إشغال الأوقات بصالح الأعمال والحذر من الجوال

منذ 2022-08-10

إن مقتني هذه الأجهزة، ومستخدمي هذه الشبكات يقضون عليها من الأوقات، أضعافَ أضعافَ ما يقضونه في أداء الصلوات، والأذكار وتلاوة القرآن والأعمال الصالحات!

إن مقتني هذه الأجهزة، ومستخدمي هذه الشبكات يقضون عليها من الأوقات، أضعافَ أضعافَ ما يقضونه في أداء الصلوات، والأذكار وتلاوة القرآن والأعمال الصالحات! إنّ أحدهم ليدخل في الصلاة وهو يفكِّر متى تنتهي! أو يفتتح السورةَ من القرآن وهو ينظر كم بقي عليه منها حتى ينهيَها!

 

بينما إذا مضت الساعاتُ الطوال على فتح الجوال، أو استخدامِ موقعٍ من مواقع الشبكات، بعد الساعات الطوال، وهو يريد أن يقوم؛ لأن والده ناداه، أو لأنه وعد أمَّه بأمر، فما هو تفكيره في تلك اللحظة بعد انقضاء تلك الساعات؟

إنَّ رغبته في الاستمرار لا تساعده على إغلاق الموقع والجوال، أو إنهاء الموضوع، فيُمَنِّي نفسَه، كلَّما سمع صوت أمِّه تناديه؛ بقوله:

طيّب، لحظة، دقيقة، اتركيني أنتهي من هذا السطر، من رؤية تلك الصورة، من سماع ذلك المقطع...

فإذا اضطُّرَ إلى إغلاقه؛ أغلقه ونفسُه تَتُوْقُ لأن يرجع إليه مرة أخرى...

 

بعض المحافظين على الصلوات، على صلاة الجماعة في المسجد في أوقاتها، ابتُلي باقتناء جوالٍ رَبَطَه ُبشبكة التواصل، كان من السابقين للجماعة، لا تفوته تكبيرةُ الإحرام، أذّن المؤذن والجهازُ في يده فمَنَّى نفسه؛ بأن ينهيَ قبل الإقامة، فلم تطاوعه نفسه، حتى سمع الإقامة، فترك الجهاز على كرهٍ منه على تركه، وأسرع مهرولاً إلى المسجد ففاتته السنةُ وتكبيرة الإحرام! ولكنه مع التعوُّد صار لا يأتي الصلاة إلا عند التشهد الأخير.

 

كيف؟ وبعض الناس غرق في بعض مواقع الإلحاد والكفر، والتنصير والتنفير، فلم يخرج سالما، ولم ينجُ بدينه، ولم يسلَمْ له إسلامُه، وأكلت الشكوكُ والشبهاتُ صدرَه، وأحرقت الأفكار الهدامةُ قلبَه. فشكَّك في السنة، وفي كتبِ السنة، وطعن في علماءِ السنة، ويحسبُ أنه يحسن صنعاً!

 

فأصبح كما قال الله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71].

 

[فكيف -يا عبد الله- تستفيد من هذا الجوال ومن هذا الجهاز؟

1- صلة أرحامك، وأقاربَك بالاتصال.

2- الاتصالُ بأهل العلم، وسؤالُهم عما أشكل عليك.

3- الاستعانةُ به في أمورك الدينية والدنيوية.

4- تسجيلُ أشرطةِ القرآنِ صوتيَّةً، وكتابيَّةً، ومحاضرات.

5- الاستفادةُ من المواقع النافعةِ في شبكة الإنترنت؛ الشبكة العنكبوتية.

6- المشاركةُ العلميّةُ في شبكة المعلومات الدولية الإنترنت.

7- الإيقاظُ للصلاة.

8- التذكيرُ بمواعيدِك العامّةِ والخاصَّةِ، ومنها التذكير بدخول وقت الصلاة.

9- الاطلاعُ على أخبار العالم، بالاشتراك بخدمة الأخبار.

10- الدعوةُ إلى الله.

11- ومن فوائد الجوال؛ تصويرُ المناظرِ الطبيعية...، التي تذكِّرُك بالله، وتزيدُ في إيمانك بالله تعالى؛ خالقًا وربًّا ورازقًا، ومدبًّرا لهذا الكون، وإلهًا واحدًا لا شريك له؛ وقد أحسن من قال:

وفي كل شيءٍ له آيةٌ - تدلُّ على أنه واحدُ

12- الإسعافُ في المواقف الحرجة.

 

وملاحظة مهمة:

إنَّ ما ذكر من هذه الضوابط في استخدام الجوالات، يقال أيضًا في استخدام -أجهزة الحاسوب ونحوها- الكمبيوتر والإنترنت، إذا وجد فيهما ما يماثله]. من (الضوابط الشرعية في استخدام الجوالات)، رسالة للأخ أبي إبراهيم عبدالله بن أحمد بن مقبل.

 

حقًّا إنّ الجوَّالَ كما قيل: [رفيقُ الوَحدة، وأداةُ الإنقاذ والنجدة، وهو رسول أمين، ينقل الأفكار والمشاعر، يطفئُ ظمأ الأمِّ الملهوفة؛ لتسمع صوت ابنها المغترب، أو ابنتها المتزوجة.

 

في لحظات؛ يصلُ الإنسانُ به رحمه، ويتواصلُ مع أحبابه في شتى بقاع الدنيا، ويسعف المصابَ والمريض، ويدفع المنكر والجريمة والحريق، وغير ذلك من المنافع العظيمة، التي لا نحتاج إلى الإطالة بذكرها، وإنما نحن بحاجةٍ ماسةٍ للوقاية والعلاج من بعض المفاسد والآفات، التي يمكن أن يسببها هذا الجهاز، ...]. منقول.

عافانا الله وإياكم من الفتن والضلال، ومن فتن الحواسيب والشبكات والجوَّال، وعَصَمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

 

إن الناس اليوم في شُغُل بأدوات الترفيه واللعب بالملهيات، عن الطاعات والأعمال الصالحات، إلا من رحم الله جل جلاله.

 

أما في الآخرة فأهل الجنةِ حشرنا الله معهم مشغولون بأنواع اللذائذ والمشهيات، إنهم انشغلوا في الدنيا بالله، وبما يحبه الله جل جلاله، فأعقبهم محبَّتَه وأسكنهم جنّتَه ورضاه، قال سبحانه:  {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}؛ أي: معجبون منعَّمون متلذذون، ناعمون فَرِحُونَ.

 

{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 55 - 58]، {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 102] {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].

 

إنَّ لهم في الجنة مجالسَ يتحدثون فيها عندما يتزاورون، وبعدما [... ذكر الله سبحانه وتعالى نعيمَهم، وتمامَ سرورِهم، بالمآكلِ والمشارب، والأزواج الحسان، والمجالسِ الحسنة، ذكر تذاكرَهم فيما بينهم، ومطارحتهم للأحاديث، عن الأمور الماضية، -أي في الدنيا-؛ وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل، حتى أفضى ذلك بهم، إلى أن قال قائل منهم: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} -أي: صاحبٌ- في الدنيا، -من شياطين الإنس أو الجن- ينكر البعث، ويلومني على تصديقي به، و{يَقُولُ} لي {يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 52، 53]، أي: مجازون بأعمالنا؟! أي: كيف تصدق بهذا الأمر البعيد، الذي في غاية الاستغراب، وهو أننا إذا تمزقنا، فصرنا ترابا وعظاما، أننا نبعث ونعاد، ثم نحاسب ونجازى بأعمالنا؟!

 

أي: يقول صاحبُ الجنة لإخوانه: هذه قصِّتي، وهذا خبري، أنا وقريني، ما زلت أنا مؤمنا مصدقا، وهو ما زال مكذِّبا منكرا للبعث، حتى متنا، ثم بعثنا، فوصلت أنا إلى ما تَرَون، من النعيم، الذي أخبرتْنا به الرسل، وهو لا شكّ، أنه قد وصل إلى العذاب.

 

فـ{هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} لننظرَ إليه، فنزدادَ غِبطةً وسرورًا بما نحن فيه، ويكونَ ذلك رَأْيَ عينٍ؟

والظاهرُ من حالِ أهلِ الجنة، وسرورِ بعضهم ببعض، وموافقةِ بعضهم بعضا، أنهم أجابوه لما قال، وذهبوا تبعا له، للاطلاع -من الجنة- على قرينه.

 

{فَاطَّلَعَ} فرأى قرينه {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}، أي: في وسط العذاب وغمراته، والعذابُ قد أحاط به، فـ﴿ قَالَ ﴾ له لائما على حاله، وشاكرا للّه على نعمته أن نجاه من كيده: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}، أي: تهلكني بسبب ما أدخلت عليَّ من الشُّبَه بزعمك.

 

{وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} على أن ثبتني على الإسلام، -على التوحيد والإيمان- {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} في العذاب معك، {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: 58، 59]؛ أي: يقوله المؤمن، مبتهجا بنعمة اللّه عليه وعلى أهل الجنة بالخلود الدائم فيها، والسلامة من العذاب؛ استفهامٌ بمعنى الإثبات والتقرير، أي: يقول لقرينه المعذَّب: أفتزعم أننا لسنا نموت سوى الموتة الأولى، ولا بعثَ بعدها ولا عذابَ.

 

وقوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} وحذف المعمولَ، والمقامُ -هنا لا يحتاج إلى جواب، يسألون عن ماذا؟ فالمقام هنا- مقامُ لذّةٍ وسرور، فدلَّ ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذُّون بالتحدث به، والمسائلُ التي وقع فيها النزاع والإشكال.

 

ومن المعلوم أنّ لذَّةَ أهلِ العلم -فيما بينهم عندما يبحثون عن مسألة معينة، ويبحثون عنها- بالتساؤل عن العلم، والبحث عنه، فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا، -في سمرهم وجوَّالاتهم وحكاياتهم-، فلهم من هذا النوع النصيب الوافر، -لهم هناك لذة التساؤل- ويحصل لهم -أي للعلماء- من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه.

 

فلما ذكر سبحانه وتعالى نعيم الجنة، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة، مدحَه، وشوَّق العاملين، وحثَّهم على العمل فقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي حصل لهم به كلّ خير، وكلّ ما تهوى النفوس وتشتهي، واندفع عنهم به كلّ محذور ومكروه، فهل فوزٌ يُطلَبُ فوقه؟ أم هو غاية الغايات، ونهاية النهايات، حيثُ حَلَّ عليهم رضا ربِّ الأرض والسماوات، وفرحوا بقربِه، وتنعموا بمعرفته، واسترُّوا برؤيته، وطرِبوا لكلامه سبحانه.

 

{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}، فهو أحقُّ ما أُنفقت فيه نفائسُ الأنفاس، وأولى ما شمَّرَ إليه العارفون الأكياس، والحسرةُ كلُّ الحسرة، أنْ يمضي على الحازم وقتٌ من أوقاته، وهو غيرُ مشتغلٍ بالعمل، الذي يقرِّب لهذه الدار، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟]. تفسير السعدي (703- 704).

 

عافانا الله وإيَّاكم من كلِّ الأهوال والأخطار، ومن كلّ عملٍ يقرِّب إلى النار.

______________________________________________

الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد