دور العلم في بناء المجتمعات

منذ 2022-08-25

العلم هو أساس بناء الأوطان، وتقدم البلدان، وعليه مدار سعادة وفلاح الإنسان.. وكل بلد لا يعتمد العلم سبيلا لرفعته ونهضته وتقدمه هو بلد فاشل جهل ضائع، وهو بلد مهزوم متخلف جائع.

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وزوجه وصحبه.. أما بعد:
فلا ينكر أحد من العقلاء قدر العلم ومكانته، وأثره على صاحبه وكل من حوله:


الناس من جهة التمــثال أكفــاء .. .. أبـــوهــم آدم  والأم حــــواء 
فإن يكن لهم من أصلهم شــرف .. .. يفـاخـرون به فالطين والمـاء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهــــم.. .. على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنــه . .. والجاهلون لأهل العلم أعــداء
ففــز بعــلم تعــش حـيا به أبدا. .. الناس موتى وأهل العلم أحياء



العلم أشرف شيء في هذا الوجود، وهو أنفس ما تستعمل فيه الأعمار والساعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأموال والأوقات، وشرع في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزاكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات، وسابق إلى التحلي به مستبقوا المكرمات.

والعلم أشرف من المال كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد: "يا كميل.. العلم أشرف من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، العلم حاكم والمال محكوم عليه".

والعلم زينة، ولولا العلم ما كان للعقل قيمة، ولصار الإنسان كالبهيمة:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا .. .. من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفـا
فالعلم قال أنا أحرزت غايتـــــه .. .. والعــقل قال أنا الرحمن بي عرفــا
فأومــأ العلــم إيمــاءً وقال لـــه .. .. بأيـنا الرحمن في القرآن قد وصفـا
فأدرك العقل أن العــلم ســيــده .. .. فقبل العقـل رأس الــعـلم وانصرفا

فالعلم دليل الإيمان؛ ولولا العلم ما عرف الناس ربهم ولا أسماءه ولا صفاته، ولا عرفوا كيف يعبدونه.. فبالعلم يعرف الله وبه يطاع الله، وبه يعبد، وبه يوحد، وبه يمجد، وبه يتورع، وبه توصل الأرحام، و به يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء.


قال معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه: "تعلموا العلم، فإن تعلُّمَه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارستَه تسبيح، والبحثَ عنه جهاده، وتعليمَه لمن لا يعلمه صدقةٌ، وبذلَه لأهله قُربة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة".

وأهل العلم هم أشرف الناس في هذا الوجود، وهم أرفعهم قدرا في الآخرة إذا صدقت نواياهم.
رفعهم الله بالعلم في الدنيا وفي الآخرة كما قال سبحانه: ‏{‏‏ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ‏[‏المجادلة‏:‏11‏].
وفرق بينهم وبين أهل الجهل فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:9]. وقال جل في علاه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

وقد جاءت نصوص الشريعة تدعو إلي العلم وتأمر به وتثني على أهله:
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة» (رواه مسلم).


وعن أبى أمامة رضى الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان: أحدهما: عابد، والآخر: عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم».

وعن أبي الدرداء قال صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء».
وقال: «... وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر» (رواهما أحمد، وأبو داود، والترمذي).

أفضل العبادات وأجل القربات
ولهذا كان العلم من أفضل العبادات وأجل القربات:
قال سفيان الثوري رحمه الله: "ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم".
وقال الشافعي رحمه الله: "طلبُ العلم أفضل من صلاة النافلة".
وقال ابن الجوزي: "ليس في الوجود شيء أشرف من العلم، كيف لا وهو الدليل فإذا عدم وقع الضلال" [صيد الخاطر].
قال الأحنف بين قيس: "كل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره".
قال الإمام النووي: "الاشتغال بالعلم من أفضل القرب، وأجل الطاعات، وأهم أنواع الخير وأكبر العبادات".

ولأجل كل ما سبق، كان أول ما أنزل الله من كلامه وكتابه على نبيه العربي الأمي صلوات الله وسلامه عليه، الأمر بالعلم والقراءة والكتابة.. {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}[سورة العلق]. وهذا دليل على قدر العلم ومكانته وأهميته.

العلم أساس بناء الأمم:
وإنما ذكرنا ما ذكرنا من فضل العلم وأهله ومكانه وقدره من أجل أن نخلص إلى نقطة هامة هي زبدة هذه الكلمة وهي أن العلم هو أساس بناء الأوطان، وتقدم البلدان، وعليه مدار سعادة وفلاح الإنسان.. وكل بلد لا يعتمد العلم سبيلا لرفعته ونهضته وتقدمه هو بلد فاشل جهل ضائع، وهو بلد مهزوم متخلف جائع.

وليس المقصودُ بالعلمِ هنا العلمَ الشرعي الديني فقط، وإنما كلُّ علمٍ نافعٍ مفيدٍ يسهمُ في التقدمِ الحضاري والإثراءِ المعرفي، ويقوي ويعزز قدرةَ المجتمع.. سواء كان من العلوم الدينية أو العلوم المادية التجريبية كالطب والهندسة والاقتصاد والتجارة، أو العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد جعل الله اكتساب هذه العلوم من الواجبات الكفائية التي تطالب الأمة بها في مجموعها.


فبالعلم نصنع ما نلبس، ونزرع ما نأكل، وننتج علاجنا ودواءنا، كذلك به نصنع سلاحنا الذي نقاتل به عدونا، وندفع به عن أنفسنا.

والدول التي تسيطر على العالم وتتحكم فيه إنما تسيطر عليه بالعلم والتكنولوجيا والتقدم: فبالعلم بنت هذه الدول قوتها الاقتصادية، وأنتجت من الحاجيات ما لا يستغني عنه الآخرون.. وبالعلم صنعت رفاهيتها الاجتماعية فعاشت شعوبها في رخاء وسلام، وسعادة واطمئنان.. وبالعلم بنت قوتها الحربية والعسكرية التي أرعبت بها الناس وأرغمت أنوف أعدائها، ودافعت عن مصالحها، وتحكمت في غيرها من البلدان.

ونظرة سريعة إلى ميزانية البحث العلمي في الدول المتقدمة، ومقارنتها بميزانية الدول المتخلفة سنعلم من الفارق الرهيب بينهما لماذا تقدم هؤلاء وتخلف أولئك. 

وبالجملة فإن التخلف العلمي يؤدي إلى فشو الجهل، وتخلف الأوطان، وفساد البلدان؛ لأن الجهل يمكنه أن يهدم أي بناء مهما كان، وأن يفسد جميع الأوطان والبلدان؛ كما قيل:


العلم يرفع بيتا لا عماد له .. .. والجهل يهدم بيت العز والشرف