من أقوال السلف فيما يزيل الهموم ويشرح الصدور-2

منذ 2022-07-16

قال العلامة العثيمين رحمه الله: كل شيء يجلب الهمَّ والحزنَ والغَمَّ، فإن الشارع يريد منا أن نتجنَّبَه

 

  • الاهتمام بعمل اليوم مما يدفع به الهم والقلق:

** قال العلامة السعدي رحمه الله: مما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر, وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل, وعن الحزن على الوقت الماضي...فيكون العبد ابن يومه, يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية، وحالة حاضرة، وحالة مستقبلة.

الماضية: يتناساها الإنسان، وما فيها من الهموم، انتهت بما عليه، إن كانت مصيبة، فقل: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، وتناساها.

حال مستقبلة: عِلْمُها عند الله عز وجل، اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاطلُب لها الحلَّ، لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له استعدَّ له.

وحال حاضرة: هي التي بإمكانك معالجتها، حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهمَّ والغمَّ والحزن، لتكون دائمًا مستريحًا، منشرح الصدر، مقبلًا على الله عز وجل، وعلى عبادته، وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية، وإذا جربت هذا استرحْتَ، أما إن أتعبت نفسك بما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشَّرْعُ، فاعلَم أنك ستتعب، ويفوتك خيرٌ كثيرٌ.

  • الابتعاد عن كل ما يجلب الهم والغم والحزن:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: كل شيء يجلب الهمَّ والحزنَ والغَمَّ، فإن الشارع يريد منا أن نتجنَّبَه؛ ...اجعل هذه نصبَ عينيك دائمًا أن الله عز وجل يريد منك أن تكون دائمًا مسرورًا، بعيدًا عن الحزن.

 

  • عدم الاهتمام بالدنيا يشرح الصدر:

سُئِل العلامة ابن عثيمين: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟  فأجاب الشيخ رحمه الله: من العلاج ألَّا يهتمَّ الإنسانُ بأمور الدنيا، وألَّا يكون له همٌّ إلا الآخرة.

  • الصلاة تذهب الأحزان:

قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله:  قال الله عز وجل:  {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}  [الأنعام:33] قال بعض العلماء: هذا الذي يحزنه من كلامهم قولهم له: " أنت شاعر, ساحر, مجنون, هذا الذي جئت به أسأطير الأولين, لا نقبل دينك " هذا الذي يؤذيه ويضيق به صدره, ويحزنه, وقد بين له الله جل وعلا في آخر سورة الحجر علاج هذا الداء من هذا الذي يقولونه له فيحزنه, وبين له أنه إذا أحزنه ذلك القول الذي يقولون أنه يُبادر إلى الصلاة, فإن الصلاة يعينه الله بها ويُذهب عنه ذلك الحزن, كما قال {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ } [البقرة:45]  

وقال له في آخر سورة الحجر: {وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ}  [الحجر:97] فرتب على ضيق صدره بما يقولون _ بالفاء_ قوله: {فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ } [الحجر:98] فعرفنا أن التسبيح, والصلاة, والإنابة إلى الله هو دواء ذلك الحزن والأذى, الذي يناله منهم, ولذا كان صلى الله عليه وسلم كما في حديث نعيم بن عمار كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.

  • عدم حبس الدموع, فخروجها يُريح النفس:

قال سفيان بن عيينة: إن الدمعة إذا خرجت استراح القلب.

 

  • الحياة الطيبة لمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح:

قال العلامة السعدي رحمه الله: قال تعالى: {مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ}   [النحل:97] فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح, بالحياة الطيبة في هذه الدار, وبالجزاء الحسن في هذا الدار, وفي دار القرار .وسبب ذلك واضح فإن المؤمنين بالله الإيمان الصالح, المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة, معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج, وأسباب القلق والهم والأحزان .يتلقون المحاب والمسار بقبول لها, وشكر عليها, واستعمال لها فيما ينفع, فإذا استعملوها على هذا الوجه, أحدث لهم من الابتهاج بها, والطمع في بقائها وبركتها, ورجاء ثواب الشاكرين,...ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكن تخفيفه, والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد, وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة, والتجارب والقوة, ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أموراً عظيمة تضمحل معها المكاره.

  • ستة يجلبون لأنفسهم الكآبة, فاحرص على ألا تكون واحداً منهم:

قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: كان يقال: ستة لا يخلون من كآبة:

& رجل افتقر بعد غنى. & غني يخاف على ماله النوى.

& حقود. & حسود.  

& طالب مرتبة لا يبلغها قدره.

& مُخالط الأدباء بغير أدبٍ.

 

  • التفاؤل يشرح الصدر:

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: التفاؤل يشرح الصدر, ويُؤنس العبد, ويُذهب الضيق الذي يوجبه الشيطان.

  • نظر الإنسان إلى من هو دونه في أمور الدنيا يزيل قلقه وهمّه:

** كان عون بن عبدالله بن عتبة رحمه الله يقول: كنت أجالس الأغنياء, فكنت من أكثر الناس همّاً, وأكثرهم غماً, أرى مركباً خيراً من مركبي, وثوباً خيراً من ثوبي فأهتم, فجالست الفقراء فاسترحت.

** قال العلامة السعدي رحمه الله: من أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال:  «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»  فإن العبد إذا نصب عينيه هذا الملحظ الجليل, رآه يفوق قطعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها, وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال, فيزول قلقه وهمه وغمه ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.

  • العمل للآخرة يجعل المسلم في سرورٍ متصلٍ أبداً.

قال الإمام ابن حزم رحمه الله: طرد الهمِّ مذهب قد اتفقت عليه الأمم كلُّها مُذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى...وليس في العالم...أحد يستحسن الهم, ولا يريد إلا طرحه عن نفسه, فلما استقرَّ في نفسي هذا العلم...بحثت عن سبيل موصلةٍ على الحقيقة إلى طرد الهم,...فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة...ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم,...وإن تعب فيما سلك فيه سُرَّ, فهو في سرورٍ متصلٍ أبداً, وغيره بخلاف ذلك أبداً. 

 

  • الاشتغال بعمل من الأعمال يدفع القلق:

قال العلامة السعدي رحمه الله: من أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب, واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة, فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه.

قال العلامة السعدي رحمه الله: من أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية, بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب, وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة, لأن الإنسان متى استسلم للخيالات, وانفعل قلبه للمؤثرات, من الخوف من الأمراض وغيرها, ومن الغضب والتشويش, ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب, أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية, والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة. ومتى اعتمد القلب على الله, وتوكل عليه, ولم يستسلم للأوهام, ولا ملكته الخيالات السيئة, ووثق بالله وطمع في فضله, اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم, وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية, وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه...فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس, ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له.

  • استحباب التلبينة للمحزون والمهموم:

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( التلبينة مجمة لفؤاد المريض, وتذهب بعض الحزن) أي تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه...وفيه استحباب التلبينة للمحزون.

 

  • تسلية الحزين وتأنيس المهموم يشرح الصدر ويكشف الهم:

** مرَّ أبو حازم سلمة بن دينار بأبي جعفر المديني رحمهما الله, وهو مكتئب حزين, فقال: ما لي أراك مكتئباً حزيناً, وإن شئت أخبرتك. قال: أخبرني ما ورائك؟

قال أبو حازم: ذكرت ولدك من بعدك؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل, فإن كانوا لله أولياء فلا تخف عليهم الضيعة, وإن كانوا لله أعداء فلا تبال ما لقوا بعدك.

** نظر إبراهيم إلى رجل قد أصيب بمال ومتاع, ووقع الحريق في دكانه, فاشتد جزعه حتى خولط في عقله, فقال: يا عبدالله. إن المال مال, منعك به إذ شاء, وأخذه منك إذ شاء, فاصبر لأمره ولا تجزع, فإن من تمام شكر الله على العافية الصبر له على البلية.

** قال الإمام النووي رحمه الله:

& يستحب للإنسان إذا رأى صاحبه ومن له حق, واجماً أن يسأله عن سببه, فيساعده فيما يمكن مساعدته أو يتحزن معه, أو يذكره بطريق يزول به ذلك العارض

& الإنسان إذا رأى صاحبه مهموماً وأراد إزالة همه, ومؤانسته بما يشرح صدره, ويكشف همه, ينبغي له أن يستأذنه في ذلك, كما قال عمر رضي الله عنه: استأنس يا رسول الله, لأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيده هماً.

& الإنسان إذا رأى صاحبه مهموماً حزيناً, يستحب له أن يحدثه بما يضحكه, أو يشغله, ويطيب نفسه.

& قوله صلى الله عليه وسلم: ( تبكيه أو لا تبكيه ,ما زالت الملائكة تظله ) معناه سواء بكيت عليه أم لا, فما زالت الملائكة تظله, أي: فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره فلا ينبغي البكاء على هذا, وفي هذا تسلية لها.

 

& تأنيس من حصلت له مخافة من أمر, وتبشيره, وذكر أسباب السلامة له.

& قوله صلى الله عليه وسلم في الحيض: ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) هذا تسلية لها, وتخفيف لهمها.

** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

& تأنيس من نزل به أمر, بذكر تيسيره عليه, وتهوينه عليه.

& المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يُحدثه بما يُزيل همَّه ويُطيبُ نفسه...ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير

& تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة.

  • تذكر هذا الحديث مما يخفف الحزن على من مات له حبيب من أهل وولد:

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد, ولا أتخايل إلا بلى الأبدان في القبور, فأحزن لذلك, فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها. منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:   «إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة, حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه» 

فرأيت إن الرحيل إلى الراحة, وأن هذا البدن ليس بشيء, لأنه مركب تفكك وفسد, وسيبنى جديداً يوم البعث فلا ينبغي أن يفكر في بلاه. ولتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة فلا يبقى كبير حزن, وأن اللقاء للأحباب عن قرب.

قال العلامة العثيمين رحمه الله: هناك أمراض لا ينفع فيها الأدوية الحسيَّة مثل الأمراض النفسية، فلا ينفع فيها إلا القراءة، وليعلم أن الذي يشكُّ في قراءة القارئ أو في نفثه لا يستفيد.

ــــــــــ                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ