آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
وهو سبحانه العفو الغفور الودود الذي يغفر الذنوب جميعا ، ولا يتعاظمه ذنب مهما عظم أو تفاحش ، وهو يحب التوابين
{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }
اقرأ كتاب الله تعالى ، وتأمل الجمع بين هذه الأمور كلها ، دون إشكال ولا اضطراب ، وآمن بها جميعا على ما أمر الله به ورسوله ، واجمع بين معرفة الحق والجهر به ، والرحمة بالخلق والرفق بهم ، والقيام بالأمر وإعذار الناس ، والحرص على هدايتهم دون تفريط في الشرع ، والجمع بين تلك المشاهد كلها دون شطط ولا جور ، ووضع كل شيء في موضعه دون إفراط ولا تفريط ، ولا تكن من الذين جعلوا القرآن عضين ، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، بل ليكن حالك ومقالك { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}
- الله سبحانه ( غفور رحيم ) وذو مغفرة للناس على ظلمهم ، وهو أيضا ( شديد العقاب ) وعذابه هو العذاب الأليم قال تعالى { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ }
- وهو سبحانه الرحيم الرحمان الذي كتب على نفسه الرحمة ، ووسعت رحمته كل شيء ، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، لكنه سبحانه كتب رحمته للذين آمنوا وكانوا يتقون { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }
- وهو سبحانه العفو الغفور الودود الذي يغفر الذنوب جميعا ، ولا يتعاظمه ذنب مهما عظم أو تفاحش ، وهو يحب التوابين ، ويقبل توبتهم ويفرح بها ، يبدل سيئاتهم حسنات ، ويريد أن يتوب على عباده ويدعوهم إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، وقد أمر نبيه بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، وأخبر أن ملائكته وحملة عرشه يستغفرون لمن في الأرض {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}
وهو سبحانه أيضا الذي يغضب على الفاسقين والكافرين ويلعنهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ . وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} كما أنه سبحانه لا يغفر أن يشرك به وقد نهى عن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين أنهم أصحاب الجحيم { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
- وهو سبحانه الحليم الذي يمهل العباد ، ويرفق بهم ، ولا يعجل لهم العقوبة ولو آخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة ، لكن أخذه سبحانه بعد طول الإمهال شديد ، وعذابه أليم عظيم مهين كبير لا مثيل له ولا نظير {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ . وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }
- وهو سبحانه الذي أعد للطائعين الجنة دار النعيم ، وجعل فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، ووعدهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وأعطى أهلها نعيما وملكا كبيرا ، وحال بينهم وبين الموت والخوف والحزن ، ومتعهم بالنظر إلى وجه الكريم .
وهو سبحانه الذي خلق النار دار الشقاء والجحيم وجعل طعام أهلها الضريع والغسلين وشرابهم المهل الذي يشوي الوجوه وتركهم فيها مخلدين إن ماتوا غير موحدين ، لا يخرجون منها ولا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم العذاب ولو يوما واحدا { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ . وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ }
- وهو سبحانه الذي كرم بنى آدم وجعلهم خلفاء الأرض وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا وخلقهم في أحسن تقويم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }
لكنه سبحانه الذي جعل الكافرين منهم في أسفل سافلين ووصفهم بأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، وضرب مثلا لبعض فسقتهم بالحمار يحمل أسفارا وبالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} ومسخ بعض المتحايلين على دينه قردة خاسئين {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}
- وهو سبحانه يحب الرفق في الأمور كلها ، ويأمر به ، ويعطي عليه ما لا يعطي على الشدة والعنف ، ويحب المؤمنين والمتقين و العافين عن الناس ويجازيهم من جنس أعمالهم ، وهو أيضا سبحانه الذي لا يحب الفاسقين ولا الظالمين ولا الكافرين ويبغض المتكبرين المتجبرين ، وقد لعن الكافرين والمنافقين {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا .خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا .يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}
- وهو سبحانه الذي أمر عباده أن يقولوا للناس حسنا ، وأن يقولوا قولا لينا ، وأن يدعو إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } وجعل دينه يسرا لا عسر فيه ونفى عنه أي حرج وآصار وأغلال
وهو سبحانه أيضا الذي أمر بجهاد الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
كما شرع سبحانه الحدود زواجر وجوابر فشرع القصاص ورجم الزاني المحصن وجلد غير المحصن ونهانا سبحانه أن تأخذنا رأفة أو شفقة عند تطبيق الحدود { فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وأمرنا سبحانه ألا نقبل شهادة أبدا من قاذفي الأعراض إلا إن تابوا ووصفهم بالفاسقين { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: