من أقوال السلف في الدعاء-2
** عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا يدعون, فقيل لهم: يا بني إسرائيل تدعونه بألسنتكم وقلوبكم بعيدة ؟! باطل ما ترهبون.
تأخير إجابة الدعاء:
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب, فيكرر الدعاء وتطول المدة, ولا يرى أثراً للإجابة, فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.
وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب.
ولقد عَرَض لي من هذا الجنس, فإنه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم أر الإجابة, فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.
فقلت له: إخسأ, يا لعين,...ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك...ووسوسته, فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك...في محاربة العدو لكفى في الحكمة.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: اعلم أنه سبحانه وتعالى حكيم عليم, قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف عليه وهو نبي عليه الصلاة والسلام...ومكث يوسف في السجن بضع سنين, والداعي نبي كريم, هو يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام.
أسباب عدم إجابة الدعاء وتأخرها:
** قيل لإبراهيم بن أدهم: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه, وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته, وعرفتم القرآن فلم تعملوا به, وأكلتم نِعم الله فلم تؤدوا شكرها, وعرفتم الجنة فلم تطلبوها, وعرفتم النار فلم تهربوا منها, وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه, وعرفتم الموت فلم تستعدوا له, ودفنتم الموتى فلم تعتبروا, وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس
** قال يحيى بن معاذ: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب.
** عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا يدعون, فقيل لهم: يا بني إسرائيل تدعونه بألسنتكم وقلوبكم بعيدة ؟! باطل ما ترهبون.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل ويستبطئ الإجابة, فيتحسر, ويدع الدعاء, وهو بمنزلة من بذر بذراً, أو غرس غرساً, فجعل يتعاهده, ويسقيه, فلما استبطأ كماله وإدراكه, تركه وأهمله. وفي صحيح البخاري, من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, يقول: دعوتُ, فلم يستجب لي»
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: عدم إجابة دعاء العبد بسبب أفعال العبد, ...التوسع في الحرام أكلاً وشرباً ولبساً وتغذيةً يُعدُّ من موانع إجابة الدعاء. وقد دلت نصوص أخرى على أن هناك أسباباً أخرى لمنع إجابة الدعاء, منها: التوسع في المعاصي. ومنها أيضاً ترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, ولذلك ينبغي للعباد أن يحرصوا على جلب أسباب إجابة الدعاء, ودفع موانع إجابة الدعاء.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: عليك أيها السائل وعلى كل مسلم ومسلمة, إذا تأخرت الإجابة أن ترجع إلى نفسك, وأن تحاسبها, فإن الله حكيم عليم, قد يؤخر الإجابة لحكمة بالغة, ليكثر دعاء العبد لخالقه, وانكساره بين يديه, وذله لعظمته, وإلحاحه في طلب حاجته, وكثرة تضرعه إليه, وخشوعه بين يديه, ليحصل له من الخير العظيم والفوائد الكثيرة, وصلاح القلب والإقبال على ربه, ما هو أعظم من حاجته, وأنفع له منها.
وقد يؤجلها سبحانه وتعالى لأسباب أخرى, منها: ما أنت متلبس به من المعاصي: كأكل الحرام, وعقوق الوالدين, وغير ذلك من أنواع المعاصي. فيجب على الداعي أن يحاسب نفسه, وأن يبادر إلى التوبة رجاء أن يتقبل الله توبته, ويجب دعوته.
**قيل لجعفر بن محمد إنا ندعو الله فلا نرى الإجابة قال لأنكم تدعون من لا تعرفون
- الدعاء للشخص دليل على محبته:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته, لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه.
- الدعاء والبركة في الوقت:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: المتقدمون بارك الله عز وجل لهم في أوقاتهم ولا شك أن هذا له أسباب, وأظن أن أعظم تلك الأسباب هو إخلاصهم لله عز وجل, وكثرة الرغب والدعاء إلى الله عز وجل بالمباركة.
الدعاء عبادة وخير:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الدعاء خير كله, وعبادة وحسن عمل, والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
ــــــــــــــــــــــــ
- الدعاء على الكفار قد يكون من الإحسان إليهم:
قال الشيخ الشثري: الدعاء على الكفار إذا كان المرء محسناً بهم إليه فهو مشروع, وذلك أنه إذا كان هناك من يصد عن دين الله, فتدعو الله بأن يبعد عنه قوته وقدرته ولا يمكنه من الاستمرار في إضلال الخلق, فهذا من الإحسان إليه مع أنه دعاء عليه فقد تدعو عليه بالموت من باب الإحسان إليه حتى لا يستمر في كفره ومضادته لله
- حكم وأسرار في عدم استجابة الدعاء:
قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: دعوات الأنبياء وغير الأنبياء قد تستجاب لما فيها من المصالح العظيمة, وقد لا تستجاب لحكمة بالغة أرادها الله سبحانه وتعالى, فليس كل دعوة من الأنبياء وغيرهم تستجاب أبداً وإن كان الأنبياء أولى الناس بالاستجابة, وأحقهم بالاستجابة لفضلهم وتقدمهم على غيرهم بالعلم والعمل ولكن ربك حكيم عليم جل وعلا فهو أحكم وأعلم سبحانه وتعالى, فهو أعلم بأحوال عباده, فقد تكون الدعوة محل استجابة لحكم وأسرار, وقد تكون ليست محل الإجابة لحكم وأسرار خفيت على من دعا.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية, وسُهيل بن عمرو والحارث بن هشام, فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران:128]
وفي هذا دلالة على أنه وإن كان هو رسول الله علية الصلاة والسلام فإن دعوته قد تستجاب وقد لا تستجاب, لأن الله حكيم عليم سبحانه وتعالى, فهو أعلم بأحوال عباه, فقد يستجيب دعاءه, وينجز له ما طلبه, وقد لا يستجيب دعاءه لحكمة بالغة كما هنا, فقد دعا عليهم علية الصلاة والسلام ولم يستجب له فيهم, بل هداهم الله وأسلموا رضي الله عنهم وأرضاهم.
- البسط في الدعاء, وفوائده:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مقام الدعاء يقتضى البسط, لأمور:
الأول: -وهو أهمها لمن فتح الله قلبه- التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل, لأن كل واحد منَّا لو كان له صديق محبوب إليه فإنه يحب أن يبسط ويُكثر معه القول, وإذا جلس إليه وقاما يتحدثان تمضى الساعات الطويلة وكأنها دقائق.
الأمر الثاني: أن الدعاء عبادة, وكلما كررت ازددت لله تعبداً, فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء
الأمر الثالث: أن البسط والتفصيل يُوجب تذكُّر الإنسان كل هذه الأنواع التي بسطها وبيَّنها وفصَّلها, واستحضار الإنسان لذنوبه تفصيلاً أكمل في التوبة, لأن التوبة المُجملة لا تستوعب جميع الذنوب استحضاراً وإن كانت تستوعبها لفظاً ومدلولاً, فمثلاً: لو قال الإنسان: اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه, وهو قد فعل ذنوباً قد تكون أكبر مما يتصوره الآن, لكن غابت عن باله, فإذا ذكر وفصَّل كان هذا أبلغ في التوبة, لأن الدلالة على تعين الأفراد أقوى من الدلالة على العموم.
وقال رحمه الله: وانظر إلى قول الرسول علية الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لي ذنبي كُلَّهُ, دقَّهُ وجلَّهُ, علانيتهُ وسرَّهُ, وأولهُ وآخرهُ, اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرتُ, وما أعلنت وما أسررت, وما أنت أعلمُ به منِّي) يكفى عن هذا كله أن يقول: ( اللهم اغفر ذنبي, لكن البسط له تأثير على القلب.
الدعاء والعمل:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: روى عن بعض التابعين أنه كان يقول: الداعي بلا عمل, كالرامي بلا وتر.
- من منافع وفوائد الدعاء:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الدعاء...من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب, ولكن قد يتخلف عنه أثره, إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان, وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء,...وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام, والظلم, ورين الذنوب على القلوب, واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.
** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: الدعاء أكرم شيء على الله سبحانه, وهو طريق إلى الصبر في سبيل الله, وصدق في اللجأ, وتفويض الأمور إليه, والتوكل عليه, وبُعدٍ عن العجز والكسل, وتنعم بلذة المناجاة لله, فيزداد إيمان الداعي ويقوى يقينه, والله سبحانه يحب من عبده أن يسأله
وملازمة الدعاء, أخذ بأسباب دفع البلاء, ودفع الشقاء....وكم من بلاء رُدّ بسبب الدعاء, فكم من بلية ومحنة رفعها الله تعالى بالدعاء, ومصيبة كشفها بالدعاء, وذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء, فهو حرز للنفس من الشيطان
وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة استُجلبت بسبب الدعاء, من نصر وعز وتمكين ورفع درجات في الدنيا والآخرة, فلله ما أعظم شأن الدعاء, وأعظم فضل الله ونعمته على عباده به.
ولا يغيب عن بال الداعي أنه يحصل بسبب الدعاء: سكينة في النفس, وانشراحاً في الصدر, وصبراً يسهل معه احتمال الواردات عليه, وهذا نوع عظيم من أنواع الاستجابة.
- دعوات الداعي لا تضيع عليه:
** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: في الحديث: ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه, فإما أن يعجلها, وإما أن يؤخرها, وأما أن يدخرها له في الآخرة, فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب, وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه, قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: هذا الحديث: ( ما من مسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم, إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا, وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها ) قالوا: يا رسول الله إذا نكثر, قال:(اللهُ أكثر )
هذا الحديث حديث عظيم جليل وهو صحيح, وهو يدل على أن دعوات الداعي لا تضيع عليه, بل هو على خير, فإما أن تعجل له الدعوة في الدنيا ويعطى مطلوبه, وإما أن تدخر له في الآخرة, ن ذلك أنفع له, والله أعلم بمصالح عباده, وهو أعلم بأحوالهم سبحانه وتعالى, وهو أعلم بما يصلحهم, وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك, أشياء وقاه الله شرها بسبب دعواته.
الدعاء ذل وخضوع:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من أنواع العبادات التي يظهر فيها الذلُّ والخضوع لله عز وجل: الدعاء. قال الله عز وجل: {ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً} [الأعراف:55] وقال: {إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]
إظهار الذل والانكسار في الدعاء:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: افتقار القلب في الدعاء وانكساره لله عز وجل, واستشعار الفاقة إليه والحاجة. وفي المسند والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاه»
وإظهار الذل باللسان في نفس السؤال والدعاء والإلحاحُ فيه.
الدعاء المسموع:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لكل شيء ثمرة, وثمرة الصلاة الدعاء, وقال أيضاً: لا يسمع الله دعاء مسمع, ولا مراء, ولا لاعب.
الذي يؤمن على الدعاء يكون شريكاً للداعي:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: قال لله تعالى: {قد أجيبت دعوتكما} هذا دليل على أن موسى كان يدعو, وهارون يُؤمّن على دعائه, وأن الذي يؤمن يكون شريكاً للداعي في ذلك الدعاء.
المواظبة على الدعاء:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: روى أبو معاوية عن هشام بن عروة, عن أبيه أنه كان يواظب على حزبه من الدعاء كما يواظب على حزبه من القرآن.
إجابة الدعاء لأهل الإيمان, ولو مرة في عمره:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: لكل نبي دعوات مستجابات, ولغير الأنبياء أيضاً دعوات مستجابات, وما يكاد أحد من أهل الإيمان يخلو من أن تجب دعوته, ولو مرة في عمره, فإن الله عز وجل يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: