صور من لطف الله عز وجل بعبده مختارة من مصنفات العلامة السعدي
ومن ذلك لو نشأ العبد في بلد أهله مذهب أهل السنة والجماعة فإن هذا لطف له. وكذلك: إذا قدر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم _الأحياء والأموات _أهل سنةٍ وتقى, فإن هذا من اللطف الرباني.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أسماء الله عز وجل الحسنى: " اللطيف ", وللعلامة السعدي رحمه الله, كلام حول معنى هذا الاسم, وصور من لطف الله عز وجل بعبده, وقد يسر الله فجمعت بعضاً منه, أسأل الله الكريم أن ينفعني والقراء به.
- معنى اللطيف:
اللطيف, من أسمائه الحسنى له معنيان:
أحدهما: بمعنى الخبير, وهو أنّ علمه دقَّ ولَطف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات.
والمعنى الثاني: اللطيف الذي يوصل أولياءه وعباده المؤمنين إلى الكرامات والخيرات بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون, وبالذي يحبون والذين يكرهون, فيلطف بأوليائه, فييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى, ويلطف لهم فيقدر أموراً خارجية عاقبتها تعود إلى مصالحهم ومنافعهم قال يوسف صلى الله عليه وسلم: ﴿ {إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} ﴾[يوسف:100] أي حيث قدّر أموراً كثيرة خارجية عادت عاقبته ا الحميدة إلى يوسف وأبيه, وكانت في مبادئها مكروهة للنفوس, ولكن صارت عواقبها أحمدَ العواقب, وفوائدها أجلَّ الفوائد.
- دعاء العبد أن يلطف الله به:
إذا قال العبد: يا لطيف الطف بي, أو لي, وأسألك لطفك, فمعناه: تولني ولاية خاصة, بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة, وبها تندفع عني جميع المكروهات...فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به.
- صور من لطف الله عز وجل بعبده:
* ومن لطفه: أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء, التي هذا طبعها وديدنها, فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى, ويصرف عنهم السوء والفحشاء, فتوجد أسبابُ الفتنة, وجواذب المعاصي, وشهوات الغي, فيرسل الله عليها برهان لطفه, نور إيمانهم الذي منّ به عليهم, فيدعونها مطمئنين لذلك, منشرحة لتركها صدورهم.
* ومن لطفه بعباده: أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم, فقد يرون شيئاً وغيره أصلح فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاُ بهم براً وإحساناً ﴿ {اللَّـهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } ﴾ [الشوري:19] ﴿ {وَلَوْ بَسَطَ اللَّـهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَـكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} ﴾ [الشورى:27]
* ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّلَه للمراتب العالية والمنازل السامية التي لا تُدرك إلا بالأسباب العظام التي لا يدركها إلا أرباب الهمم العالية, والعزائم السامية- أن يُقدر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أُهِّل لها, ليتدرج من الأدنى إلى الأعلى, ولتتمرن نفسه, ويصير له ملكه من جنس ذلك الأمر, وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في ابتداء أمرهم رعاية الغنم, ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.
* ومن لطفه بهم أنه يُقدرُ عليهم أنواع المصائب, وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفاً, وسوقاً إلى كمالهم وكمال نعيمهم, ﴿ {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ﴾ [البقرة:216]
وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب, ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات أجلّ منها وأعلى.
* ومن لطفه بعبده: أن يُقدره له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم, ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى: ﴿ {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } ﴾ [آل عمران:37] إلى آخر قصتها
ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح, أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم, أو لتربية العلماء الربانيين فإن هذا من أعظم لطفه بعبده, فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة: منها بل من أكثرها وأعظمها نفعاً هذه الحالة.
ومن ذلك لو نشأ العبد في بلد أهله مذهب أهل السنة والجماعة فإن هذا لطف له. وكذلك: إذا قدر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم _الأحياء والأموات _أهل سنةٍ وتقى, فإن هذا من اللطف الرباني.
* ومن لطف الله بعبده أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة, يحصل به المقصود ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل, بل يُعينه على ذلك ويفرغه, ويريح خاطره وأعضاءه, وهذا من لطف الله تعالى بعبده.
* ومن لطف الله بعبده إذا قدر له طاعة جليلة لا تُنال إلا بأعوان: أن يقدر له أعواناً عليها ومساعدين على حملها, قال موسى عليه السلام: ﴿ {وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي * هارونَ أَخِي * اشدُد بِهِ أَزري * وَأَشرِكهُ في أَمري * كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا} ﴾ [طه:29-33]
* ومن لطف الله بعبده: أن يعطى عبده من الأولاد والأموال والأزواج ما به تقرّ عينه في الدنيا, ويحصل له به بالسرور, ثم يبتليه ببعض ذلك, ويأخذه ويعوضه عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب, فنعمةُ الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده, وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه.
* ومن لطف الله بعبده: أن يبتليه ببعض المصائب, فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها, فيُنيلُه درجاتٍ عالية لا يدركها بعمله, وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك, كما فُعِلَ بأيوب عليه السلام, ويوجِد في قلبه روح الرجاء, وتأميل الرحمة, وكشف الضر, فيخفف ألمُه, وتنشط نفسه, وهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر, فخفت مصائبهم, وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته
* ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف: أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه, وتنقص إيقانه, كما أن من لطفه بالمؤمن القوي: تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان ويعينه عليها, ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجرُه, فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته, وعطائه ومنعه.
* ومن لطف الله تعالى بعبده: أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سبباً لرحمته, فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع, والابتهال إلى ربه, وازدراء نفسه واحتقارها, وزوال العُجب والكبر من قلبه ما هو خير من كثيرٍ من الطاعات.
* ومن لطف الله بعبده: أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه, فيُيسر عليه التعلم من كتابٍ أو معلمٍ يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل, وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسهولة, وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه, فهذا من اللطف.
* ومن لطف الله بعبده: قدّر الواردات الكثيرة, والأشغال المتنوعة, والتدبيرات والتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على أمةٍ من الناس لعجزت قواهم عليها أن يمن عليه بخلقٍ واسع, وصدر متسع, وقلبٍ منشرح, بحيث يُعطي كل فردٍ من أفرادها نظراً ثاقباً وتدبيراً تاماً وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها بل قد أعانه الله تعالى عليها, ولطف به فيها, ولطَفَ له في تسهيل أسبابها وطرقها.
* ومن لطفه بعبده الحبيب عنده: إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة, واسترسلت في ذلك, أن يُنغصها عليه ويكدرها, فلا يكاد يتناول منها شيئاً إلا مقروناً بالمكدرات, محشواً بالغصص, لئلا يميل معها كل الميل, كما أن من لطفه به أن يُلذذ له التقربات, ويحلي له الطاعات, ليميل إليها كل الميل.
* ومن لطيف لطف الله بعبده: أن يأجره على أعمالٍ لم يعملها بل عزم عليها, فيعزم على قُربةٍ من القُرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها, فيحصل له أجرها, فانظر كيف لطف الله به! فأوقعها في قلبه, وأدارها في ضميره, وقد علم تعالى أنه لا يفعلها, سوقاً لبره لعبده وإحسانه بكل طريق.
وألطف من ذلك: أن يقيض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها, هي أنفع له منها, فيدع العبد الطاعة التي تُرضى ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها, فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزومة عليها بالنية.
وألطف من هذا: أن يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية, ويوفر له دواعيها, وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها, ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسبابُ فعلها من أكبر الطاعات, كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة, وأحدُ السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.
* ومن لطف الله بعبده: أن يُجري بشيءٍ من ماله شيئاً من المنافع وخيراً لغيره, فيثيبه من حيث لا يحتسب, فمن غرس غرساً أو زرع زرعاً فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئاً آجر الله صاحبه وهو لا يدري! خصوصاً إذا كانت عنده نية حسنة, وعقد مع ربه عقداً في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع, فأسألك يا رب أن تأجرني, وتجعله قربةً لي عندك....ككتابٍ انتفع به في تعلم شيء منه, أو مصحف قُرئ فيه, والله ذو الفضل العظيم.
* ومن لطف الله بعبده: أن يفتح له باباً من أبواب الخير لم يكن له على بال, وليس ذلك لقلة رغبته فيه, وإنما هو غفلة منه, وذهول عن ذلك الطريق, فلم يشعر إلا وقد وجد في قلبه الداعي إليه, واللافت إليه, ففرح بذلك, وعرف أنها من ألطاف سيده وطُرقه التي قيض وصولها إليه, فصرف لها ضميره, ووجّه إليها فكره, وأدرك منها ما شاء الله وفتح.
* من كان عمله صالحاً, وهو مستقيم في غالب أحواله, وإنما يصدر منه أحياناً بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والأذى وبعض الآلام في بدنه, أو قلبه, أو حبيبه أو ماله ونحو ذلك فإنها مكفرات للذنوب لطفاً من الله بعباده.
* ﴿ وهو اللطيف الخبير ﴾ من لطفه أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه, ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد ولا يسعى فيها, ويوصله إلى السعادة الأبدية, والفلاح السرمدي, من حيث لا يحتسب, حتى أنه يقدر عليه الأمور التي يكرهها العبد, ويتألم منها, ويدعو الله أن يزيلها, لعلمه أن دينه أصلح, وأن كماله متوقف عليها, فسبحان اللطيف لما يشاء, الرحيم بالمؤمنين.
* من لطف الله بعبده أن يسهل عليه طاعته, ويسرها بأسباب داخلية وخارجية
* من لطفه وإحسانه بعباده, أنه لو عجل لهم الشر إذا أتوا بأسبابه....لمحقتهم العقوبة ولكنه تعالى يمهلهم ولا يهملهم, ويعفو عن كثير من حقوقه.
* لطف الله بيوسف حيث نقله في تلك الأحوال, وأوصل إليه الشدائد والمحن, ليوصله بها إلى أعلى الغايات, ورفيع الدرجات.
* {إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} يوصل بره وإحسانه إلى العبد, من حيث لا يشعر, ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.
* من لطف الله تعالى بالعباد: أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه, لأن انتظار ذلك عبادة, وكذلك وعدُهُم بالصدقة والمعروف عند التيسير عبادة حاضرة, لأن الهم بفعل الحسنة حسنة. فينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير, وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك, ولعل الله ييسر له بسبب رجائه.
* من جهل الإنسان وعجلته, حيث يدعو على نفسه وأولاده بالشر عند الغضب, ويبادر بذلك الدعاء, كما يبادر بالدعاء في الخير, ولكن الله من لطفه يستجيب له في الخير, ولا يستجيب له في الشر.
* من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده, وهو صغير, غير عارف بمصلحة نفسه, ولا قائم بها أن أمر أولياءه بحفظه, وحفظ ماله, وإصلاحه وأن لا يقربوه { إلا بالتي هي أحسن} من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار والحرص على تنميته.
* هذا من لطفه بعباده, ونعمته العظيمة, حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. وأمرهم بدعائه, دعاء العبادة, ودعاء المسألة, ووعدهم أن يستجيب لهم.
* ومن لطفه أن أمر المؤمنين, بالعبادات الاجتماعية, التي بها تقوى عزائمهم, وتنبعث هممهم, ويحصل منهم التنافس على الخير, والرغبة فيه, واقتداء بعضهم ببعض.
* من لطفه بعبده المؤمن أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله, بما يسر له من الأسباب, الداعية إلى ذلك, من فطرته على محبة الحق والانقياد له, وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام أن يثبتوا عباده المؤمنين, ويحثوهم على الخير, ويلقوا في قلوبهم من تزين الحق ما يكون داعياً لاتباعه.
* ومن لطفه أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي, حتى أنه إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها, مما يتنافس فيه أهل الدنيا, تقطع عبده عن طاعته أو تحمله عن الغفلة عنه أو معصيته, صرفها عنه, وقدر عليه رزقه.
* من لطفه تعالى بعباده, وشكره للوالدين, أن وصَّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم, بالقول اللطيف, والكلام اللين, وبذل المال والنفقة, وغير ذلك, من وجوه الإحسان.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
المراجع: كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها:
** تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
** المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
** فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن
- التصنيف: