من أقوال السلف في الصدقة -2

منذ 2022-04-09

* وكان صلى الله عليه وسلم أشرح الناس صدراً, وأطيبهم نفساً, وأنعمهم قلباً, فإن للصدقة وفِعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر

 

من فوائد الصدقة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله, فمنها: أنها...تطفئ الخطيئة, وتحفظ المال, وتجلب الرزق, وتفرح القلب, وتوجب الثقة بالله, وحسن الظن به, وترغم الشيطان, وتزكى النفس وتنميها, وتُحببُ العبد إلى الله وإلى خلقه, وتستُر عليه كل عيب, وتزيد في العمر, وتستجلب أدعية الناس ومحبتهم, وتدفع عن صاحبها عذاب القبر, وتكون عليه ظلاً يوم القيامة, وتشفع له عند الله, وتهون عليه شدائد الدنيا والآخرة, وتدعوه إلى سائر أعمال البر فلا تستعصي عليه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استحباب الصدقة عند التوبة.

  • الصدقة تكفيراً للخطيئة:

** قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق ) قال العلماء: أمر بالصدقة تكفيراً لخطيئته في كلامه بهذه المعصية

** قال لقمان لابنه: إذا أخطأت خطيئة فأعطِ الصدقة.

  • الصدقة شكراً للنعم, أو اندفاع الكرب:

قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب لمن حصلت له نعمة ظاهرة, أو اندفعت عنه كربة ظاهرة أن يتصدق بشيء صالح من ماله شكراً لله تعالى على إحسانه.

ثبوت الثواب في الصدقة, وإن كان الآخذ فاسقاً, وغنياً:

قال الإمام النووي رحمه الله: حديث المتصدق على سارق, وزانية, وغني, فيه ثبوت الثواب في الصدقة, وإن كان الآخذ فاسقاً, وغنياً,...هذا في صدقة التطوع, وأما الزكاة فلا يجزى دفعها إلى غنى.

  • الصدقة بالتمر:

قال الإمام النووي رحمه الله: فيه استحباب الصدقة بالتمر عند جداده.

  • الإسرار في صدقة التطوع أفضل:

** قال الإمام النووي رحمه الله: صدقة التطوع السّر فيها أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء.

** قال عبدالعزيز بن أبي رواد: كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المرض, وكتمان الصدقة, وكتمان المصيبة.

** قال الإمام الغزالي: الإخفاء فيه معان:

الأول: أنه أبقى للستر على الآخذ, فإن أخذه ظاهراً, هتك لستر المروءة, وكشف عن الحاجة, وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب, الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف.

الثاني: أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم, فإنهم ربما يحسدون, أو ينكرون عليه أخذه, ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء, أو ينسبونه إلى أخذ زيادة, والحسد وسوء الظن والغيبة من كبائر الذنوب, وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى.

الثالث: إعانة المعطي على إسرار العمل, فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر, والإعانة على إتمام المعروف معروف.

الرابع: أن في إظهاره الأخذ ذلاً وامتهاناً, وليس للمؤمن أن يذل نفسه.  

غبطة المنفقين والمتصدقين:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قول النبي صلى الله عليه وسم: (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس, ورجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته في الحق )) يعني أنه لا ينبغي لأحد أن يغبط أحداً على نعمه ويتمنى مثلها إلا أحد هذين, وذلك لما فيهما من النفع العام والإحسان المتعدي إلى الخلق: فهذا ينفعهم بعلمه, وهذا ينفعهم بماله.  

  • القرض الحسن:

قال الله تعالى: ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ  

** قال الإمام ابن القيم رحمه الله: سمى ذلك الإنفاق قرضاً حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل, لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد, طوعت له نفسه بذله, وسهل عليه إخراجه, فإن علم أن المستقرض ملي وفي محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه, فإن علم أن المستقرض يتجر له بما أقرضه, وينميه له, ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله, كان بالقرض أسمح وأسمح, فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض, وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم, فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان, وذلك من ضعف إيمانه, ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها.

** قال الإمام القرطبي رحمه الله: القرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية, طيب النفس, يبتغى به وجه الله دون الرياء والسمعة, وأن يكون من الحلال.

ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه لقوله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ }  [البقرة: 267]

وأن يخفى صدقته لقوله تعالى:{وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}  [البقرة:271]

 

وأن يكون من أحب أمواله, لقوله تعالى:  { لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}  [آل عمران:92]

وأن يتصدق في حال يأمل الحياة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة, فقال: ( «أن تعطيه وأنت صحيح شحيح, تأمل العيش, ولا تهمل, حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا, ولفلان كذا» )

وأن يكون كثيراً

وألا يمُنّ, لقوله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} ٰ [البقرة:264]

فائدة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: المن نوعان:

أحدهما: منّ بقلبه من غير أن يصرح به بلسانه, وهذا وإن لم يبطل الصدقة فهو يمنعه شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمان غيره. وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه, فلله المنَّة عليه من كل وجه, فكيف يشهد قلبُه منَّةً لغيره ؟

النوع الثاني: أن يمن بلسانه, فيعتد على من أحسن إليه بإحسانه, ويُريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقاً, وطوقه منَّةً في عنقه, ويقول: أما أعطيتك كذا وكذا ؟

وحظر الله سبحانه على عباده المن بالصنيعة, واختص به صفة لنفسه, لأن منَّ العباد تكدير وتعيير, ومنَّ الله سبحانه إفضال وتذكير.

الامتنان استعباد وكسر وإذلال لمن تمُنّ عليه, ولا تصلح العبودية والذلّ إلا لله, وأيضاً: فالمنة أن يشهد المعطى أنه هو رب الفضل والإنعام وأنه ولي النعمة ومسديها, وليس ذلك في الحقيقة إلا الله...وأيضاً فإن المعطي قد تولى الله ثوابه, وردَّ عليه أضعاف ما أعطى فبقى عوض ما أعطى عند الله, فأيّ حقًّ بقي له قِبَلَ الأخذ ؟ فإذا امتنَّ عليه فقد ظلمه ظلماً بيناً.

فائدة: قال القرطبي: المن غالباً يقع من البخيل والمعجب, فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها, والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله...وموجب ذلك الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم عليه.

  • مضاعفة الله جل جلاله للمنفق في سبيله:

قال تعالى:  {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  [البقرة:261]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قوله تعالي: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ قيل: المعنى والله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء, لا لكل منفق, بل يختص برحمته من يشاء, وذلك لتفاوت أحوال الإنفاق في نفسه, وفي صفات المنفقين وأحواله, وفي شدة الحاجة وعظم النفع وحسن الموقع, وقيل: والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك, فلا يقتصر به على السبعمائة, بل يجاوز في المضاعفة هذا المقدار إلى أضعاف كثيرة.

  • آفات تعترض المنفق والمتصدق:

قال تعالى: { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}  [البقرة:265]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المنفق تعترضه عند إنفاقه آفتان إن نجا منهما كان مثلُه ما ذكر في هذه الآية.

إحداهما: طلبه بنفقته محمدةً أو ثناءً أو غرضاً من أغراضه الدنيوية, وهذا حال أكثر المنفقين.

والآفة الثانية: ضعف نفسه بالبذل وتقاعسها وترددها: هل تفعل أم لا ؟

فالآفة الأولى تزول بابتغاء مرضاة الله, والآفة الثانية تزول بالتثبيت, فإن تثبيت النفس تشجيعها وتقويتها والإقدام بها على البذل, وهذا هو صدقها. وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها.

  • هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع:

* كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده.

* وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى, ولا يستقله.

* وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه, قليلاً كان أو كثيراً.

* وكان أجود الناس بالخير,...عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر.

* وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه, وكان سروره وفرحهُ بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه.

* وكان إذا عرض له مُحتاج, آثره على نفسه, تارةً بطعامه, وتار ةً بلباسه.

* وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه, وبحاله, وبقوله, فيُخرجُ ما عنده, ويأمُرُ بالصدقة, ويحضُّ عليها, ويدعو إليها بحاله وقوله, فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء, وكل من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى. 

* وكان صلى الله عليه وسلم أشرح الناس صدراً, وأطيبهم نفساً, وأنعمهم قلباً, فإن للصدقة وفِعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر

اللهم وفقنا إلى الاقتداء برسولك عليه الصلاة والسلام في جميع أمورنا, ومن ذلك الانفاق في سبيلك.

 

وأختم بقصة ذكرها العلامة محمد بن صالح العثيمين, عن فضل الصدقة,  قال رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال «كُلُّ امرئٍ في ظلَّ صدقته حتى يفصل بين الناس» قوله (في ظل صدقته) يحتمل أن يكون المراد بالظل. أن الله تعالى يحميه من أجل الصدقة ويحتمل أن يكون ظلاً حقيقياً والاحتمال الثاني أولى لأن الحقيقة هي الأصل والصدقة قد تكون ظلاً فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل المعاني أعياناً والأعيان معاني فهو سبحانه قادر على هذا وهذا فهذه الصدقة وإن كنت عملاً مضى وانقضى وهي فعل من أفعال المتصدق لكن المتصدق به شيء محسوس فقد يؤتى به يوم القيامة بصفة شيء محسوس بل قد ثبت عن النبي عليه السلام أن سورتي البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان, والغياية السحابة الملتفة إذا كانت قريبة من الأرض أو غمامتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما فهذا القرآن كلام الله وهو فعل القارئ ومع ذلك يجعل الثواب كأنه فرقان من طير صواف فهذه الصدقة يجعلها الله سبحانه وتعالى شيئاً محسوساً يظلُّ صاحبه وحدثني رجل إنه كان بخيلاً ولا يأذن لامرأته أن تتصدق بشيء من ماله. فرأى في المنام كأنه في يوم القيامة وكأن الشمس قريبة من الناس والناس يموج بعضهم في بعض، وهم في حرٍّ شديد ومشقة فجاء شيء مثل الكساء فظلل عليه لكن فيه ثلاثة خروق تدخل منه الشمس يقول فرأى شيئاً يشبه التمرات جاءت وسدت هذه الخروق فانتبه وهو متأثر من الرؤيا فقصُّها على زوجته قالت الذي رأيته حق جاءني فقير وأعطيته ثوباً وجاء بعده فقير فأعطيته ثلاث تمرات سبحان الله الثوب الكساء والتمرات هي التي جاءت ورقعت الشقوق الثلاثة التي في الثوب وهذا الحديث يشهد لصحتها وفيه دليل على فضيلة الصدقة.

                            كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ