تحقيق كلمة "الصيام"

منذ 2022-04-04

الصيام لفظ عربي استُعمل لمنع الخيول والآبال عن الطعام والشراب لوقت معلوم؛ لكي تتم تربيتها للصبر على الطوارئ إذا أُصيبوا بها؛

الصيام لفظ عربي استُعمل لمنع الخيول والآبال عن الطعام والشراب لوقت معلوم؛ لكي تتم تربيتها للصبر على الطوارئ إذا أُصيبوا بها؛ فقال النابغة الذبياني:

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمة    ***    تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما[2] 

 

وقال الأعشى الكبير:

وقوفًا بها كان من لأمةٍ    ***     وهنَّ صيامٌ يلُكْنَ اللُّجَم[3] 

 

وقال بشر بن أبي خازم:

وما تسعى رجالهم ولكن   ***   فضولُ الخيل مُلجَمَةٌ صيام[4] 

 

وقال المزرد أخو الشمَّاخ عن جواده:

تقول إذا أبصرتَه وهو صائمٌ    ***    خِباءٌ على نشزٍ أو السِّيدُ ماثل[5] 

 

ومنه عُنِيَ لمن لم يجد الطعام؛ فقال حسان بن ثابت الأنصاري:

إذا اغبرَّ آفاق السماء وأمحلـــتْ    ***    كأنَّ عليها ثوبَ عصب مسهَّمــا 

حسبتُ قدورَ الصاد حول بيوتنا    ***    قنابل دُهمًا في المحلة صُيَّمـــا[6] 

 

حتى استخدموه لامتناع البشر عن الطعام؛ فقال العجاج:

إذ نَذَرَ الناذرُ نذرَ المُجذَل    ***    صومًا عن الطعام والعلل[7] 

 

ويأتي للمعنى الاصطلاحي أيضًا؛ كما قال امرؤ القيس:

تعلَّق قلبي طفلةً عربيـــــــةً   ***    تنعَّم في الديباج والحلي والحللْ 

لها مقلةٌ لو أنها نظرتْ بهــــا   ***    إلى راهبٍ قد صام لله وابتهـــــلْ 

لأصبح مفتونًا معنًّى بحبِّهـا   ***    كأنْ لم يصم لله يومًا ولم يصـــلّ 

ألا ربَّ يومٍ قد لهوتُ بدلِّهــا   ***    إذا ما أبوها ليلةً غاب أو غـفــــــلْ[8] 

 

ومن هنا يأتي لمعنى الطاعة أيضًا؛ كما قال الطرماح:

وحتى استقادتْ قيسُ عيلانَ عنوةً    ***    وصامتْ تميمٌ للسيوف وصلَّتِ[9] 

 

وأما "صيام النهار" فهو تعبير عن شدة الحر عند طلوع الشمس؛ فقال امرؤ القيس:

فدع ذا وسلِّ الهم عنك بجسرة    ***    ذمولٍ إذا صام النهار وهجـــرا 

تقطَّعُ غيطانًا كأنَّ متونَهــــــــــا    ***    إذا أظهرتْ تُكسى مُلاءً مُنشَّرا[10] 

 

وقال الأعشى الكبير:

وتغتال النسوعَ بجوزِ قرْمٍ    ***    مُواشِكةَ إذا ما اليومُ صاما[11] 

 

ومنه يُعْنَى للوقوف طويلًا والثبات فقال زيد الفوارس بن حصين:

وراكدةٍ عندي طويلٍ صيامُها    ***    قسمتُ على ضوءٍ من النار مُبصِر[12] 

 

والراكدة هي القدر.

وقال العجاج:

غيرَ ثلاثٍ في المحلِّ صُيَّمِ    ***    روائمٌ أو هنَّ مثل الرُوَّم[13] 

 

وقال النعمان بن بشير الأنصاري:

فلما تداعتْ بالسجال ذَنوبُـــه    ***    بيثربَ تمري صادقَ الوبلِ مُظلِما 

ترى القُمرَ بالقيعان جئنَ بُنانَه    ***    أبابيلَ ينسفنَ الجميمَ وصُيَّمـــــا[14] 

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى فائدة هذه العملية الروحية؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183 - 185].

 

وهذه الآيات أيضًا دلَّت على أنَّ الصيام لم يكتب لكي يؤذى الإنسان؛ فإنَّ الإسلام دين يسر غيرُ عسرٍ.

___________________________________________________

المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.

 

2- ديوان الأعشى الكبير، بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م.

 

3- ديوان الطرماح، د. عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1994م.

 

4- ديوان العجَّاج، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق، 1971م.

 

5- ديوان المفضليات للمفضل الضبي، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبدالسلام محمد هارون، دار المعارف، ط6.

 

6- ديوان النابغة الذبياني، بشرح وتقديم: عباس عبدالساتر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م.

 

7- ديوان النعمان بن بشير الأنصاري، تحقيق: الدكتور يحيى الجبوي، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، ط2، 1985م.

 

8- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحَّحه: الأستاذ مصطفى عبدالشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م.

 

9- ديوان حسان بن ثابت، شرح وتقديم: الأستاذ عبدأ مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1994م.

 

10- شرح ديوان الحماسة، كتب حواشيه: غريد الشيخ، وضع فهارسه العامة: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م.

 


[1] مدير تحرير "مجلة الهند" وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

[2] ديوانه، ص 161.

[3] ديوانه، 1/ 172.

[4] ديوان المفضليات، ص 334.

[5] المصدر نفسه، ص 95.

[6] شرح ديوانه، ص 299 (جمعُ صائم؛ أي: لم يجدوا الطعام لكثرتهم).

[7] ديوانه، 1/ 292.

[8] ديوانه، ص 147.

[9] ديوانه، ص 76، صامت وصلَّت؛ أي: أطاعت.

[10] ديوانه، ص 63، أظهر: دخل في وقت الظهيرة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 17، 18].

[11] ديوانه، 2/ 440.

[12] شرح ديوان الحماسة، 2/ 986.

[13] ديوانه، 1/ 444.

[14] ديوانه، ص 110-111، والأبابيل هي من الحُمُر.

_________________________________________________________

الكاتب: د. أورنك زيب الأعظمي