من أقوال السلف في التقوى -1
إذا أنت لم تلبس لباساً من التقى تقلبت عُرياناً وإن كنـــــت كاســـياً
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فما أكثر الواعظين بالتقوى فما عدد العاملين بها؟ قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: تقوى الله الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل.
نسأل الله الكريم أن نكون جميعاً من هؤلاء القليل, فالتقوى لباس ساتر للعبد, بدونه يصير عرياناً, قال أبو العتاهية رحمه الله:
إذا أنت لم تلبس لباساً من التقى تقلبت عُرياناً وإن كنـــــت كاســـياً
فطوبى لعبد كانت التقوى لباسه, قال عز وجل: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌۚ} [الأعراف:26] قال العلامة السعدي رحمه الله: لباس التقوى يستمر مع العبد, ولا يبلى ولا يبيد, وهو جمال القلب والروح.
للسلف أقوال في التقوى, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله أن ينفعني والجميع بها.
- تعريف التقوى:
** قيل لطلق بن حبيب: صف لنا التقوى, فقال: اعمل بطاعة الله على نور من الله, ترجو ثواب الله, واترك المعاصي على نور من الله, مخافة عقاب الله عز وجل.
** قال الحسن رحمه الله: التقوى ما وقر في القلب, وصدقه القول والفعل.
** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره...وقايةً تقيه من ذلك, وهو فعل طاعته, واجتناب معاصيه.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: التقوى فُسِّرت بعدة تفاسير، وأحسنها أن يقال: إن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
- تمام التقوى:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تمام التقوى أن يتقي الله عز وجل العبد حتى يتقيه في مثل مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً, يكون حاجزاً بينه وبين الحرام.
- فضيلة التقوى:
قال العلامة السعدي رحمه الله: كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر, وأن عاقبة أهلها أحسن العواقب لقوله: ﴿ { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ﴾ [سورة يوسف:90]
- مراتب التقوى:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: التقوى ثلاث مراتب:
إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات. الثانية: حميتها عن المكروهات. الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني. فالأولى تُعطى العبد حياته والثانية تفيدُهُ صحته وقوته والثالثة تكسبُهُ سروره وفرحهُ وبهجته.
- الزاد الحقيقي: زاد التقوى:
قال العلامة السعدي رحمه الله: الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه, فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار, وهو الموصل لأكمل لذة, وأجل نعيم دائماً أبداً, ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر, وممنوع من الوصول إلى دار المتقين.
- تقوى الله والعلم:
قال العلامة السعدي رحمه الله: تقوى الله وسيلة إلى حصول العلم.
ـــــــــــــــــ
- التقوى شرف الدنيا والآخرة
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض الحكماء: ظاهر التقوى شرف الدنيا, وباطنها شرف الآخرة.
- التقوى والسعادة والفلاح:
قال العلامة السعدي رحمه الله: امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة, وعلامة الفلاح
وقال: ينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية, وهو التقوى.
- تقوى الله وتقوى الناس:
قال سفيان الثوري: أوصيك بتقوى الله, فإنك إن أتقيت الله كفاك الناس, وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً, فعليك بتقوى الله.
- تقوى الغضب والطمع:
** قال بشر بن الحارث الحافي: لا يكون العبد تقياً حتى يكون تقي الغضب.
** قال بكر بن عبدالله المزني البصري :لا يكون العبد تقياً حتى يكون تقي الطمع تقي الغضب.
- التقوى والشهوة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كل من كان أتقى لله فشهوته أشدّ لأن الذي لا يتقي
يتفرج بالنظر ونحوه.
- تقوى الله والرؤيا:
كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا, قال له: اتق الله في اليقظة , لا يضرك ما رأيت في المنام.
المتقون:
** قال سفيان بن عيينة: إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى.
** قال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين, حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لله ضمن للمتقين أن يجعل لهم مخرجاً مما يضيق على الناس, وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون, فيدفع عنهم ما يضرهم, ويجلب لهم ما يحتاجون إليه, فإذا لم يحصل ذلك دلَّ على أن في التقوى خللاً, فليستغفر الله وليتب إليه. وقال: من لم يقف عند أمر الله ونهية, فليس من المتقين.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: المؤمن الصالح التقي يكون مباركاً أينما كان, مباركاً على أهله, مباركاً على أصحابه, لا يُسمع منه إلا القول السديد, ولا يحصل منه إلا الإحسان فتجده ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء, بل هو كريم الأخلاق.
** قال العلامة السعدي رحمه الله:
& المتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية
& أخبر تعالى أنه {مَعَ الْمُتَّقِينَ } أي: بالعون والنصر والتأييد والتوفيق, ومن كان الله معه حصل له السعادة الأبدية.
& المتقون في أعلى الدرجات, متمتعين بأنواع النعيم والسرور, والبهجة والحبور, والكفار تحتهم في أسفل الدركات, معذبين بأنواع العذاب, والإهانة, والشقاء السرمدي الذي لا منتهى له.
- التقوى ومحبة الناس:
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ابن آدم اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا.
ــــــــــــــــ
- أحوال من قيل لهم: اتق الله:
** عن يزيد بن كميت, قال: سمعت رجلاً يقول لأبي حنيفة: اتق الله, فانتفض واصفر وأطرق, وقال: جزاك الله خيراً, ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا.
** مالك بن مغول بن عاصم, قال له رجل: اتق الله, فوضع خذه بالأرض.
** عبدالله بن خالد الكوفي الفقيه, قال له رجل في حكومة: اتقِ الله, فوضع يده على رأسه, وعنف نفسه, ووبخها.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد، وربما سقط من مخافة الله عز وجل، وأدركنا من الناس من هذه حاله؛ أي: أنك إذا قلت له: اتقِ الله، اضطرب واحمرَّ وجهُه وخشع، والآن بالعكس، إذا قلت له: اتق الله، قال: ماذا فعلت؟ مع أنه منتهكٌ لحرمات الله عز وجل، فالواجب على العبد تقوى الله عز وجل امتثالًا لأمره تعالى.
- حال من لم يتق الله:
قال العلامة السعدي رحمه الله: من لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه, فوكله إلى نفسه, فصار هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد.
وقال: ومن لم يتق الله, يقع في الآصار والأغلال, التي لا يقدر على التخلص منها, والخروج من تبعتها, واعتبر ذلك في الطلاق, فإن العبد إذا لم يتق الله فيه, بل أوقعه على الوجه المحرم, كالثلاث ونحوها, فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها, والخروج منها.
قال جعفر الصادق: لا زاد أفضل من التقوى
- التصنيف: