أذكار الصباح والمساء الحصن الحصين

منذ 2022-05-17

أَذكَارُ الصَّباحِ والمسَاءِ أَشَدُّ مِن سُورِ يَأجوجَ ومَأجُوجَ في التَّحصُّنِ لِمَنْ قالَهَا بحضُورِ قَلبٍ، ويَبدَأُ وَقتُ أَذكارِ الصَّباحِ والمساءِ مِن طُلُوعِ الفَجرِ إلى شُروقِ الشَّمسِ

أيهَا المؤمنونَ: تَقدَّم رجل ٌلخطبةِ امرأةٍ، وكانتْ هذه المرأةُ على قَدرٍ كبيرٍ مِن رَجَاحةِ العقلِ والتَّديُّنِ والَجمالِ، فاستخارتْ المرأةُ ربَّها، ولم تجدْ قبولًا لهذا الرَّجلِ، فاعتذرتْ إليه، ولكنَّه كان حريصًا جدًا للظَّفْرِ بتلك المرأةِ، فتقدَّمَ مَرةً أُخرى، واعتذرتْ أيضًا، فقال لمَن حولَه: والله لأتزوَّجنها ولو على سَبيلِ النِّكايةِ والعِنَادِ، فذهبَ إلى ساحرٍ شَهيرٍ في أحدِ البِلاد، فدَفعَ له مبلغًا باهظًا مِن المال، وطلبَ منه عَملَ أيِّ شيءٍ لاستِمالةِ قَلبِها، فقال السَّاحرُ: هذا أمرٌ يسيرٌ، بعد أُسبوعٍ فقط، يمكنُك أنْ تذهبَ وتَخطِبها مرَّةً أخرى، وستجدها مُنقادةً إليك انقِيادَ الخِرافِ لِلرَّاعي، فما أعمله كافٍ لأنْ تُوافقَ فورًا، فبَعْدَ نحوِ عشرةِ أيَّامٍ تَقدَّمَ إليها بكلِّ زَهْوٍ وفَخْرٍ لكنَّها رَفضتْه مرَّةً أخرى، فذُهِلَ وجُنَّ جنونُه وعادَ إلى السَّاحر وسألَه ما الخبرُ؟ فقال السَّاحر: لقد أُسقِطَ في يدي، كلَّما قُمتُ بعملِ التَّعَاويذِ والطَّلاسِمِ الشَّيطانيَّةِ، لمحاولةِ طلبِ المساعدة مِن الأرواح الخبيثةِ، ومَرَدَةِ الشَّيَاطِين لإنفاذِ السِّحرِ، يرتدُّ عليَّ الأثرُ خاسئًا وهو حسيرٌ، فما أدري ماذا كانت تعملُ من عَملٍ حتى تردَّ عليَّ كلَّ ما عملتُه؟

وهذا لم يحصلْ لي مِن قبل، توسَّلَ هذا الرَّجلُ إلى شخصٍ قريبٍ لهذه المرأةِ أنْ يسألَها ما السَّبب؟ فقالت المرأةُ: إنَّني والله لا أتركُ أذكارَ الصَّباحِ ولا المساءِ أبدًا، أقرأُها بيقينٍ وحضور قلبٍ، فأسقط في يده، وانصرفَ عنها.

 

عبادَ اللهِ:

أَذكَارُ الصَّباحِ والمساءِ هِي مجموعةُ أَذكارٍ وأَحرَازٍ، يُكرِّرهَا المُسلِمُ كلَّ صباحٍ ومساءٍ، تُحَصِّنُهُ وتَحفَظُهُ - بإذنِ اللهِ - في يَومِهِ ولَيلَتِهِ مِن كلِّ أَذىً، وتَعصِمُهُ مِن كُلِّ مَا يَكرَهُ.

 

كمَا تُعطِي المسلمَ القوَّةَ ليقُومَ بأعمالِ يومهِ، بكُلِّ رَاحةٍ وأَمانٍ، لأنَّه توكَّلَ علَى الحيِّ القَيومِ، وآوَى إلى رُكنٍ شَدِيدٍ، وبَدأَ يَومَهُ وأَنهَاهُ بذِكرِ اللهِ سبحانهُ وتعَالى.

 

فعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: « «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ. كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ الله» » (رواهُ التِّرمذيُّ وصحَّحهُ الألبانيُّ).

 

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: « «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وتَنَحَّى عنهُ الشَّيَطان فَيَقُولُ لشَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ» » (رواه أبو داودَ وصحَّحه الألبانيُّ).

 

وسُئِلَ الإِمامُ ابنُ الصَّلاحِ - رحمهُ اللهُ - عن القَدْرِ الذي يَصِيرُ بهِ مِنَ الذَّاكرينَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتِ، فقَالَ: إذا وَاظبَ على الأَذكارِ المأثورةِ الْمُثْبَتَةِ صباحًا ومساءً في الأَوقاتِ والأَحوَالِ المختلفةِ ليلاً ونهارًا كانَ مِنَ الذَّاكرينَ اللهَ كَثيرًا والذَّاكراتِ. اهـ.

 

ويقولُ العلامةُ ابنُ عُثيمينَ رحمهُ اللهُ: أَذكَارُ الصَّباحِ والمسَاءِ أَشَدُّ مِن سُورِ يَأجوجَ ومَأجُوجَ في التَّحصُّنِ لِمَنْ قالَهَا بحضُورِ قَلبٍ. اهـ.

 

أيها الإخوة: والأَكملُ للمسلمِ إذَا أَرادَ قِراءةَ الأذكارِ والأدعيةِ أَن يتفَرغَ لذلكَ، ويتَهيأَ له بالطَّهارةِ، واستقبالِ القِبلةِ إنْ أَمكَنَ. وأنْ يَأتِيَ بهَا بتُؤَدَةٍ وتَأَنٍّ وتَعَقُّلٍ وتَفَهُّمٍ؛ لينشَرِحَ صَدرُهُ وتَأْنَسَ رُوحُهُ؛ ويَذُوقَ حَلاوةَ الإِيمانِ، ولا يَلِيقُ بهِ أَن يَهُذَّهَا هَذَّ الشِّعرِ، فيُسرِعَ بذِكرِها مِن غَيرِ حُضورِ قِلبٍ وتَفَهُّمٍ، أو مُجرَّدِ عَادةٍ. فكلَّما كانَ القَلبُ مُتواطِئًا معَ اللسانِ زَادَ أَثَرُ هذِهِ الأَذكارِ، وعَظُمَ نَفعُهَا بإذنِ اللهِ تعَالَى.

 

قالَ النَّوويُّ -رحمه اللهُ-: يَنبغِي أَن يَكونَ الذَّاكرُ على أَكملِ الصِّفاتِ، فإنْ كانَ جَالساً في مَوضِعِ استقبالِ القِبلةِ، وجَلسَ مُتذلِّلاً مُتخشعاً بسَكينةٍ ووقَارٍ، مُطرِقًا رَأسُهُ، ولَو ذَكَرَ على غير هذه الأحوالِ جَازَ ولا كَراهَةَ في حَقِّهِ؛ لقولِه تعَالى في وَصفِ عِبادِهِ أُولِي الأَلبابِ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]. وِلما في الصحيحينِ عَن عَائشةَ رضي اللهُ عنها قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.

 

وقالَ أَيضاً في بَابِ أَذكارِ الصَّباحِ والمساءِ: إنَّ هذَا البَابَ وَاسِعٌ جِدًّا، لَيسَ في الكَتابِ بَابٌ أَوسَعَ مِنهُ، فمَنْ وُفِّقَ للعَملِ بكُلِّهَا فهي نِعمَةٌ وفَضلٌ مِنَ اللهِ تعَالى عليهِ، وطُوبَى لَه، ومَن عَجزَ عَن جَميعِها فلْيَقْتَصِرْ مِن مُختصَرَاتِهَا على ما شَاءَ، ولو كان ذِكرًا وَاحدًا. اهـ.

 

عبادَ اللهِ: ويَبدَأُ وَقتُ أَذكارِ الصَّباحِ والمساءِ مِن طُلُوعِ الفَجرِ إلى شُروقِ الشَّمسِ، وأَذكارِ المسَاءِ مِن صلاةِ العَصرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، وهذَا قولُ الأكثرينَ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة وتلميذِه ابنِ القيِّمِ، وابنِ بازٍ وابنِ عُثيمين رحمهم الله.

 

ومَن نَسِيَ أنْ يقولَ الأذكارَ في وَقتِهَا أَو نَامَ عَنهَا فلْيَقُلْهَا متَى تَذَكَّرَ.

قال العلامةُ محمدُ بنُ عُثيمين رحمه الله: (وأمَّا قَضاؤُهَا إذا نُسِيَتْ فأَرجُو أَن يَكُونَ مَأجُورًا عَليهِ).

 

والسُّنةُ - يا عبادَ الله ِ- أنْ يَأتِيَ بهَا مُنفَرِدًا، خافضاً بهَا صَوتَهُ فلا يُشرَعُ ذِكرُهَا معَ الإمامِ أوْ جَماعةِ المسجدِ أو غَيرِ ذَلك؛ فلو كانَ ذلكَ خيرًا لَدَلَّنَا عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

 

وفي فَتاوَى اللجنةِ الدائمةِ للإفتاءِ: ما نصه (أمَّا الأدعيةُ والأذكارُ المأثورةُ: فالأصلُ فيها التَّوقِيفُ مِن جِهةِ الصِّيغةِ والعددِ؛ فينبغِي للمسلمِ أنْ يُراعِي ذلكَ، ويُحافظَ عليهِ، فلا يَزيدُ في العددِ المحدَّدِ، ولا في الصيغةِ، ولا يَنقُصُ مِن ذلكَ، ولا يُحَرِّفُ فيهِ). انتهى.

 

وفي خُصوصِ الأذكارِ فلا حَرجَ في عَدمِ تَرتيبِ قِراءَتِهَا، أو قَطعِهَا ببعضِ الأعمالِ؛ لعدمِ وُرودِ نَصٍّ عنِ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم.

 

ومِن المهمِّ عباد الله أنْ نُعوِّدَ أولادَنا وأهلَنا هذه الأذكارَ، والمواظبةَ عليها في وقتِها، فإنْ كانوا صِغارًا نُعوِّذُهم نحنُ، وإنْ كانوا كبارًا شجَّعناهم على ذلك، وعلَّمناهم أهميةَ التَّحصُّن بها، ورغَّبناهم بحفظِها، والعملِ بها، وبيَّنا لهم معانيها وأثرها، ونُخصِّصُ لهم المكافآت على ذلك، ولو وضعنا لهم مسابقاتٍ فيما بينهم في حفظِها، والاستمرارِ عليها، ونحوِ ذلك لأجلِ أنْ تكونَ لديهم عادةً يوميَّةً.

 

فأيهَا الكِرامُ: هذه الأذكارُ التي لا تَستغرِقُ وقتًا طويلًا، أَداؤهَا لا يحتاجُ لأكثرَ مِن دَقائِقَ مَعدودةٍ، لكنَّ فَوائدَهَا وآثارَهَا عَظيمةٌ، فهي تُعلِّقُ العَبدَ المسلمَ وتُقرِّبُه لمولاهُ وتُقوِّي إيمانَه وتَغفِرُ ذنُوبَهُ وتَزيدُ مِن حَسناتِهِ وتُنَوِّرُ بَصيرَتَه وتَجعلُهُ حَافظًا لعَهدِ رَبِّهِ مُخبِتًا لَه مُنِيباً إليهِ.

 

بالإضافةِ إلى أنَّهَا تَحفَظُ المسلمَ مِن شَرِّ مَا خُلِقَ مِن الجِنِّ والنَّاسِ وتَحميهِ ممَّا يَضُرُّهُ.

 

تَأمَّلوا -أيها الإخوةُ- في كَثيٍر مِن نُصُوصِ هذه الأذكارِ تَجدُونَ أنَّها تَنُصُّ على أنَّ قَائلهَا يُحفَظُ ويُعانُ، كقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «حُفِظَ يَومَهُ ذلكَ كُلَّهُ». أو كقولِهِ: «لَمْ يَضُرَّه شيءٌ». أو كقولِهِ: «تَكفِيكَ مِن كلِّ شَيءٍ». أو كقولِهِ: «مَن قرَأ بالآيتينِ الأخيرتينِ مِن سُورةِ البَقرةِ في ليلةٍ، كَفَتَاهُ».

 

كُلُّها أَحاديثٌ صَحَّ بها الخبرُ عَن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إنَّه وَعدٌ مِنَ اللهِ جَلَّ وعَلا، بلسانِ أَصدَقِ الخَلْقِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

إذَا تَأمَّلْنَا - أيها الإخوةُ - في قَولِه صلى الله عليه وسلم: تَكفِيكَ مِن كُلِّ شَيءٍ، أو لَم يَضُرَّهُ شَيءٌ، فهذه ألفاظٌ عَامَّةٌ، يَعنِي بها: أنَّها تَحفَظُ المُسلِمَ مِن شَرِّ وأذى كلُ مَا خَلقَ مِن الجِنِّ والإنسِ، فيكفِيكَ سبحانَه مِن كلِّ شَيء يَخطُرُ على بالِكَ مِن هُمومٍ نَفسِيَّةٍ، أو أَخطارٍ بَدنيَّةٍ، أو حَوادِثَ كَونيَّةٍ، أَو غيرَ ذلكَ مما يَهتمُّ له الإنسانُ، ويَخشاهُ ويَخافُهُ، فأنتَ لجأتَ إلى القُوةِ العُظمَى، لجأتَ إلى الله جَلَّ وعَلا، فإذا كانَ اللهُ لا يُعجِزُهُ حِفظُ السماواتِ والأرضِ، فهل يُعجِزُهُ حِفظُ عِبادِهِ الصّالحينَ المتقينَ؟ وهل يُعجِزُهُ مَنِ التَجَأَ إليهِ؟!

 

عبدَ اللهِ: إذا وجدتَ مِن نفسِكَ محافظةً على الأذكارِ، خُصوصاً أذكارَ طَرَفِي النهارِ فاعْلَمْ أنَّ هذا فَتْحٌ مِنَ اللهِ عَليكَ، خيرٌ لك واللهِ مِن كُنوزِ الدنيا؛ فحَافِظْ عليهِ والْزَمْهُ، وإنْ كُنتَ مُقصِّراً أو مُفرِّطاً، فاعْلَمْ أنَّ ذلك نوع مِنَ الحِرمانِ، ينبغِي أنْ تُراجِعَ فيهِ نَفسَكَ، وأَنْ تَتلمَّسَ الأَسبابَ التي أدَّتْ بِكَ إلى ذلكَ، وصَحِّحِ المسَارِ، إلى أَنْ تَجعلَ هذِهِ العِبادةَ جُزءًا مُهِمًّا مِن يَومِكَ ولَيلَتِكَ.

 

اللهمَّ أَعِنَّا علَى ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادَتِكَ.

صَلُّوا وسَلِّمُوا علَى مَن أُمِرْتُمْ بالصلاةِ والسلامِ عليهِ...

_________________________________________________
الكاتب: أحمد بن عبد الله الحزيمي