير حال، فلنعقد النيَّة ونصحِّح أخطاء ما مضى، وليكن رمضان هذا العام قيامنا وصلاتنا إيمانًا واحتسابًا، فإذا حضرت أوقات الصلاة وجدتك منتظرًا لها بشوق، فلا تتخلف في رمضان عن صفوف المصلين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"» ؛ (صحيح مسلم)).

فاطمة الأمير

كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.