فضل بناء المساجد والسعي إليها والصلاة فيها

منذ 2022-08-31

المسجد هو قلب المجتمع الإسلامي، وملتقى المؤمنين، وفيه يستلهمون الرشد، ويستمدون العون من الله تعالى، وفيه يتلقون العلم، وهو ساحة للقضاء، ودار للإفتاء، وهو مصدر للنور، وحياة للقلوب والأبدان.

والمسجد بكسر الجيم: اسم مكان السجود، ومصلى الجماعة، والجمع مساجد، ويطلق المسجد على كل مكان أُعد للصلوات، وإذا كانت تقام فيه الجمعة فهو المسجد الجامع؛ قال الزجاج رحمه الله: كل موضع يتعبد فيه فهو مسجد.

 

وعلى هذا فالمسجد هو المكان المُعَد للصلاة في أي موضع من الأرض غير المواضع المنهي عن الصلاة فيها؛ انظر لسان العرب لابن منظور ص (1940) القاموس المحيط للفيروز آبادي (صــ 260).

 

وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليُصلِّ حيث أدركته».

 

والمسجد في الإسلام له مكانةرفيعة في الإسلام، ومنزلةعاليةفي نفوس المؤمنين:

• فالمسجد هو قلب المجتمع الإسلامي، وملتقى المؤمنين، وفيه يستلهمون الرشد، ويستمدون العون من الله تعالى، وفيه يتلقون العلم، وهو ساحة للقضاء، ودار للإفتاء، وهو مصدر للنور، وحياة للقلوب والأبدان.

 

وفيه تتم شيوع آصرة الإخوة والمحبة بين المسلمين حيث التلاقي يوميًّا، وفيه تذوب الفوارق الاجتماعية، وتشيع رُوح المساواة والعدل بينهم، فالكل يقف صفًّا واحدًا، فلا تفاضل بينهم إلا بالتقوى.

 

• والمسجد يجمع شتات المسلمين، وذلك عندما يجتمعون حول القرآن، وشرع الرحمن، وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.

 

• والمسجد مدرسة يتربى فيها النشء، ويُعد فيها الأجيال، وهو الجامعة التي تخرج منها الأبطال الذين فتحوا قلوب العباد والبلاد بدعوة الإسلام، وهم الذين بنوا الأمجاد، ورُفعت على أكتافهم حضارات، ورفعوا راية الإسلام خفاقةً، ونشروا العدل والحب بين الناس، فلم تكن وظيفة المسجد مجرد مكان للصلوات الخمس، ولكنه كان مدرسة النبوة، ومنارة العلم.

 

• والمسجد هو البوتقة التي انصهرت فيها قلوب الصحابة وذاب فيها، ما كان من عصبيات وتكبُّر وتمرُّد.

 

فالمسجد كيرُ القلوب الذي أخرج ما فيها من شرك وحقد وحسد، حتى صار أهله أبرَّ الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا.

 

قال تعالى:  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِساب} [النور:36-38].

 

ولأهمية المسجد في الإسلام، كان أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هو بناء المسجد، فلا غروَ ولا عجب، فإن إقامة المسجد أول وأهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي، ذلك أن المجتمع المسلم إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه.

 

فالحبيب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة قام ببناء مسجد قباء حينما نزل على عمرو بن عوف، ومسجد قباء هو الذي نزل قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

 

ثم بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من قباء ودخوله المدينة قام ببناء مسجده المعروف الذي شعَّ منه نور الإسلام على العالم أجمع، وهذا المسجد خرج منه قادة الهداية وصناع الحضارة ورواد المعرفة، ومعلمو البشر وقاهرو الجبابرة، تخرج من هذا المسجد الخلفاء أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنه.

 

ومن القضاة أمثال: علي، وأبي بن كعب، وشريح، ومن العلماء أمثال: زيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاذ، وابن مسعود، ومعلمات من النساء أمثال: عائشة وحفصة، وأم سليم، وأم عمارة وغيرهن.

 

وانطلقت الدعوة الإسلامية من هذا المسجد؛ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولترسم لهم سُبل الهداية والإصلاح، ولقد شهد التاريخ الإسلامي أن المسجد قام بدور فعال في الأمة وبناء تقدمها فكريًّا وحضاريًّا على مختلف العصور.

 

يقول الرافعي رحمه الله في كتابه وحي القلم:1/438: وعرفتُ واللهِ من معنى المسجد ما لم أعرف، حتى كأني لم أدخُله من قبلُ، وانكشف لي المسجدُ في نوره الرُّوحيِّ عن معانٍ أدخلتني من الدنيا في دنيا على حِدَةٍ، فما المسجدُ بناءٌ ولا مكانٌ كغيره من البناء والمكان، بل هو تصحيحٌ للعالمَ الذي يموجُ من حَولِه ويضطربُ، فإن في الحياة أسبابَ الزيغ والباطل والمنافسة والعداوة والكيد ونحوها، وهذه كلُّها يمحوها المسجد، إذ يَجمعُ الناس مرارًا في كل يومٍ على سلامة الصدر، وبراءةِ القلب، وروحانية النفس، ولا تدخلُه إنسانيةُ الإنسان إلا طاهرةً منزَّهةً، مُسبِغةً على حدود جِسمها من أعلاه وأسفَله شعارَ الطُّهرِ الذي يُسمى الوضوء، كأنما يَغسِلُ الإنسانُ آثارَ الدنيا عن أعضائه قبل دخولِه المسجد، ثم يستوي الجميعُ في هذا المسجدِ استواءً واحدًا، ويَقِفون موقفًا واحدًا، ويخشعون خشوعًا واحدًا، ويكونون جميعًا في نفسَّيةٍ واحدة، بل يَخِرُّون إلى الأرض جميعًا ساجدين لله، فليس لرأسِ على رأسٍ ارتفاع، ولا لوجهٍ على وجهٍ تمييز، ومن ثمَّ فليس لذاتٍ على ذات سلطان، وهل تُحقِّقُ الإنسانيةُ وَحْدَتها في الناس بأبدعَ من هذا، ولَعمري أين يجدُ العالمُ صوابَه إلا ها هنا؟

 

فالمسجد هو في حقيقته موضعُ الفكرةِ الواحدةِ الطاهرةِ المصحِّحة لكلِّ ما يَزيغُ به الاجتماع، هو فكرٌ واحدٌ لكل الرؤوس، ومن ثم فهو حَلٌّ واحد لكل المشاكل، وكما يُشَقُّ النهرُ فتقفُ الأرضُ عند شاطئيه لا تتقدُم، يقامُ المسجد فتقف الأرض بمعانيها الترابية خلفَ جدرانه لا تدخله؛ اهــ.

____________________________________________________________

الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد