الحث على التبكير بالاستعداد لرمضان

منذ 2022-03-27

إنَّ الله قد امتن على عباده بمواسم خيرات، يضاعف فيها الحسنات، ويمحو السيئات، ويرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله، ورغَّب فيه عباده، وحثَّهم على اغتنامه، وأرشدهم إلى شكره عليه

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فاعلم - وفقك الله لطاعته وأعانك على ذكره وشكره وحسن عبادته - أنَّ الله قد امتن على عباده بمواسم خيرات، يضاعف فيها الحسنات، ويمحو السيئات، ويرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله[1]، ورغَّب فيه عباده، وحثَّهم على اغتنامه، وأرشدهم إلى شكره عليه.

 

ولمّا كان قدر هذا الموسم عظيمًا، كان لا بد من حسن الاستعداد له، والتبكير بذلك، والتعجيل به؛ فإنَّ المسلم في طاعةٍ ما انتظرها وأعدَّ لها[2].

 

واعلم أنَّ من أعظم الأسباب التي تحتِّم على كل ذي لُبٍّ أن يُعَجِّلَ بحسن الاستعداد لشهر رمضان بعشرٍ:

أولها: أنَّ الله لما فرض الصيام على المسلمين، ناداهم باسم الإيمان؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، والعبد يحتاج إلى أن يُزَوِّدَ إيمانه ويحققه، ولا يزيد الإيمان شيء كصالح الأعمال؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4].

 

وثانيها: امتثال أمر الله تعالى بالمسارعة إلى المغفرة واستباق الخيرات؛ قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] [المائدة: 48]، والمسارعة: المبادرة[3]، وعن ابن زيد في قوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]؛ قال: الأعمال الصالحة[4].

 

قال الحسن رحمه الله: ((إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة))[5].

 

وثالثها: أنَّ الاستعداد لرمضان دأبُ صالحي المؤمنين، وعلى رأسهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك أنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ومن بعده أصحابه رضي الله عنهم؛ فكان عمر - مثلًا - يضيء المساجد استعدادًا لرمضان، وكان السلف يتركون كل شيء ويقبلون على القرآن؛ فاستعدَّ يا عبدالله لشهرٍ تستعد له السماوات، وتستعد له الجنات، واجعل لنفسك خطةً رشيدةً، واختَرْ لنفسك غاياتٍ سديدةً، وكن عاليَ الهمة، حريصًا على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وصبِّرْ نفسَك على طاعة الله، وصبِّرْها عن معصيته؛ فأجرُ الصابرين عظيمٌ يُوَفَّوْنَهُ بغير حساب.

 

ورابعها: أنَّ رمضان موسم تجارة، و{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]، ومن أوفى من الله في الجزاء؛ فإنه تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]؛ فاستعدَّ لرمضانَ برأس مال مناسب من الإيمان والعلم، والعمل الصالح، والإقبال على الله؛ فبهذا ينشرح الصدر للإسلام، فتطمئن النفس للطاعة، وتستحلي العبادة، وإنَّ كثيرًا من المؤمنين لا يصل إلى تلك المراتب العالية، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132] [الأحقاف: 19].

 

وخامسها: أنَّ رمضان شهر مغفرة، فيجب الاستعداد له بتحصيل أسبابها، كالأوبة؛ فإنَّ الله تعالى {كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]، وكالتوبة وتجديد الإيمان والإكثار من عمل الصالحات؛ فـ{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، والله تعالى يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

 

وسادسها وهو من أهمها: أنَّ المرء لا يدري متى يحين أجله، ومتى تأتي ساعته، ومتى يفجأه الموت، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]، والمسلم في طاعة ما انتظرها، والنية الصالحة توصل إلى المطلوب، والنية الصالحة: هي التي تصدقها الأعمال؛ فلننوِ الصدق في استقبال رمضان، فإن أدركناه فقد هُدِينا والفضل كله لله، وإلا لقِينا الله بنية صالحة؛ قال يحيى بن أبي كثير: "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل"[6].

 

وسابعها: أنَّ الله وصف أيام رمضان فقال: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، فأيام الموسم قليلة معدودة، وعند انقضائه الناس فريقان: رابحٌ وخاسرٌ؛ فاختر لنفسك الربح بحسن الاستعداد، فكذلك يفعل أولو الألباب ليخرجوا من الموسم غانمين لا غارمين.

 

وثامنها: أنَّ الاستعداد لرمضان نوعُ مجاهدة، وعلامة على الإحسان، وحقٌّ على الله أن يعين من جاهد فيه، والله مع المحسنين؛ فإنه تعالى قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وهو نوعٌ من طلب الهدى، وحق على الله أن يعين من اهتدى؛ فإنه تعالى قال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17].

 

وتاسعها: أنه ((لن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه))[7]؛ فالطاعة تحتاج إلى تهيئة قبلها، وتدرج ومِران ومواظبة، حتى تعتادها النفس، ويألفها البدن، وتأنس بها الروح، ويطمئن إليها قلب المؤمن.

 

وعاشرها: أنَّ رمضان فرصة للتغيير على مستوى الفرد والجماعة؛ والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، ورمضان فرصة لتحقيق الإيمان والتقوى.

 

اللهم بلغنا رمضان، وزدنا أمنًا وإيمانًا.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] أي: فرض صيامه.

[2] في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)).

[3] ذكره القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن).

[4] رواه الطبري بسنده في تفسيره.

[5] رواه ابن أبي الدنيا في (الزهد) برقم: ٥٤١.

[6] رواه أبو نعيم في (حلية الأولياء) برقم: ٣٣٦٠.

[7] متفق عليه: رواه البخاري برقم ٣٩، ومسلم برقم ٢٨١٦.

___________________________________________________________
الكاتب: مالك بن محمد بن أحمد أبو دية