سمات الحداثيين العرب
الحداثي العربي هو الشخص الذي يأخذ بالنموذجين "المذكورين في تعريف الحداثة" أو هو المُفكِّر الذي يعمل على تطبيق مفهوم الحداثة في الواقع المعاش؛ في فكره، ومناهجه، ودراساته التاريخية والمعاصرة.
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
الحداثي العربي هو الشخص الذي يأخذ بالنموذجين "المذكورين في تعريف الحداثة" أو هو المُفكِّر الذي يعمل على تطبيق مفهوم الحداثة في الواقع المعاش؛ في فكره، ومناهجه، ودراساته التاريخية والمعاصرة.
والحداثي العربي – أيضاً – صاحب أيديولوجيا[1] تقتضي قراءةَ الواقع والنصوص الشرعية وَفْقَ معطياتٍ مسبقة تعتمد على أوَّلية العقل، والشك والتفكيك، وينظر إلى نصوص الكتاب والسنة على أنها أمور فِكرية قابلة للنقد والتحوير، وفي الوقت ذاته يتعامل مع الحداثة على أنها نهايات مَعرِفية توزن بها الحقائق، ومن هنا يقوم خطاب الحداثي على الإقصاء والحَجْب والإبعاد والتعصب لتقليد النموذج الغربي[2].
أبرز معالم الحداثيين العرب:
الحداثيون العرب تتعدَّد مشاربهم وتختلف توجُّهاتهم؛ فمنهم اليساري، ومنهم اليميني، ومنهم الرأسمالي، ومنهم الاشتراكي، ومنهم الليبرالي، ومنهم الشمولي، وهم رغم هذا الاختلاف وذلك التنوُّع إلاَّ أنهم جميعاً تجمع بينهم قواسم مشتركة ينطلقون منها، ويأخذون عنها، ومن أبرز معالمهم[3]:
1- الاعتماد الكامل على العقل؛ بحيث يصبح المرجعية الأُولى للمعرفة والمصدر الوحيد لها، والعقل – في ظن الحداثيين – قادر ابتداءً على إنشاء المعارف وإدراك كنه الأشياء دون حاجته إلى وصايةٍ خارجية.
2- التحرر الكامل من النصوص والضوابط والقيود، والقيم والأخلاق والمعايير، وأحكام الشريعة، ومن كلِّ شيءٍ يَضَعُ ضوابط أو عراقيل أمام العقل؛ ليقول ما يشاء، ويقرأ ما يريد.
3- عجز الثقافة الإسلامية والموروث الإسلامي – بكلِّ مُكوِّناته بما فيها نصوص الكتاب والسنة – عن تقديم حلولٍ لمشكلات الواقع، أو أن تكون صالحةً للتطبيق في زماننا هذا، مما يستلزم تجاوزها.
4- محاولة تقديم نموذج ناجح لخروج الأمة العربية من تخلُّفها وتأخُّرها عن مصاف التقدُّم؛ وذلك بنبذ التُّراث القديم[4] جملةً أو تدريجيًّا، والانخراط الكامل والتبعية المطلقة للنموذج الأوروبي، أو أخذ بعضه وترك الآخَر.
5- الانبهار بالحضارة الغربية بكامل مُكَوِّناتها، ومختلف تناقضاتها، وما أنتجته من أفكارٍ ومناهجَ وتقنيات.
6- النظر إلى التراث على أنه هو السَّبب الرئيس في تخلُّف الأمة[5] العربية وتأخُّرها.
7- النظر إلى العلاقة بين الإنسان والكون على أنها علاقة صراع وتضاد وبحث عن السيطرة لسيادة الإنسان عليه، خلافاً لنظرة التعايش والاستخلاف الإسلامية.
8- الإنسان هو الغاية، والحياة الدنيا هي المنتهى، ولا سعادة للإنسان إلاَّ في الحياة الدنيا، ومادية القيم والمعايير.
9- منطلق التجديد: حيث يزعم الحداثي أنه يسعى؛ ليجدد واقع الناس، ويقدم حلولاً تُخرج المجتمع من جميع مآزقه.
10- نبذ كل ما هو قديم، وأول ما يُنبذ من القديم هو الدين. مع أن الدين مركوز في الفطرة، فهو في الإنسان منذ بدء خلقه ونشأته.
11- إعطاء العقل قيمة مطلقة، فكل ما لا يدركه العقل أو لا يستطيع فهمه فهو مرفوض، وهذا بالطبع يشمل المعجزات.
12- المرجعية للعمل التجريبي، فكل ما لا يخضع للعلم التجريبي لا وزن له ولا قيمة، وأول ما يطبق عليه هذا المنهج هي الغيبيات.
13- التشكيك في ثوابت الدين باسم النقد العلمي، ومسايرة مقتضيات العصر.
14- مساواة البشر في اقتراف الخطيئة، وعدم التسليم بالعصمة للأنبياء.
15- عدم قبول أيِّ شيءٍ بالتسليم، فالتعليل هو ميزان القبول أو الرفض وما يستعصي على التعليل لا يؤبه به.
16- معاداة شرائع الدين؛ لا سيما المتعلِّق منها بالفضائل الاجتماعية، أو انتقاء ما وافق شرائع الغرب منها، أو ارتضاه الغرب.
17- الغرب هو مقياس الحضارة والتقدم، وكل ما خالف نُظُمَ الغرب وقِيَمَه وفلسفتَه فهو انحطاط وجهل وتخلُّف.
18- تفسير السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تفسيراً مادِّيًّا. فالأديان – في نظر الحداثيين – ما هي إلاَّ ثورات اجتماعية ضد الظلم والفقر والاستبداد، ورسالات الرسل ما هي إلاَّ حركات إصلاحية كغيرها من الحركات التي عرفها تاريخ البشرية، والمعجزات التي وردت في السيرة النبوية – بحسب مذهبهم – ما هي إلاَّ أساطير وخزعبلات يجب أن تُنفى منها كتب السيرة.
19- نفي القداسة عن كل ما هو مقدَّس عند المتدينين، فكتاب الله تعالى – عند الحداثيين – كتاب كغيره من الكتب، يعبثون به كيفما شاءوا، ويفسِّرونه – حسب أهوائهم تفسيراً مادياً وعصرياً، والأنبياء – في اعتقادهم – بشر كغيرهم من البشر ينسبون لهم من النقائص ما لا ينسبونه لغيرهم من عظماء البشر.
20- الإصرار على بخس منزلة العلماء في الإسلام، وعدم الاعتراف بأئمة الفقه والتفسير وأرباب السِّيَر، الذين ظهروا على مر العصور الإسلامية، من منطق أنه "لا كهنوتية" في الإسلام؛ وذلك ليفتحوا الباب على مصراعيه لكل مَنْ لم يتلق العلم الشرعي من شيوخه ليفتي في أمور الدين بغير علم.
21- الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، من غير الضوابط الشرعية التي وضعها علماء الدين وتلقَّتها الأمة الإسلامية بالقبول؛ ليكون لهم منفذ يسعون من خلاله إلى تحريف شرائع الدين كي يلبِّسوا على عامة المسلمين دينَهم.
[1] الأيديولوجيا: هي المعتقدات والقِيَم العُليا التي تُحرِّك السلوك والأفكار وتُوجِّهها.
[2] انظر: روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، طه عبد الرحمن (ص 47)
[3] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 32-33)؛ الحداثة والنص القرآني، (ص 20)؛ إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر، عبد الغني بارة (26)؛ في الحداثة والخطاب الحداثي، منير شفيق (ص 41)؛ العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، د. عبد الإله بلقزيز (ص 58)؛ المشككون في ثوابت الدين، د. أحمد محمود طه مكي (ص 60-62).
[4] التراث القديم – في تعبير الحداثيين، هو: نصوص الكتاب والسُّنة والآثار الثابتة.
[5] المقصود بلفظ "الأمة" عند الحداثيين: هي الأمة العربية؛ بناءً على النظرة القومية، وليست الأمة الإسلامية، اقتداءً بالنموذج الغربي الذي أقام دُوَلَه على أساس القومية. انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 32).
- التصنيف: