من أقوال السلف في الضحك -2
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.
- الضحك لعباً ولهواً قد يعقبه البكاء:
** قال ابن سيرين رحمه الله: ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء, وقد شاهد الناس من تغير الدنيا بأهلها في أسرع ما يكون العجائب.
** قال الإمام ابن الجوزي رخمه الله: إن الدنيا لغرور حائل, وسرور آيل, بينما طالبها يضحك أبكته, ويفرح بسلامته أهلكته, فندم على ولله إذ قدم على عمله, وبقي رهين خوفه ووجله, وود أن لو زيد ساعة في أجله, فما هو أسير في حفرته, وحسير في سفرته.
- الحذر من الكذب من أجل إضحاك الناس:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العجيب أن بعض الناس يقول: الكذب ينقسم إلى قسمين: أبيض وأسود.
ونحن نقول: الكذب ينقسم إلى قسمٍ واحدٍ، وهُو الأسود، لا يوجد كذب أبيض إطلاقًا، هذا الذي قسمه إلى قسمين، قال: الأبيضُ هو الذي ليس به أكلُ مال لأحدٍ، ولا اعتداء على أحدٍ، كذب من أجل أن يضحك الناس، فعند هذا الرجل أنه أبيض، أمَّا إذا كذب ليأكل أموال الناس بالباطل، مثل رجل عنده حق لفلان، وطلبه صاحب الحق؛ لكن قال: ليس لك عندي شيء، يقول: هذا هو الكذب المحرم، أما الكذب الذي من أجل أن يضحك الناس فهذا ليس بمُحرَّم؛ لأنه أبيض.
سبحان الله أين البياض؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل لمن حدَّث فكذب لِيُضحك به القوم، ويل له، ثُم ويل له» ؛ ولهذا نجد أولئك القوم الذين يأتون بالتمثيليات وغيرها من الأشياء الكذب واقعين في هذا، وهم لا يعلمون.
- لا يضحك منك الشيطان:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن كيده[الشيطان] للإنسان: أنه يُورده الموارد التي يُخيل إليه أن فيها منفعته, ثم يُصدرُهُ المصادر التي فيها عطبه, ويتخلى عنه ويُسلمه ويقف يشمت به, ويضحك منه, فيأمره بالسرقة والزنى والقتل ويدل عليه ويفضحه قال تعالى: ﴿ {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ﴾ [الأنفال:48] فإنه تراءى للمشركين عند خروجهم إلى بدر في صورة سراقة بن مالك, وقال: إني جار لكم من بني كنانة أن يقصدوا أهلكم وذراريكم بسوء, فلما رأى عدو الله جنود الله من الملائكة نزلت لنصر رسوله فرَّ عنهم وأسلمهم, كما قال حسان:
دلاهم بغرور ثُم أسلمهم إن الخبيث لمن والاه غرّار
وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها, أمره بالزنى بها ثم بقتلها, ثم دل أهلها عليها, وكشف أمره لهم, ثم أمره بالسجود, فلما فعل فر عنه وتركه.
- من ضحك وفرح إذا ظفر بالذنب فيخشى عليه أن يحال بينه وبين التوبة:
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من بنى أمره على أن لا يعف عن ذنب, ولا يقدم خوفاً, ولا يدع لله شهوةً وهو فرح مسرور يضحك ظهراً لبطن إذا ظفر بالذنب, فهذا الذي يُخافُ عليه أن يحال بينه وبين التوبة, ولا يوفق لها.
** قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب.
- السخرية بالغير من أجل الضحك:
قال الإمام الغزالي رحمه الله: ومعنى السخرية: الاستهانة والتحقير, والتنبيه على العيوب والنقائض على وجه يضحك منه, وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول, وقد يكون بالإشارة والإيماء.
- لا تُضحك الذين يأكلون الطعام خوفاً عليهم من الشرق:
قال الشيخ عبدالقادر: من الأدب أن لا يتكلم على الطعام بما يستقذر من الكلام, ولا بما يضحكهم خوفاً عليهم من الشرق.
وختاماً فعن عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً, و لضحكتم قليلاً» قال الإمام النووي رحمه الله: معناه: لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم, وشدة عقابه, وأهوال القيامة, وما بعدها, كما علمت, وترون النار كما رأيت في مقامي هذا, وفي غيره, لبكيتم كثيراً, ولقلّ ضحككم لفكركم فيما علمتموه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في حديث عائشة من الفوائد: الزجر عن كثرة الضحك, والحث على كثرة البكاء, والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء"
فأقلّ من الضحك في الدنيا, وأكثر من ذكر الله لتدخل الجنة وأنت تضحك, قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: