فضل صلاة الجمعة

منذ 2022-04-29

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

أعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى فرض عليكم صلاة الجمعة مرة واحدة في الأسبوع وجعلها فرض عين تلزم كل إنسان بعينه، وفي ذلك معنى الاجتماع المطلق للصغير والكبير، والسر في هذا الاجتماع الإسلامي في الساجد يوم الجمعة لأداء هذه الفريضة أن الله سبحانه وتعالى يريد من المسلمين إعلان الولاء الفردي والاجتماعي له سبحانه، يريد من كل فرد أن يعلن ولاءه المطلق الواحد الأحد الفرد الصمد، ويعلن ولاءه الجماعي في جمع من المسلمين ليتم صرف الولاء لوجه الله وحده. والولاء عبادة قولية فعلية يظهر فيها معنى الإتباع والخضوع والتذلل والانكسار أمام الإله الواحد العظيم الذي لا يجازي إلا هو، وفي مفهوم التجمع يوم الجمعة- أيها المؤمنون- معنى القضاء على الكبر في النفوس وربطها بخالقها، وأستمع- أخي المسلم- إلى قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

 

تأمل أخي المسلم هذا النص الكريم فقد بدأ بيا أيها الذين آمنوا، ثم أعقبه النداء للصلاة، ولكن أي صلاة إنها صلاة الجمعة، ولسر ما جاء التعبير بقوله للصلاة دون إلى، ولسر ما خصصت الآية الكريمة هذه الصلاة بصلاة الجمعة، ولسر ما تكرر الأمر القرآني مرتين من قول الحق سبحانه: فاسعوا إلى ذكر الله- ذروا البيع.

 

ومن أعظم أسرار صلاة الجمعة في جمع من المسلمين ظهور التساوي بينهم غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، قويهم وضعيفهم، حتى إذا ما رأى الضعيف من هو أقوى منه والفقير من هو أغنى منه، والصغير من هو أكبر من هو مساويا له في حركة الحياة التعبدية في الركوع والسجود لله وحده، حينما يستقر مرأى هذا المشهد في مكان واحد أمام الإله الواحد يستقر في أذهان الجميع أنهم خلق الله وعبيده، يذهبون إلى مصلاهم مرة في الأسبوع للارتباط بخالقهم، ذلك الارتباط الذي نوهت عنه الآية الكريمة من قول الله تبارك وتعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}  [الجمعة: 9].

 

وذكر الله -أيها العباد المؤمنون- يتحقق في كل عمل خيري يراد به وجه الله تعالى من صلاة وتلفظ وتلاوة قرآن ورفع دعوات وأداء حق بإحسان وإعراض عن الشر لفتح باب الخير في ضمير المسلم ونفسه وقلبه وروحه حتى يكون كتلة واحدة متجهة إلى خالقها لا تعمل إلا له ولا تقول إلا من أجله.

 

أن تروا- يا عباد الله- أننا- نحن المسلمين جميعا نقول في كل صلاة مفروضة أو نافلة. {نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 5، 6]، نعم إنه الصراط المستقيم، ولكن صراط من؟ إنه صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، والصراط المستقيم أي المنهج السوي الذي يسير عليه المسلم للقيام بواجبات الدين وفرائضه وفق طريق مشروع صحيح، والغضب هو هيجان النفسي لإثارة الانتقام، والضلال هو تنكب جادة الحق والعدول عن الطريق السوي المستقيم.

 

عباد الله:

إذا تأملنا الغايات والأهداف والأسرار من فرضية صلاة الجمعة ألفينا مقاصد حميدة ومعاني سامية وغايات نبيلة تحققها هذه الصلاة المفروضة على كل مسلم بعينه مرة واحدة في نهاية كل أسبوع.

 

ومن هذه الأسرار:

أن يوم الجمعة يوم عظيم، وموسم كريم ادخره الله تعالى للمسلمين عبر العصور الماضية إلى مبعثهم جميعا، واختصهم به، وفتح لهم فيه أبواب الرحمة، وأوسع لهم فيه الخير، وأجزل لهم فيه العطاء، وجعله أفضل أيام الأسبوع وخاتمة أعمال المسلم طوال سبعة أيام من أسابيع أشهر السنة كلها.

 

فهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين يجتمعون فيه على الذكر والصلاة في الدنيا، ويوم كرامة ورفعة ومزيد وقدر لهم في الآخرة، وله ما يقرب من ثلاث وثلاثين خاصية ذكرها العلماء في كتب الفقه والحديث، وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه فهدانا الله إليه، فالناس لنا فيه تبع لليهود السبت، وللنصارى الأحد. ودليل خصوصية لنا خطاب الله جل وعلا بقوله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]. وترك البيع والشراء والسعي إلى ذكر الله دليل على ما في هذا اليوم من الخير للمسلمين. ذلك اليوم الذي ما طلعت الشمس على أفضل منه- فعسى أن نذكر الله فيذكرنا، وندعوه فيستجيب لنا ونتوب إليه فيتوب علينا.

 

أيها الإخوة المؤمنون:

إنه بتأمل هذه الآية الكريمة يتضح لكل مسلم أن حضور الجمعة فرض عين على كل مكلف، والسنة الشريفة تؤكد ذلك على كل مسلم ذكر حر مكلف مستوطن، وتوضح أن السعي إلى ذكر الله وترك البيع والشراء وكل ما يصد عن ذكر الله - بعد أذان الخطبة واجب على كل من تجب عليه الجمعة، وأن من صد عن ذكر الله من يوم الجمعة وتأخر إلى أن تقام الصلاة عمدا بدون عذر فهو آثم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11].

لقد حث الشرع الحكيم على شهود الجمعة وحضورها وأدائها واغتنامها كما مر بنا. ويقول سعيد بن المسيب التابعي المشهور بعلمه وورعه وزهده وتقواه: شهود الجمعة أحب إلي من حجة نافلة.

 

وإذا تأملنا في فضل شهود الجمعة في السنة النبوية الشريفة علمنا أن في فضلها شبها من فضل الحج على قدر السبق، فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المساجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة. فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر».

 

أيها الإخوة في الله- في هذه الحديث الشريف بشارة وأي بشارة للمسلمين في اجتماعهم في مثل هذا اليوم من أيام الجمع، فيه مغنم وأي مغنم للشيوخ في شيوخهم، وفيه عوض وأي عوض للضعفاء في ضعفهم، وفيه مغايرة للباعة في بيعهم وشرائهم.

 

ومن تمام نعمة الله في هذا البلد أن جعل يوم الجمعة عطلة رسمية، فيها يتمكن المسلم من الاستعداد لحضور الجمعة. لكن هذه العطلة عند بعض من الناس- انقلبت مفهومها فأصبح الناس فيها فريقين. فريق نور الله قلوبهم بالإيمان فعلموا أن الجمعة من أوكد فروض الإسلام، ويومها من أفضل الأيام، واجتماعها من أفضل الاجتماعات، ومناسبتها من أجل المناسبات فحرصوا عليها واحتسبوا لها، وحبسوا لها أنفسهم عل شهودها، واستعدوا لها بالغسل وأجمل الثياب وأنفس النفحات من الطيب، فكانت هذه العطلة في حقهم عونا لهم على طاعة الله وطاعة رسوله، وسببا في التزود من الخير وعلو الدرجات.

 

والله- سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

وفريق- خسر بهذه العطلة، إذ ضعف إيمان أهله، وقست قلوبهم واستحكم جهلهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم فخرجوا وابتعدوا عن شهود الجمعة إلى ضواحي البلد بحجج مختلفة، وأعذار واهية، فتارة باسم الترفيه عن النفوس، وأخرى باسم النزهة والتفرج، حتى إذا ما خرجوا وابتعدوا عن الجمعة والجماعة هجم عليهم الشيطان وتولاهم بأفكاره وأمانيه وزين لهم ما هم عليه من الصدود عن الحق والطاعة، وما هم فيه من المرح واللهو فخسروا هذه المفروضة وأفلسوا من الخير بانقضاء العطلة في السهو واللهو، ورجعوا إلى مساكنهم بالخيبة، وقد يأخذهم الله تعالى في مخرجهم ببعض ما اكتسبوا فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

 

ثم ما حجة هؤلاء وما عذرهم في خروجهم هذا إلى بعض المتنزهات البعيدة، وقد كثرت- ولله الحمد- أماكن النزهة من كل حدب في كل أحياء المدن والقرى. إنه في إمكان كل فرد ألا يخرج بنفسه وعياله إلى أقرب متنزه مما يليه، وفي إمكانه أن يؤدي صلاة الجمعة في أقرب مسجد جامع يليه. فاتقوا الله عباد الله وتذكروا قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

______________________________________________________
الكاتب: د. محمد بن سعد الدبل