النسويات والمعالجات الهادئة

منذ 2022-06-20

الوقوف على أسباب النسوية ونشوئها وتناميها وتشخيصها وتقديم المعالجات الصحيحة

"النسوية" الموضوع الذي ما زال يشغل المجتمعات والجماعات والأفراد، والذي لم ينته الحديث عنه بعد، فالبحث فيه والوقوف على أسباب نشوئه وتناميه، وتشخيصه وتقديم المعالجات الصحيحة يحتاج إلى جهود مؤسساتية حقيقية، وتكاتُف الجميع للحدِّ من هذه الظاهرة التي تهدِّد أمن واستقرار الأُسَر المسلمة.

 

وأناقش هنا بعضًا من تشخيصات هذه الظاهرة وسُبُل العلاج.

 

 

هل النسوية فكرة أم مظهر وسلوك؟

ليست النّسوية- ابتداءً- مظهرًا أو سلوكًا تُطبِّقه المرأة على شكلها؛ إنما فكرةٌ متغلغلةٌ في عقلها، نشأت نتيجة ضغوط نفسيّة وتجارب سلبية في حياتها؛ دفعتها لاتخاذ الرجل نِدًّا وعدوًّا لها اعتقادًا منها أنه سبب تعاستها؛ إذ يريد قهرها وظلمها!

 

وتشير الملاحظة إلى أنّ التيار النّسوي ليس محصورًا في مجتمع بذاته أو بيئة بعينها أو دين محدد، فالانفتاح التكنولوجي واكتساح التّقنيات كلَّ البيوت، جعل العالم قريةً صغيرةً، تطَّلع الثقافات والعقول من خلالها بعضها على بعض، فتأخذ من هذا وتترك ذاك بِناءً على عوامل كثيرة، أهمُّها: قوةُ الفكرة وقدرتها على النّفاذ إلى هذه الثقافة أو ذاك العقل!

 

ومع مرور الوقت؛ تهجّنت الأفكار، وامتزجت العادات والتقاليد، وتماهت الهُوِيّات، فقد نجد فتاة مُلتزمة تحمل فكرًا نِسويًّا، وأخرى مُتبرجة سالمة من هذه الآفة، فالأمر غير متعلِّق بالهيئات والأشكال تحديدًا.

 

وسواء أعلنت هذه الشريحة انتماءها لهذا التّيار أو لم تعلنه- تجنبًا للأذى الذي قد يلحقها- فهذا لا ينفي اعتقادها وإيمانها وتأثُّرها بهذا الفكر؛ فتظل بذور هذه الأفكار مزروعةً في تربة عقلها، مُتناميةً شيئًا فشيئًا في مكنونات وجدانها، حتى تغدو شجرة خبيثة تُغذِّي سلوكها ليلَ نهارَ، فلا تستطيع الخلاص منها إلا باجتثاث مؤلم يعادل في حجمه عمق تجذُّر هذه البذرة فيها.

 

وبالرغم من أن الدّافع الأول للاصطفاف مع هذا التيار هو استعداء الرجل؛ إلا أننا قد نجد هؤلاء النسويات كثيرًا ما يتشبَّهْنَ بالرّجال شكلًا ومضمونًا؛ لكرههن لأنوثتهن وضعفهن اللذين هما سبب اضطهاد الرجل لهن من وجهة نظرهن!

 

 

هل النسويات اللواتي ظُلِمْنَ معذورات بانتمائهن؟

قد يكون قد مُورِسَ الاضطهادُ والظلمُ على هذه المرأة بالفعل؛ خاصة في بعض البيئات الريفية التقليدية التي تتخذ العادات والتقاليد منهجًا مقدسًا يُحظَر نقدُه أو نقضُه أو تقييمُه أو تقويمه بضوابط سواء كانت شرعية أو عقلية ومنطقية، إلا أنهن غير معذورات بهذا السبب في انتمائهن واعتقادهن، فالطرق لنيل الحقوق لا تُعدَم؛ خاصة أن الشرع وقف بجانب المرأة ومنحها كامل حقوقها، والنصوص الصريحة تشير إلى هذا إشارة واضحة: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19] و{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ}  [البقرة: 228] و «استوصوا بالنساء خيرًا» و «رفقًا بالقوارير» و «النساء شقائق الرجال» وغيرها الكثير من النصوص الدالة على ذلك.

 

وعلى صعيد آخر تأتي النسويات الإسلاميات- مع التّحفُّظ على المصطلح - أو مؤسسات تمكين المرأة- التي يقودها في الغالب نسويات أيضًا - تريد تمكين المرأة على حساب الأسرة ككل؛ فتقوم بمعالجات مضطربة ومجتزأة أو من زاوية واحدة مفتقرة للمعالجات الشمولية والقواعد المتّزنة؛ حيث لا تنظر إلا لمصلحة المرأة فتَغْرَق وتُغْرِق المرأةَ معها أكثر فأكثر، وتغرق الأُسَر والمجتمع ككل!

 

 

أصناف الرجال في التعامل مع النسويات:

أما على صعيد الرجل فنحن أمام ثلاثة أصناف من الرجال: فريق يستعدي المرأة التي شذّت فكريًّا وسلوكيًّا؛ فتزداد شراسته في معالجة هذا السلوك أيضًا بطريقة غير موضوعية؛ ومن ثَمَّ تزداد المرأة عنفًا ويدخلان في حروب اصطفافية حادة الاستقطابات؛ ومِنْ ثَمَّ تتفاقم المشكلات وتتعقد أكثر فأكثر.

 

وفريق آخر يخشى ذَمَّ الناس له واتهامهه بالذكوريّة ومعاداة حقوق المرأة؛ فيخضع أكثر من اللازم تجاه سطوة هذا الفكر والتيار؛ رغبةً في أن يَظهر بمظهر الرجل المتحضِّر والواعي اللطيف الحامي والمحامي عن قضايا المرأة، وقد يكون له بهذا التّوجُّه "مآرب أخرى"! فهذا أيضًا يؤخِّر تقدُّم المعالجات الصحيحة لسرطان هذا الفكر؛ حيث سيعجز في النهاية عن كبح جماح وجنوح هذا التيار، وربما جَرفَه معه وسحقَه تحت قدميه!

 

أما الفريق الثالث- وهم القلة- هي الفئة الحكيمة الفاعلة والأكثر إنتاجية وإيجابية؛ حيث تسعى للبحث عن معالجات حقيقية هادئة حكيمة غير مندفعة وغير متولدة من ردود أفعال متشنِّجة، فتضع يدها على مواطن الخلل سواء على مستوى الحالات الفردية أو الجماعية، فتدرُس حيثيات المشكلة بتفصيلاتها الدقيقة، وتُشخِّص الحالات ودوافعها، وتضع الحلول المناسبة، وتقوم بتجربة الأدوات كافة واستبدالها وقت الحاجة للوصول إلى نتائج إيجابية، فالنسوية مرض عام تختلف علاجاته باختلاف أسبابه ودوافعه.

 

 

المعالجات الهادئة:

ويجب على الفئة الأولى أن تتجرَّد من دوافعها النفسية قدر المستطاع كلما حاول هوى النفس أن يَشتَطَّها، محاوِلةً ضبطَ السلوك للحدِّ من المعالجات الاندفاعية التي لا تزيد الأمر إلا سوءًا وتعقيدًا، فالحفاظُ على الأسرة مقصدٌ سامٍ في الإسلام، بل قد يكون من أعظم مقاصد الدين.

 

أما الفئة الثانية؛ فعليها أن تعيَ أن مجاراة هذا التيار ليس هو العلاج الصحيح، بل به قد تتفاقم المشكلة أكثر فأكثر!

 

أما الفئة الأخيرة؛ وهي الأكثر انضباطًا واتزانًا وموضوعية- والمعوَّل عليها في العلاج- هي التي تنظر إلى مصلحة المجتمع ككل أكثر من نظرها إلى مَن الظالم ومَن المظلوم، فقد تقف في صف الظالم (ظلمًا يسيرًا)- في بعض الأحيان- سواء كان المظلوم رجلًا أو امرأة لتحقيق مصلحة ومقصد أعظم وأسمى من مصلحة نصرة المظلوم، وأكرر (ظلمًا يسيرًا) يحتمل التّغاضي عنه، فالبيوت مبنية على الإحسان لا على العدل، وكما تقول القاعدة الفقهية: "دَرْءُ المفاسد مُقدَّمٌ على جلب المصالح"، و"الضرورات تبيح المحظورات"، وفي نهاية المطاف ستعُمُّ هذه المصلحة الجميعَ بالخير.

 

 

دور مؤسسات المجتمع:

لا يغفل أحد عن أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في تقدم المجتمع واستقراره وازدهاره، وعلى هذه المؤسسات تقديم يد المساعدة لكل من يسعى لخدمة هذا المشروع الإصلاحي، للحدِّ من استشراء هذا التيار في مجتمعاتنا الإسلامية، وهو واجب إنساني وإسلامي ومجتمعي، غير معذور من استطاع المساعدة وامتنع! فإن عمَّ الخير فسيعود على الجميع بمثيله والعكس بالعكس.

 

إن النِّسويّة مرض يجب أن يُواجَه بطاقاتٍ جبَّارة مؤتمنة هدفُها المرأة والرجل والمجتمع كمنظومة متكاملة، وهنا أؤكد على أن الرجل كذلك قد يحتاج إلى تأهيل نفسي في كيفية التعامل مع هذه الحالات واستيعابها حتى نصل لنتائج مثمرة، فهذا المرض المنتشر في مجتمعنا لن يعالجَ بين ليلة وضُحاها؛ إنما يحتاج لنَفَسٍ عميق وطول مصابرة؛ حيث إن التّحدِّيات والمُعيقات والتعقيدات كثيرة جدًّا.

 

وأهم شرط في هذه المعالجة أن تكون معالجات هادئة مُشفقة تنظر بعين الرحمة للمرأة المخدوعة بأن النسوية فيها خلاصها، وفي الواقع هي السقوط الحقيقي لها والجحيم بعينه.

 

فالمرأة تستطيع تغيير العالم بلمسةٍ حانيةٍ منها، والرجلُ قادرٌ على كسب قلب المرأة بكلمة حب صغيرة منه.

_____________________________________________________

الكاتب: رانية نصر