سنية السحور للصائم وفضله
«تسحَّروا؛ فإن في السحور بركةً»؛ متفق عليه[2]، فدلَّ الحديث على الترغيب في السحور، والأظهر أنه سُنَّة مؤكَّدة؛ لكثرة النصوص التي تحثُّ عليه مع ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب، فإنهم لا يتسحَّرون..
سُنيَّة السحور للصائم وفضله
تعريفه وحكمه:
السُّحور (بالضم): الأكل أو الشرب في وقت السحر بنية الصوم، ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تسحَّروا؛ فإن في السحور [1] بركةً»؛ متفق عليه[2]، فدلَّ الحديث على الترغيب في السحور، والأظهر أنه سُنَّة مؤكَّدة؛ لكثرة النصوص التي تحثُّ عليه مع ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب، فإنهم لا يتسحَّرون[3].
وقت السحور:
يبدأ وقت السحور من آخِر الليل قبيل الصبح إلى طلوع الفجر الصادق، وحدَّد بدايتَه بعض العلماء بالفجر الكاذب، وعبَّر بعضهم فقال: هو ما بين الفجرين الصادق والكاذب، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: والسَّحَر قبيل الصبح، وقيل: أوله الفجر الأول؛ اهـ[4]، وقال بعض العلماء: يبدأ من السدس الأخير من الليل، وهذا قريب مما تقدَّم، وأما قول النووي وغيره من الفقهاء - رحمهم الله -: يبدأ وقتُه من نصف الليل، فهو قول ضعيف، لا تعضده السنَّة ولا اللغة[5].
والسنَّة تأخير السحور؛ بحيث يكون الانتهاء منه عند الأذان الثاني لصلاة الفجر.
أقل السحور:
أطلَق الحديث السحور، فدل على أنه يُجزئ فيه أقل ما يسمى سحورًا؛ قليلاً كان أم كثيرًا، فمن تسحَّر بالقليل دخل في بركة السحور، فيَنبغي للمسلم ألا يدع السحور ولو بشربة ماء أو بتمرة أو بغير ذلك.
أفضل ما يُتسحَّر به:
من أفضل ما يُتسحَّر به الماء والتمر، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسحَّر بهما؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك في السحر: «يا أنس، إني أريد الصيام، فأطعمني شيئًا»، قال: فجئتُه بتمر وإناء فيه ماء؛ رواه أحمد[6].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نِعم سُحور المؤمن التمر»؛ رواه أبو داود[7].
برَكة السحور:
دلَّ الحديث على أن في السحور بركة، وهذه البركة المذكورة في الحديث تشمَل نوعين من البركة[8]: أولهما: البركة الشرعيَّة؛ وذلك لما فيه من امتثالِ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به واتِّباع سنته، وحصول الأجر والثواب، والتسبُّب في الذكر والدعاء والاستغفار في وقت السَّحر الذي هو مظنَّة الإجابة، كما أن فيه مخالفة لأهل الكتاب؛ حيث إنه ليس في صيامهم أكلة السحَر.
وثانيهما: البركة البدنيَّة؛ وذلك لما فيه من تغذية البدن وقوَّته على الصوم، والزيادة في النشاط ومُدافَعة سوء الخلُق الذي يُثيره الجوع؛ ولهذا ينصح الأطباء بالسحور؛ لأنه يدرأ عن الصائم (صداع الجوع)، الذي يقع لبعض الصائمين الذين لا يتسحَّرون، وسببه: هبوط نسبة السكر في الدم، كما يَنصح الأطباء أن يتضمَّن السحور طعامًا حلوًا كالتمر ونحوه؛ وذلك لأن في التمر نسبةً عاليةً من السكريات التي توفِّر الطاقة للجسم خلال فترة الصوم[9].
[1] قال النووي والحافظ، وغيرهما: هو بفتح السين وبضمِّها، فالمفتوح اسم للمأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا، (شرح النووي على صحيح مسلم 7: 205، وفتح الباري 4: 140)، قال ابن الأثير (النهاية في غريب الأثر 2: 347): وأكثر ما يُروى بالفتح، وقيل: إن الصواب بالضمِّ؛ لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام؛ اهـ، قلت: وقد يقال: البركة في الطعام نفسه ما دام يؤكل اتباعًا للسنة، فتظهر بركته على الصائم.
[2] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب برَكة السحور من غير إيجاب 2: 678 (1823)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استِحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر 2: 770 (1095).
[3] عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكل السحر))؛ رواه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه 2: 770 (1096).
[4] فتح الباري 2: 487.
[5] ينظر في المسألة: المجموع 6: 379، ومغني المحتاج 1: 139، وحاشية ابن عابدين 3: 781، وحاشية الدسوقي 1: 515، وفتح الباري 2: 487، وعمدة القاري 4: 272، و7: 180، ومرقاة المفاتيح 4: 416، وعون المعبود 6: 336، ولسان العرب 4: 350، ومقاييس اللغة لابن فارس 3: 138، والقاموس وشرحه للزبيدي، مادة: (سحر)، والمحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1: 412، والاستذكار 1: 397، وإحياء علوم الدين 1: 347.
[6] رواه عبدالرزاق 4: 229 (7605) بإسناد صحيح، وعنه رواه الإمام أحمد 3: 197، ومن طريق عبدالرزاق رواه النسائي 4: 147 (2167)، ومن طريق أحمد رواه الضياء في الأحاديث المختارة 7: 98 (2512).
[7] رواه أبو داود في كتاب الصوم، باب من سمَّى السحور الغداء 2: 303 (2345)، وصحَّحه ابن حبان 8: 253 (3475)، والألباني في السلسلة الصحيحة 2: 99 (562).
[8] يُنظَر: فتح الباري 4: 139، وشرح النووي على صحيح مسلم 7: 206، والمَجموع 6: 379، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين 19: 362.
[9] يُنظَر: الموسوعة الطبية الفقهية للدكتور أحمد كنعان (ص: 621).
- التصنيف: