فضائل الصيام عامة وصوم شهر رمضان خاصة

منذ 2022-04-02

وإذا كانت هذه فضائل الصوم عامة، فإن صوم رمضان وهو الفريضة أعظم أجرًا وأكرم أثرًا وأحسن عواقب، ولذا جعله الله تبارك وتعالى فريضة على المؤمنين لما فيه من جليل الِحكم، وجميل العواقب في الدنيا والآخرة

الحمد لله وحده, وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده, نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإن الصيام لغة: هو الإمساك عن الشيء مطلقًا.

 

وشرعًا: هو الإمساك عن الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات بنية التقرب إلى الله تعالى، وعلى الوجه الذي شرعه الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من المسلم المكلف المقيم الصحيح القادر السالم من الموانع.

 

وفضائل الصيام كثيرة، وأجوره كبيرة، وعواقبه الحسنة على أهله في الدنيا والآخرة كثيرة، ومن ذلك:

1- الصيام سبب عظيم من أسباب التقوى المؤهلة للنجاة من النار ومجاورة الرب الكريم في الجنة مع الأخيار, قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقال سبحانه عند ذكر النار: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]، وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63]، وقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54، 55].

 

2- ومنها أنه خير لصاحبه لحسن عاقبته في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].

 

3- ومنها أنه جنة ـ أي: سترة واقية ـ من الفتن والآثام ومن النار، قال ﷺ: «الصيام جنة يستجن بها من النار» وقال ﷺ: «الصيام جنة وحصن حصين من النار كجنة أحدكم من القتال».

 

4- والصوم عمل من الأعمال التي وعد الله تعالى أهلها مغفرة وأجرًا عظيمًا، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

 

5- والصيام سبب لبعد الوجه عن النار، ثبت في الصحيحين عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا», وفي صحيح مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي ﷺ قال: «من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض»، والمراد بسبيل الله: طاعته، ويدخل فيه الصوم في الرباط وسفر الجهاد إذا لم يكن عليه فيه مشقة.

 

6- والصوم عمل لا مثل له، كما وصى النبي ﷺ به جماعة من أصحابه سألوه عن أن يدلهم على عمل ينفعهم أو عن أفضل العمل يدخل به الجنة، فقال لكل واحد منهم: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» وفي لفظ: «لا عدل له».

 

7- أنه عمل يدخل صاحبه الجنة من باب الريان، كما ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن في الجنة بابًا يُقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم؛ فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد»، وفي رواية: «في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون».

 

8- والصوم كفارة للفتن والذنوب؛ لقوله ﷺ: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي» (متفق عليه).

 

9- والصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة كما في المسند من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة».

 

10- ومن ختم له بالصوم دخل الجنة، لحديث حذيفة رضي الله عنه قال: أسندت رسول الله ﷺ إلى صدري فقال: «من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة, ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة».

 

11- والصوم يؤهل أهله للمنازل العالية في الجنة، لحديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام».

 

12- والصوم من أسباب إجابة الدعاء قال ﷺ: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر», ولحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد», وكان ابن عمرو إذا أفطر قال: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي».

 

13- والصوم زينة العمل؛ لعرضه على الله عزَّ وجلَّ، فقد كان النبي ﷺ يصوم يومي الاثنين والخميس، ويقول أنهما يومان تعرض فيهما أعمال العباد على الله عزَّ وجلَّ، فأُحب أن يُعرض عملي، وأنا صائم، فكان ﷺ يزين عمله بالصيام لمناسبة عرضه على الله عزَّ وجلَّ، وكفى بذلك شرفًا للصيام وتنبيهًا على منزلته عند الله عزَّ وجلَّ.

 

14- وهو عمل اختصه الله تعالى لنفسه، وجعل جزاءه عليه، وهو جزاء يليق بكرمه وجوده، كما في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، فعمل اختصه الله تعالى لنفسه، وجعل جزاءه عليه حري بالمؤمن أن يعنى به وأن يحبه ويرجو كرم الله تعالى في المثوبة عليه، وهو تعالى الغني الكريم.

 

وإذا كانت هذه فضائل الصوم عامة، فإن صوم رمضان وهو الفريضة أعظم أجرًا وأكرم أثرًا وأحسن عواقب، ولذا جعله الله تبارك وتعالى فريضة على المؤمنين لما فيه من جليل الِحكم، وجميل العواقب في الدنيا والآخرة، فيجتمع للمسلم هذه الفضائل كلها وغيرها في صوم الفريضة، لأنه ما تقرب أحد إلى الله تعالى بشيء أحب إليه مما افترضه الله عليه.

 

اللهم وفقنا لحسن الصيام, وطول القيام, واغفر لنا الخطايا والآثام، ونجنا من النار, وأدخلنا الجنة بسلام. آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.